المنطقة تسير إلى جولة تصعيد بعد «هجوم التنف»
ضغوط جمهورية على بايدن للرد مباشرة على إيران... وطهران تنفي إصدار أمر بالضربة
• فوضى بصفوف الفصائل الموالية لطهران في سورية وتأهب بالعراق للانتقام الأميركي
تترقب المنطقة جولة مقبلة من التصعيد، بعد مقتل 3 جنود أميركيين في قصف تبنّته فصائل عراقية موالية لإيران على البرج 22 الذي يقع في الجانب الأردني من قاعدة التنف على المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن.
وتعهّد الرئيس الأميركي جو بايدن بالرد على سقوط أول ضحايا أميركيين بعد أكثر من 170 هجوماً على قواعد أميركية في العراق وسورية تبنّاها ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق»، الذي تشكل «كتائب حزب الله العراق» عموده الفقري منذ 7 أكتوبر 2023 موعد انطلاق الحرب الإسرائيلية المدمرة على غزة، بعد هجوم مباغت شنّته حركة حماس ضد تل أبيب.
ويرجّح مراقبون أن تكتفي القوات الأميركية بالرد على الفصائل العراقية في سورية والعراق، أو ربما تستهدف قوات إيرانية خارج إيران، الأمر الذي سيُدخل المنطقة في دائرة مفرغة من الردود المتبادلة، مع تزايد احتمال الانزلاق إلى حرب شاملة، في حال وقوع مزيد من القتلى في صفوف الجنود الأميركيين، وفي حال تبيّن أن المحور الذي تقوده طهران قد اتخذ قراراً بتصعيد المواجهة عبر استهداف الأميركيين مباشرة، وأن هجوم «التنف» لم يكن عبارة عن خطأ غير مقصود.
وقال مسؤولون أميركيون، إنهم ما زالوا يعملون على تحديد هوية من أطلق الطائرة من دون طيار التي ضربت القاعدة الأميركية، وما إذا كانت قد انطلقت من العراق، وتحديداً من مدينة الرطبة جنوب غرب العراق، كما ذكرت «سي إن إن»، أو من داخل سورية، كما قدّرت معلومات أولية. وعقدت في واشنطن اجتماعات عدة رفيعة المستوى في الساعات الأخيرة، للتباحث حول كيفية الرد على الهجوم، شارك بايدن في أحدها.
طهران تتنصل
وكما حدث في هجمات سابقة، حاولت إيران التنصل من أي مسؤولية لها في الهجوم المميت، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، اليوم، إن إيران تعتبر الادعاءات بتورّطها في الضربة «لا أساس لها من الصحة»، مشدداً على أن «جماعات المقاومة» لا تتلقى أوامر من إيران.
ورغم ذلك، برر كنعاني الضربات التي تتلقاها القوات الأميركية، معتبراً أن استمرار الضربات الأميركية على سورية والعراق، كذلك الحرب في غزة لن يؤدي إلا إلى مفاقمة عدم الاستقرار في المنطقة.
وفي وقت سابق، أصدرت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة بياناً يؤكد أنه «ليس لإيران أي صلة أو علاقة بالهجوم على القاعدة الأميركية». وأضافت: «ثمّة صراع بين القوات الأميركية وفصائل المقاومة في المنطقة، والتي تردّ بهجمات انتقامية».
العراق يدين
وفي بغداد، نددت حكومة محمد شياع السوداني بالهجوم بطائرة مسيّرة الذي أدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين، داعية إلى «وقف دوامة العنف» في المنطقة.
وأعلن المتحدث باسم الحكومة العراقية، باسم العوادي، في بيان «في الوقت الذي يدعو العراق إلى وقف دوامة العنف، فإنه يؤكد استعداده للعمل على رسم قواعد تعامل أساسية تجنّب المنطقة المزيد من التداعيات، والحيلولة دون اتساع دائرة الصراع».
مقتل 6 في قصف إسرائيلي على منشأة إيرانية بدمشق... و«ضربة» عراقية داخل إسرائيل
وأضاف أن «انعكاس هذه التطورات يهدد السلم والأمن الإقليمي والدولي، ويقوض جهود مكافحة الإرهاب والمخدرات، وكذلك يعرّض التجارة والاقتصاد وإمدادات الطاقة للخطر».
وأفادت معلومات بأن الجانب العراقي الرسمي تواصل مع الأردن، وقد دان الضربة على أراضيه، مؤكداً تضامنه مع عمان. وجاء الهجوم غداة انطلاق حوار أميركي ـ عراقي حول الوجود الأميركي العسكري في العراق، وصفته الفصائل المتشددة بأنه «مكيدة» أميركية، ومجرد طريقة للماطلة.
وأعلن ائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق» عن قصف بالطيران المسيّر لهدف عسكري إسرائيلي، مؤكداً أنه سيواصل «دكّ معاقل الأعداء». وكانت تقارير تحدثت عن فوضى شاملة في صفوف الميليشيات الموالية لإيران في منطقتَي الميادين والبوكمال السوريتين، تخوّفاً من الانتقام الأميركي. كما سجلت حركة للطيران المسيّر منذ الإعلان عن هجوم التنف في مناطق متفرقة من الأجواء العراقية، خصوصاً فوق العاصمة بغداد، وسط تسجيل حال تأهب في صفوف الميليشيات، تحسّباً للرد الأميركي.
ضغوط جمهورية
وأدى مقتل الجنود الأميركيين إلى زيادة الضغوط الجمهورية على الرئيس جو بايدن، مع تزايد سخونة الانتخابات الرئاسية. ودعا أعضاء جمهوريون نافذون في غرفتَي «الكونغرس» لتوجيه ضربة مباشرة لإيران، وهي خطوة يتردد الديموقراطي بايدن في اتخاذها، خوفاً من إشعال فتيل حرب أوسع نطاقاً.
واتهم الجمهوريون بايدن بالسماح بأن تصبح القوات الأميركية أهدافاً سهلة في انتظار إفلات طائرة مسيّرة أو صاروخ من دفاعات القواعد العسكرية. وقال السيناتور الجمهوري توم كوتون: «لقد ترك قواتنا أهدافا سهلة... الرد الوحيد على هذه الهجمات يجب أن يكون انتقاماً عسكرياً مدمراً ضد القوات الإرهابية الإيرانية في إيران وفي أنحاء الشرق الأوسط».
كما دعا النائب الجمهوري مايك روجرز، الذي يرأس لجنة الرقابة العسكرية الأميركية في مجلس النواب، إلى اتخاذ إجراء ضد طهران. وقال روجرز: «مر وقت طويل بالفعل، فليقم الرئيس بايدن أخيراً بمحاسبة النظام الإيراني الإرهابي وحلفائه المتطرفين على الهجمات التي نفذوها».
ووصف الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي يأمل في مواجهة بايدن في الانتخابات الرئاسية هذا العام، الهجوم بأنه «نتيجة لضعف جو بايدن واستسلامه» وقال إن العالم يقف على حافة الحرب العالمية الثالثة بسبب سياسات الإدارة الحالية. وكان ترامب قد أقدم على اغتيال الجنرال الإيراني المؤثر قاسم سليماني، رداً على محاولة فصائل عراقية محاصرة السفارة الأميركية، وبعد مقتل متعاقد أميركي في قصف لهذه الفصائل، وهو ما يزيد الضغوط على بايدن الذي تواجه إدارته سلسلة من الضغوط، خصوصاً بسبب حربَي غزة وأوكرانيا وسياسة الهجرة على المستوى الداخلي.
انتقادات ديموقراطية
وعبّرت سياسية ديموقراطية علانية عن قلقها من فشل استراتيجية بايدن لاحتواء الصراع بين إسرائيل و«حماس» ضمن نطاق قطاع غزة.
وقالت النائبة الديموقراطية باربرا لي: «كما نرى الآن، الأمر يخرج عن نطاق السيطرة. وبدأ يظهر كحرب إقليمية، ولسوء الحظ فإن هذا يجعل الولايات المتحدة وقواتنا عرضة للأذى»، وجددت الدعوات لوقف إطلاق النار في الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
من جانبه، عارض النائب الديموقراطي سيث مولتون، الذي خدم 4 فترات في العراق كجندي في مشاة البحرية، دعوات الجمهوريين للحرب بقوله «الردع صعب والحرب أسوأ». وإضاف مولتون «إلى الصقور الجبناء الذين يدعون إلى الحرب مع إيران، أفعالكم تصب في مصلحة العدو، وأود أن أراكم ترسلون أبناءكم وبناتكم للقتال... يجب أن يكون لدينا رد فعل استراتيجي فعّال وفقاً لشروطنا وجدولنا الزمني».
لن تبتلع الطعم
وقال مدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد جوناثان لورد إن الضرب مباشرة داخل إيران من شأنه أن يثير تساؤلات لدى طهران بشأن بقاء النظام. وقال لورد: «عندما تفعل الأمور علنا، فإن ذلك يشكّل تصعيداً كبيراً بالنسبة للإيرانيين».
وأشار تشارلز ليستر، من معهد الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، إلى أن الرد المحتمل سيكون استهداف موقع مهم أو قيادي بارز في جماعات مدعومة من إيران في العراق أو سورية. وأضاف: «ما حدث هذا الصباح كان على مستوى مختلف تماماً عن أي شيء فعله هؤلاء الوكلاء في الشهرين أو الأشهر الثلاثة الماضية... (لكن) على الرغم من كل الدعوات لفعل شيء ما داخل إيران، لا أرى أن هذه الإدارة ستبتلع هذا الطُّعم».
وقال مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية، طلب عدم ذكر اسمه، إنه من غير الواضح ما قد تكون عليه التأثيرات الثانية والثالثة التي ستترتب على ملاحقة إيران. وتساءل: «إذا لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لحرب شاملة، فما الذي ستحققه لنا مهاجمة إيران؟».
«الفصائل العراقية» تعلن استهداف موقع إسرائيلي... وواشنطن تنفي تعرّض سفينة حربية لهجوم حوثي
ومع ذلك، يعترف لورد وخبراء آخرون بأن إسرائيل ضربت أهدافاً إيرانية في سورية على مدى سنوات دون أن يوقف ذلك إيران، بما في ذلك قتل 4 مسؤولين من الحرس الثوري الإيراني بدمشق في 20 يناير، بينهم نائب قائد استخبارات «فيلق القدس»، الذي كلن يشغل أيضاً منصب قائد استخبارات الحرس الثوري في سورية.
وضربت الولايات المتحدة أهدافاً مرتبطة بإيران خارجها في الأشهر القليلة الماضية. وقال الجيش الأميركي في نوفمبر إنه ضرب منشأة لا تستخدمها جماعة مدعومة من إيران فحسب، بل الحرس الثوري الإيراني نفسه أيضاً. لكن ليستر يقول إن الولايات المتحدة استهدفت إيرانيين خارج إيران من قبل، مثل عملية في 2020 استهدفت قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني، الذراع الخارجية للحرس الثوري الإيراني، ولم ترد طهران إلا خلال فترة زمنية محدودة. وأضاف: «لذا إلى حد ما، إذا وجهت ضربة قوية وعلى مستوى عال بما يكفي، فلدينا سجل سابق يُظهر أن إيران يمكنها أن تتراجع أولاً».
ودعت عدة دول إيران الى ضبط جماعاتها. وقال رئيس الوزراء البريطاني ريتشي سوناك: «نحث إيران على وقف تصعيد التوتر في الشرق الأوسط».
«السيدة زينب» والحوثي
وقتل 6 مقاتلين موالين لإيران بقصف يُرجّح انه إسرائيلي على منشآت تابعة للحرس الثوري في منطقة السيدة زينب جنوب دمشق. وقالت وكالة تسنيم الإيرانية إن إسرائيل هاجمت مركزاً استشارياً عسكرياً إيرانياً قرب العاصمة السورية، فيما أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان الى أن الهجوم استهدف أحد مقار حزب الله اللبناني.
الى ذلك، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين، يحيى سريع، اليوم، إن جماعته أطلقت صاروخاً على سفينة تابعة للبحرية الأميركية أثناء إبحارها في خليج عدن. وأضاف في بيان أن السفينة التي استهدفها الحوثيون، تدعى «لويس بي. بولر»، ومن ضمن مهامها تقديم الدعم اللوجيستي للقوات الأميركية «التي تشارك في العدوان على بلدنا». ونفى مصدر في «البنتاغون» صحة الإعلان الحوثي.