حقن التعليم الميت بإكسير الحياة
سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ الدكتور محمد الصباح، حفظه الله، خريج أرقى جامعة في العالم، لذا نضع بين يديه هذا المنظور:
حال الوزارات في ظل الوضع الحالي غاية في التراجع وسوء الأداء، والسبب اضطلاع الحكومة بإدارة ومباشرة القطاع الإنتاجي من صحة وتعليم وإسكان واتصالات وبريد ومواصلات وموانئ وإنتاج كهرباء وماء وإدارة محطات تكرير وصناعات بتروكيماوية... إلخ، فعلى سبيل المثال وزير التربية على عاتقه 130 ألف موظف ومئات من المدارس والمراكز التعليمية والإدارية والفنية المتعددة، ويباشر من خلال اللجان أنشطة مختلفة تتفرع عنها دوائر ولجان وفرق عمل تدير الرأس!!!
وإذا خُصخص النشاط التربوي والتعليمي فسيكون تحت إدارة وزير التربية ومسؤوليته ما لا يزيد على 5 آلاف موظف وبضع إدارات ومراكز ذات طبيعة فنية تقوم بالتخطيط والقياس والتقييم والرقابة، وبالتالي المحاسبة لضمان تحقيق المستويات المطلوبة في الأداء، وفق المعايير العالمية الموضوعية، ونظراً لوجود الإمكانات المادية والبشرية فمن السهل شَتْل تجارب الدول الناجحة والمتقدمة جدا كتجربة فنلندا بعد استئناس هذه التجارب لتتواءم مع بيئتنا الثقافية ومنظومتنا القيمية، وذلك كي نحرز تفوقا عالمياً.
وهنا أقترح، بعد تحويل النشاط التعليمي للقطاع الخاص، أن تخصص الدولة لكل مواطن في مرحلة رياض الأطفال ألفي دينار وباقي المراحل 4 آلاف دينار، بتكلفة إجمالية تقريباً 2.211 مليار علما أن التكلفة الحالية على سوئها وتخلفها 2.231 مليار.
طبعاً كل ذلك مشروط باعتماد مدارس محددة وفق معايير علمية صارمة، كما هي الحال في اعتماد جامعة الكويت جامعات الابتعاث للدراسات العليا، هذه المدارس المعتمدة هنا في الكويت يجب أن تستجمع كل الشروط والمقومات الفائقة المستوى في الأداء التعليمي، وتتعهد بتحقيق المعايير والأهداف العلمية والتربوية التي تخضع للرقابة والقياس والمحاسبة عبر فرق متخصصة.
هنا سيكون معنى لمقولة «توجُّه الدولة للاستثمار في العنصر البشري والاهتمام ببناء الإنسان» التي تتردد في خطابات وخُطب المسؤولين منذ عقود، وهنا ستبدأ عملية التغيير الجوهري للإنسان الكويتي بحيث ينخرط فور التخرج في سوق العمل، ففي فرنسا يجب ألا تزيد فترة الانتظار للعمل على 6 أشهر.
هنا ومن خلال هذه المنظومة التعليمية سنرى جيلا من الأبناء يختلف عن الجيل الحالي في بنائه الأخلاقي المسلكي والعلمي والتأهيلي خصوصاً مع ربط التعليم بسوق العمل، وفرز الطلبة مبكراً حسب ما يملكون من الميول، والمهارات، والقدرة العلمية لاستثمارها وتوجيهها على نحوٍ علمي وعملي يتجاوب مع متطلبات المجتمع والسوق، هذا التوجه في التعليم سيكون مختلفاً عن الوضع الحالي الذي أقصى طموح الطالب دخول الجامعات التي يعتبرها الوسط الاجتماعي والثقافي المتخلف معياراً للتمايز والتفوق لذلك نجد العدد الفائض من الجامعيين والتكالب على الدراسة في الخارج لدى أسوأ الجامعات وتزوير الشهادات ناهيكم عن وجود أقوى عامل لهذا التراكض وراء الشهادات الجامعية في مختلف مستوياتها بسبب تسعير الشهادات لدينا، فالرواتب مربوطة بها.
وفي حال الخصخصة فإن القطاع الخاص بمعاييره المنفعية الدقيقة هو الحاكم، ومن المحتم أن يعيد القطاع الخاص فرز طالبي العمل، ويفرض على الحكومة برامج إعادة تأهيلهم خصوصا في حال ترشيق الجسد الحكومي في الوزارات غير القابلة للخصخصة، وأنه يجب إزاحة العمالة الفائضة لأن البطالة المقنعة في القطاع العام بلغت 80%.
هذا ما سيحدث في قطاع التعليم الذي يجب أن يحدث في كل القطاع العام كي نصل إلى الوضع الطبيعي المُفارق لوضعنا المضاد لقوانين الطبيعة وسُنن العُمران، وهذا التصور المستحق يمثل الإكسير الذي يعيد إحياء الكيان الحضاري الكويتي الذي كانت لديه القدرة في أحلك الظروف على أن يُعيل سكان الكويت بل سكان مجتمعات الخليج العربي ويفيض خيره إلى ما وراء البحار.