بينما كنت أقرأ بعض المعلومات عن جنوب إفريقيا، التي تقدَّمت بشكوى ضد الكيان الصهيوني أمام محكمة العدل الدولية، وجدتني أقف أمام السجن الذي أمضى فيه نيلسون مانديلا أكثر من 26 عاماً.
***
يقع السجن في جزيرة روبن، التي تبعد عدة أميال عن مدينة الكاب في رأس الرجاء الصالح، وهو سجن قديم جداً، ويُعد من أشهر السجون في العالم، لما يتسم به من قسوة ووحشية في كيفية التعامل مع النزلاء فيه، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تجد الحراسة فيه مشددة من الداخل والخارج، فأسواره مجهزة بقوات من الشرطة الغلاظ والكلاب الشرسة، ومُحاط بمنطقة مائية تعج بأسماك القرش الفتاكة، كما أن الزنزانات فيه ضيقة جداً، وقذرة، ودرجة رطوبتها مرتفعة، والملابس في السجن كلها من قماش الكاكي، والبطاطين ممزقة، وتفوح منها الروائح الكريهة، والحمامات الجماعية تبتعد عن الزنازين 300 متر، وعلى المساجين أن يذهبوا إلى دورات المياه جرياً وهم حفاة عراة كما ولدتهم أمهاتهم، بحراسة الكلاب البوليسية، ولكل واحدٍ منهم تُصرف ملعقة من السُّكَّر وقليل من الخبز، وتُتَّبع في سياسة الطعام مع مساجين في هذا السجن سياسة أن يصبح الواحد منهم عبارة عن هيكلٍ عظمي، ولكنه يتنفس.
***أما خارج الزنازين، فيخرجون لتنفيذ برنامج الأشغال الشاقة، ويقومون بتكسير الأحجار.
***وبعد العديد من الاحتجاجات والإضرابات عن الطعام سُمح للمساجين باستقبال أطفالهم ممن هم دون السادسة من العُمر، والحديث يجب أن يكون باللغة الإنكليزية، وسُمح للسجين أن يبعث برسالة لا يزيد عدد كلماتها على 500 كلمة ولمرة واحدة كل ستة أشهر.
***وقد سُمح للسيدة ويني - زوجة مانديلا - بعد أن قطعت مسافة 1000 كم، وقامت بإجراءات مطوَّلة ملأت عشرات الأوراق، بالحديث إلى زوجها مانديلا من خلال فتحة باب ضيقة لمدة 10 دقائق.
***وللعلم، فإن النظام العنصري جعل من 3 ملايين أبيض يتحكمون في 26 مليوناً من مواطني جنوب إفريقيا، لكن بعد أن خرج مانديلا من السجن التقى المثقفين والدكاترة والمحامين والمدرسين، وبدأوا العمل على تنظيم أنفسهم، فأصبح رئيساً لجنوب إفريقيا، التي صارت تدافع عن حقوق المستضعفين في العالم.