وجهة نظر: سمو رئيس الوزراء والهوية الاقتصادية الجديدة
تدشّن الكويت مرحلة جديدة تحدوها آمال كبيرة نحو العمل الجاد لازدهار الدولة ورفعتها في ظل القيادة الحكيمة لسمو الأمير الشيخ مشعل الأحمد، وبحكومة جديدة يتولى رئاستها سمو الشيخ د. محمد الصباح.
إلا أن هذه الآمال والطموحات تصطدم بماضٍ محبط وليس ببعيد، عانت فيه الكويت وشعبها تراجعا وتقهقرا هو الأسوأ تاريخياً على جميع الصعد.
وبحكم التخصص، يهمنا هنا التطرق الى التحديات القائمة في الشأن الاقتصادي، وإن كنّا نعلم أن الحديث عن الاقتصاد المحلي وتحدياته أصبح مكررا ومملا للكثيرين في ظل مرور سنوات عدة دونما أيّ تحسّن حقيقي يتواكب مع الرؤى والبرامج الحكومية السابقة وما أتت به من وعود. إذن لماذا الإصرار على الحديث عن الاقتصاد المحلي؟ ببساطة، لأنه ركن مهم لقيام أي دولة وديمومتها.
فالإدارة الاقتصادية إمّا أن تؤدي الى فوائض مالية توجّه للأغراض التنموية، وبالتالي نمو وتحسّن في معيشة المواطن ومستوى الخدمات المقدمة له، أو هدر وسوء صرف وخدمات عامة متدنية تنتهي بعجوزات تؤدي الى الاستدانة، وقد تنتهي بإفلاس الدولة.
كذلك الإدارة الاقتصادية هي التي انتشلت ماليزيا من اقتصاد منهار يواجه مخاطر الإفلاس بسبب الفساد الى اقتصاد متطور، وهي ذاتها التي أودت بفنزويلا الى الإفلاس، رغم أنها دولة نفطية كانت تحقق فوائض مالية.
لذا، لا يمكن أن يتوقف الحديث والنقاش حول الاقتصاد ما دامت الإدارة لهذا القطاع لم تحدث تغييرا ملموسا ومقنعا نحو الأفضل ينتشل البلد من التحديات والمعوقات العالقة منذ عقود.
والمثير للاهتمام أن رئيس مجلس الوزراء أشار، في أول كلمة ألقاها أمام سمو الأمير، الى «ترسيخ هوية اقتصادية جديدة»، في رسالة واضحة عن أهمية هذا القطاع لدى الحكومة الجديدة. وعليه نرجو أن تكون ذات قراءة عميقة لجذور ومسببات تحدياتنا الاقتصادية، فالواقع والماضي القريب أثبت، ولا يزال يثبت، حجم الجهل بالوسائل والأدوات اللازمة لانتشال اقتصادنا المحلي من القاع الذي وصل إليه في عدة مجالات لسنا بصدد سردها، فسمو الرئيس يعلمها جيدا، ويعلم أيضا أن المسبب الرئيسي لها هو «قوانين لا تواكب التطورات والتغيّرات الاقتصادية، فضلا عن انحياز بعضها لخدمة مصلحة خاصة على المصلحة العامة»، علاوة على ضعف في كفاءة بعض القائمين على مؤسسات الدولة، خصوصا في السنوات الأخيرة.
كذلك سمو الرئيس لديه وعي كامل بأن النمو في الناتج المحلي هو «نمو خادع» مردّه الى مصدر أول للطاقة يمثّل أكثر من 90 بالمئة من إيرادات الدولة ليست له أي علاقة لا من قريب ولا بعيد بتميّز أي قطاع من قطاعات الدولة، سواء الحكومية أو الخاصة. والإشكالية هنا أن هذا «النمو الخادع» يستمر منذ أمد طويل في تجميل الصورة القبيحة لاقتصادنا المحلي فيما لو تمّت مقارنته مقارنة موضوعية ومنطقية مع اقتصادات تتشابه معنا في مختلف الظروف، وكانت الكويت لها أفضلية السبق عليها جميعا.
فهل يقدّم لنا سمو الرئيس هوية ورؤية جديدة موحّدة ومنسجمة مع الواقع والقوانين، خصوصا أن التناقض المستمر كان عنوان الرؤى والبرامج السابقة كنتيجة طبيعية «لعدم الجدية»؟ حيث إنه لدينا قوانين تحمي الاحتكار وفي ذات الوقت جهاز لحماية المنافسة! ولدينا قوانين تضع قيودا على دخول المستثمر الأجنبي، وفي المقابل هيئة لتشجيع الاستثمار الأجنبي!
أيضا لدينا تشدُّد في السياسة النقدية غير مسبوق بمبررات حماية استقرار العملة في آخر سنتين، وفي الوقت نفسه تم رصد أعلى ميزانية في تاريخ الدولة. كذلك لدينا رؤية من المفترض أنها تستهدف التنمية المستدامة، وفي نفس الوقت آخر ميزانية كانت فيها نسبة الإنفاق الرأسمالي لا تتجاوز 7 بالمئة في أدنى مستوياته منذ سنوات! وغيرها الكثير من التناقضات بين الواقع وبين ما يتم ترويجه إعلاميا ورسميا.
باختصار، أيا كانت هذه الهوية التي يبشّر بها رئيس مجلس الوزراء، فإنّه من الواجب أن تكون قائمة على أسس العدالة والمساواة والرقابة والمحاسبة وحرية الأسواق والإيمان بدور قوى العرض والطلب للوصول إلى الكفاءة الاقتصادية المنشودة في ظل قوانين عادلة، إضافة الى العمل الجاد حتى تنجح هذه الهوية وتحقق أهدافها، وإلا سيكون مصيرها مصير سابقاتها من البرامج والرؤى. لذا، ننتظر أن يظهر المسؤولون المعنيون للترويج لهذه الهوية الاقتصادية الجديدة وسبل تحقيقها وآلياتها ومستهدفاتها، ويؤكدون جديتهم من خلال وضع «أهداف قابلة للقياس».
* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة