على وقع استمرار ضربات الفصائل العراقية المسلحة الموالية لإيران ضد القوات الأميركية في العراق وسورية، انطلقت أمس، الجولة الأولى للحوار الثنائي بين العراق والولايات المتحدة لإنهاء مهمة التحالف الدولي المناهض لتنظيم «داعش» الذي تقوده واشنطن والتي تأمل بغداد أن تؤدي إلى خفض تدريجي لقوات التحالف على أراضيها.
وأكد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، الذي يرعى الحوار، رغبة العراق بالانتقال إلى علاقات ثنائية مع جميع دول التحالف وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مشيراً إلى أنه يثمن التحالف الدولي بما قدمه من مساعدة للعراق في حربه ضد تنظيم «داعش».
وجددت الحكومة العراقية الالتزام «بسلامة مستشاري التحالف الدولي أثناء مرحلة التفاوض في كل أرجاء البلاد والحفاظ على الاستقرار ومنع التصعيد»، وأكدت أن أعمال اللجنة العسكریة العلیا الأميركية ـ العراقية ستركز على مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم «داعش» والمتطلبات العملیاتیة والظرفیة وتعزيز قدرات القوات الأمنیة العراقیة. ويقود المفاوضات من الجانب العراقي رئيس أركان الجيش العراقي الفريق أول ركن عبدالأمير يارالله.
وأكدت واشنطن الخميس تشكيل مجموعات عمل مكونة من «متخصصين عسكريين ودفاعيين»، في إطار «اللجنة العسكرية العليا» المشتركة مع بغداد. وقالت نائبة المتحدثة باسم وزارة الدفاع سابرينا سينغ، إن حجم القوة العسكرية الأميركية في العراق «سيكون بالتأكيد جزءاً من المناقشات مع تقدم الأمور»، لكن مسؤولاً كبيراً في وزارة الدفاع الأميركية شدد على أن المحادثات «ليست مفاوضات بشأن انسحاب القوات الأميركية من العراق».
وقال مستشار رئيس الوزراء للعلاقات الخارجية فرهد علاءالدين: «سيحدد التقدم المحتمل طول هذه المفاوضات، المهم هنا هو عودة هذه المحادثات ووضع جدول الأعمال للمرحلة المقبلة من العلاقات الثنائية». وأضاف أن «العراق يقوم بمشاركة الدول الأخرى في التحالف الدولي لإبرام اتفاقيات ثنائية تخدم مصلحة العراق وهذه الدول».
وقال وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي، الخميس، إن قوات بلاده «على أتم الاستعداد لانسحاب قوات التحالف ومسك الملف الأمني في البلاد بالكامل، خاصة بعد الخبرة التي اكتسبتها في السنوات الماضية وتعاملها مع التهديدات الأمنية والقضاء عليها».
وأضاف في بيان نشرته وكالة الأنباء العراقية «واع»، أنه «سيتم تحديد توقيتات الانسحاب الخاصة بقوات التحالف، وبناء علاقات تعاون مشتركة بين العراق والولايات المتحدة ودول التحالف في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والأمنية والعسكرية، تتوافق مع رؤية الحكومة العراقية».
خطر حرب أهلية
ورأى المحلل السياسي العسكري الأميركي في معهد هدسون، ريتشارد وايتز، أن «أي انسحاب لقوات التحالف أو القوات الأميركية، قد يزيل هدفاً مناسباً لوكلاء إيران»، استمروا في محاولة استهدافه خلال الفترة الماضية.
وأضاف وايتز، أنه «لا أحد يعرف ما إذا كان الجيش العراقي قوياً بما يكفي لمواجهة خطر داعش، أو التنظيمات الإرهابية الأخرى»، مؤكداً أن الانسحاب إذا حصل «فسيضعف النفوذ الأميركي، والعلاقات بين الولايات المتحدة والعراق، وحتى مع إقليم كردستان».
ويقول الخبير العسكري العراقي أحمد الشريفي، إن العراق «لا يمتلك جهداً تقنياً يعوض الثغرة التي ستحصل في حال انسحاب قوات التحالف أو القوات الأميركية». بسبب «التحديات التي تمر بها المنطقة والبلاد، وما تتعرض له من حروب غير تقليدية».
وأكد الشريفي، أن ما يمتلكه العراق «لا يكفي لتنفيذ استراتجيات مواجهة أو ردع ضد تنظيمات مثل داعش، أو حتى ضبط الأمن داخل البلاد».
وتخوف من أن انسحاب قوات التحالف أو القوات الأميركية، «قد يشجع عودة التنظيمات المتطرفة، ليس في العراق لوحده، إنما في المنطقة كلها». وأشار بقوله إلى أن «الميادين ستلتهب، حيث ستقوم هذه التنظيمات باستهداف جميع دول المنطقة».
وذكر أن هذه المرحلة قد تكون «أخطر من الفترة السابقة التي ظهر فيها تنظيم داعش»، قائلاً: «كان يوجد حينها إجماع جماهيري تم استثماره في تعبئة شعبية لإيجاد جهود قتالية في الميدان (لمواجهة التنظيم الإرهابي)، لكن في حال حصول انسحاب، فإننا نتخوف من عدم وجود حالة الإجماع الجماهيري التي كانت سابقاً، بل على العكس ستكون هناك مخاوف من حدوث صدامات بين بعض المكونات، خاصة الشيعية، في ظل وجود عدم تآلف بين التيار الصدري وعصائب أهل الحق، وكل منهما يمتلك تسليحاً كبيراً، مما قد يعني حدوث حرب أهلية داخل العراق».
ومنذ أيام تشهد عدة محافظات عراقية جنوبية اشتباكات بين التيار الصدري وفصائل مسلحة أخرى، في وقت ظهرات خلافات داخل الفصائل الموالية لإيران خصوصاً بين «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، و«ائتلاف المقاومة الإسلامية في العراق»، الذي يضم «كتائب حزب الله»، و«النجباء»، و«سيد الشهداء»، و«الأوفياء»، و«الإمام علي»، والذي تبنى لغاية الآن أكثر من 150 عملية ضد الوجود الأميركي في العراق وسورية. ويتخوف خبراء من أن يلجأ الأكراد إلى التمرد المسلح في حال اندلعت الفوضى في بغداد.
جيش ضعيف نسبياً
وقال تحليل نشره المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن «العراق لا يزال قوة عسكرية ضعيفة نسبياً» وما يمتلكه من قوات منظمة «تكفي للدفاع عن نفسها ضد التهديدات الداخلية المتطرفة، أكثر من القوى الخارجية، حيث تضم القوات العراقية ميليشيات مستقلة وفصائل مسلحة لها علاقات قوية مع إيران».
وأضاف أن العراق «يفتقر إلى حكومة فعالة ونزيهة على كل المستويات، وكان على وشك الإفلاس، وهو ما أشارت إليها تقارير الاستخبارات الأميركية (سي آي أيه) وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، بأن العراق لديه أحد أسوأ الاقتصادات الإدارية والهيكلية في المنطقة، حتى قبل تأثير جائحة كورونا».
وأشار التحليل إلى أن «الفراغ» في السلطة العراقية «جعل من الصراع الأميركي الإيراني الحالي من أجل النفوذ في العراق، جزءا مهما في التوازن العسكري الحالي».
مكيدة أميركية
وتعهد ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق»، المكون من الفصائل المسلحة الموالية لإيران مواصلة هجماته ضد القوات الأميركية، رغم المباحثات، محذرة من مكيدة أميركية.
وقال ان «الحوار مع الأميركان ليس بجديد، فالحكومات السابقة عملت على ذلك، وكانت هناك زيادة لعدد القوات، وليس إخراجها»، مؤكداً أن «الجانب الأميركي يريد من هذا الحوار التسويف والمماطلة بإخراج القوات المحتلة، لأجل تعزيز هذا الوجود والبقاء لفترة أطول بحجة الحوار واللجان، ولهذا فإن الفصائل ستبقى تضغط بعملياتها العسكرية، ولا توجد أي نية لإيقاف تلك العمليات لحين تحرير العراق بالكامل من القوات الأجنبية». وحذر «من مغبة منح الحصانة لأي قوة أجنبية وبأي ذريعة كانت، فضلاً عن أي التزام من جانب الحكومة أو أجهزتها الأمنية لحماية هؤلاء الغزاة القتلة، فلو وقع هذا، فهو خيانة تاريخية للعراق ودماء شهدائه».
وأمس قالت «حركة النجباء» المنضوية في ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق» في بيان منفصل أنها ستواصل عملياتها العسكرية في المنطقة، مضيفة أن «المقاومة تمتلك رؤية متكاملة للوجود الأميركي بكل أنواعه، ورؤية واضحة لاستقلال العراق وتحريره من التبعية للأميركية». وذكرت أن «المقاومة حتى وإن استكملت طرد المحتل عسكرياً، فإنها غير غائبة عن نفوذه وهيمنته في مفاصل الدولة».
هدمات جديدة
وأعلن ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق»، أمس استهداف قاعدتي الاحتلال الأميركي، «كونيكو» و«القرية الخضراء»، بالعمق السوري، بالطائرات المسيرة. وفي وقت سابق أمس الأول، استهدف الائتلاف قاعدة «عين الأسد» الأميركية، غربي العراق، كما قصفت حقل كورمور الغازي في أقليم كردستان العراق بطائرات مسيرة انتحارية ما أدى إلى شل عمليات استخراج الغاز وانقطاع ثلثي انتاج الكهرباء في كردستان وخفض كميات الكهرباء المرسلة إلى محافظتي نينوى والتأميم.