«غطيني يا سبيكة ماكو فايدة»
«غطيني يا سبيكة ماكو فايدة» قد تكون هذه العبارة تكويتاً لجملة سعد زغلول الشهيرة «غطيني يا صفية مافيش فايدة» التي قالها لزوجته بعد أن دخل اليأس قلبه، وأنه من الصعوبة أن يتم تغيير الأوضاع السياسية في البلد.
سبيكة هي صديقتي التي اعتادت أن تكون محللة الأوضاع السياسية في كل تجمع لنا لتنقل لنا المستجدات على الساحة السياسية المحلية، بالتحديد منذ أكثر منذ خمسة عشر عاماً، فهي لا تنفك أن تقول إن مجلس فلان سيكون أفضل من علان، وإن هناك تغييرات إيجابية ستحدث في البلد، وإن هناك مشروعات كبرى سترى النور بفضل رؤية فريق مجلس فلان الذي سيقوم بتنظيف ما قام به فريق علان، وإن علان قام بتعطيل مشاريع التنمية في البلد، وإن فلانا الفلاني هو الذي سينقل البلد من حالة الجمود إلى التنمية.
كنت والصديقات نستمع لها بحماس شديد متعطشين لأي بارقة أمل، فكانت حالما تنتهي من تحليلها السياسي، وأن البلد على وشك التغيير الإيجابي، وأن علينا جميعا أن نرفض أي عروض عمل أو حتى التفكير بنقل الأعمال الى دول أجنبية أو خليجية رغم المغريات، وأن علينا أن نستمر في محاربة خفافيش الظلام الذين يحيطون بأصحاب القرار في بلادنا، كنا نصفق لها حماسا وتأييداً.
طوال 15 عاما كنا نصفق لها بالحماس نفسه، وهي تبعث لنا الأمل في أن هناك نوراً في نهاية الطريق، حتى صرخت منذ فترة إحداهن «غطيني يا سبيكة ماكو فايدة»... تسمرنا مكاننا لم ننبس بكلمة، ساد الصمت المكان نظرنا الى بعضنا بذهول شديد.
ثمة من كان يريد أن نصل جميعا إلى هذا الشعور، وعمل على وضع العصا في دواليب التنمية والتطوير في البلد، وقد نكون نحن الجيل الذي تعرض للظلم الشديد من بين كل الأجيال التي سبقتنا، فلا نحن ننتمي الى الجيل الذي عاش ازدهار السبعينيات ولا رخاء الثمانينيات ولا جيل إعادة بناء البلد في التسعينيات.
نحن جيل بدأ شبابه في الألفية الثالثة لنجد أن المعايير التي تعلمناها ممن سبقونا وطبقناها كانت معكوسة في الواقع، تربينا على الحرص على وحدة الوطن لنجد أن المتسلقين في السياسة يخترقون أسوار جامعاتنا ويحرضوننا على شق صفوف الوحدة الوطنية، وبأنني يجب أن أعادي زميلتي وهي في الأصل جارتي منذ الطفولة التي لم أر منها إلا كل الخير لمجرد أنها لا تنتمي الى المذهب نفسه، ويذهبون إليها ليقولوا لها الأسطوانة نفسها ليبثوا الضغينة في القلوب التي لم تعتد على هذه المشاعر المؤذية، فالمتسلقون هم ذاتهم الذين كانوا يحرضون الشباب من الجنسين في الجامعات على أن التغيير سيكون بأيدي الشباب، وأن البلد ينتظرهم، وأنهم الخلاص في حين كان أبناؤهم في جامعات أميركا وبريطانيا، ولم يعلم الشباب الكويتيون انهم كانوا الوقود الذي انطلقت به صفقات هؤلاء المتسلقين.
على هذه الأرض تربينا على التمسك بالأخلاق، وأن الخصومة لا تعني العداء والفُجر فيه، وأن علينا أن نحترم الآراء مهما كانت مختلفة، وأن نحترم كبار السن، لنجد أن المتسلقين يحرضون على الصراخ وعلى التطاول وعلى استخدام أفظع المفردات، وأنها هي السلاح الذي يجب على الشباب أن يستخدموه حتى تخضع له السلطات، ويصل الى المكان الذي يريد، قدموا لنا نماذج ناجحة من وجهة نظرهم استطاعت أن تصل الى ما تريد بهذه الأساليب التي لم تمثل تربيتنا ولا قيمنا منذ أن كانت الكويت صحراء قاحلة.
نحن جيل يعيش الشيزوفرينيا المجتمعية بين ما تربينا عليه وبين ما يطلبه المتسلقون من أخلاقيات غريبة وأصوات عالية تزعزع مجتمعنا الصغير المسالم المترابط، والمأساة الكبرى أن هؤلاء المتسلقين خفافيش الظلام، مازالوا يقدمون نماذجهم التي لا تمثلنا كنماذج ناجحة في المجتمع وسط صمت مريب يظلم فئة كبيرة من جيلنا الذي تربى على قيم أهله ووطنه لينأى بعزة نفسه عن الخوض في مستنقع الخفافيش مؤثراً أن يخدم وطنه بصمت وانعزال عن هذه الخفافيش.
إن أكثر ما أخشاه هو أن تغييب النماذج المتعمد، قد ينهي جيلاً آخراً بعدنا، ولكن ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل، وبصيص النور قد يضيء يوماً في بلدي، لنطلق جميعا تنهيدة وزفرة بعدها ونقول «غطيني يا سبيكة وإصرخي» لعل الصراخ يوقظ من يعيش في الغيبوبة.