هل أمرت إيران بـ «هجوم التنف» انتقاماً لاغتيال جنرالاتها في سورية؟
طهران حصلت على «أدلة» من موسكو تؤكد استقرار مسيّرات إسرائيلية بالقاعدة
تعيش المنطقة حالة من حبس الأنفاس بانتظار الرد الأميركي على الهجوم الذي استهدف «البرج 22» في قاعدة التنف على الجانب الأردني من الحدود مع سورية، وأدى إلى مقتل 3 جنود أميركيين وجرح العشرات بعضهم في حالة خطيرة، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الفصائل المتحالفة مع إيران في لبنان والعراق واليمن وسورية هجمات ضد واشنطن وتل أبيب، تهدف، بحسبهم، إلى مساندة قطاع غزة الذي يتعرض لهجوم إسرائيلي وحشي مستمر منذ عملية «طوفان الأقصى» التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر الماضي.
وفور إعلان مقتل الجنود الثلاثة في أكبر ضربة تتلقاها القوات الأميركية في الشرق الأوسط منذ سنوات، واجه الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً قاسية من خصومه الجمهوريين للرد مباشرة على إيران، وعدم الاكتفاء بضرب الفصيل العراقي الذي نفذ الهجوم، والذي يعتقد مسؤولون استخباريون أنه «كتائب حزب الله العراقية»، العمود الفقري لائتلاف «المقاومة الإسلامية في العراق» المسؤول عن أكثر من 178 هجوماً على قواعد أميركية في العراق وسورية خلال الأشهر الأربعة الماضية.
ونفت إيران أمس على لسان مندوبها في الأمم المتحدة ووزارة الخارجية، ضلوعها بأي شكل في الهجوم. وأكد المتحدث باسم «الخارجية» أمس أن «فصائل المقاومة» في المنطقة لا تتلقى أوامرها من طهران.
وتلقي معلومات حصلت عليها «الجريدة» ظلالاً من الشك على موقف طهران من الهجوم التصعيدي، وما إذا كان مرتبطاً بحسابات إيرانية أم أنه نتيجة اجتهاد للفصائل العراقية التي تحاول ربما جذب الأضواء أسوة بزملائهم في «محور إيران» جماعة أنصار الله الحوثية في اليمن التي أظهرت فعاليتها في إثارة الاضطراب بالبحر الأحمر عبر الهجمات على السفن وآخرها الهجوم على سفينة عسكرية أميركية أمس في خليج عدن.
وكشف مصدر رفيع المستوى في المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني لـ «الجريدة»، أن الأمين العام للمجلس اللواء علي أكبر أحمديان، الذي زار موسكو في الأيام الأخيرة، تلقى معلومات من الروس تؤكد أن عملية اغتيال قائد استخبارات الحرس الثوري في دمشق ومساعديه وقادة آخرين من الفصائل العراقية الموالية لطهران، تمت من قاعدة التنف الأميركية التي تمتد على مساحة واسعة في المثلث الحدودي بين سورية والعراق والأردن.
وحسب المصدر، فإن الروس سلموا لأحمديان أفلاماً وصوراً لأقمار صناعية وتجسسية، تؤكد أن الطائرات والمسيّرات التي قامت بعمليات الاغتيال انطلقت من «التنف»، وأن «البرج 22» الذي يقع على الحدود الأردنية ينسق استخباراتياً لهذه العمليات ويقود المسيّرات.
وأكد أن أفلام الأقمار الصناعية الروسية أظهرت أن عدداً من الطائرات والمسيّرات الإسرائيلية استقرت في «التنف»، وبالتالي يمكن أن تشن إسرائيل عملياتها انطلاقاً من هذه القاعدة، لكن هذه الأفلام لا تظهر إذا ما كانت الطائرات التي نفذت الاغتيالات أميركية أم إسرائيلية.
وأشار إلى أن الأقمار الصناعية الاستخباراتية الروسية سجّلت أيضاً انتقال سرب من الطائرات الإسرائيلية إلى القاعدة الأميركية في جيبوتي قرب مدخل مضيق باب المندب، لكن من غير المعلوم إذا ما كانت هذه الطائرات قد شاركت في العمليات ضد اليمن، لأن الطائرات المنقولة إلى القاعدة المذكورة من نوع «أف 16» و«أف 35» وهي مشابهة تماماً للطائرات الأميركية.
وكانت مصادر في القدس أكدت لـ «الجريدة»، أن إسرائيل قامت بهجمات جوية في اليمن. ويُذكر أن المعلومات التي تلقتها إيران من موسكو جاءت بعد احتجاج شبه رسمي إيراني لموسكو على الاغتيالات الإسرائيلية في سورية، وحملة في الإعلام الإيراني ضد روسيا لعدم قدرتها على تأمين الأجواء السورية، واتهامات لها بالتآمر مع دمشق لإخراج «الحرس الثوري» من سورية.
ورغم هذه المعلومات، نفى المصدر علمه بأن تكون هناك أوامر إيرانية بمهاجمة أهداف أميركية، مؤكداً أن معظم أعضاء «الأعلى للأمن القومي» فوجئوا بالهجوم الذي أسفر عن مقتل الجنود الأميركيين، لكن بعضهم كان متوقعاً أن تواجه القواعد الأميركية هجمات من الفصائل العراقية بسبب الضربات التي قامت بها واشنطن ضدها.
وقال المصدر إنه بعكس ما يتصوره الكثيرون فإنه منذ بضعة أعوام خاصة بعد اغتيال اللواء قاسم سليماني، لم يعد العديد من المجموعات المسلحة في العراق تلتزم بأوامر إيران، وتنفذ أجندتها، مما تسبب في خلافات علنية بين طهران وبعض المجموعات، وكذلك في خلافات معلنة بين المجموعات نفسها، وآخرها الخلاف الكبير بين «كتائب حزب الله» و«عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي.
ولفت إلى أن طهران أبلغت الأميركيين عدة رسائل قبل هجوم «التنف» بأن الفصائل العراقية لا بد أنها ستنتقم عندما يتسنى لها ذلك لمقتل قادتها في ضربات أميركية، وأنها عاجزة عن ضبطهم. وجاء الهجوم غداة انطلاق حوار أميركي ــ عراقي حول الوجود الأميركي العسكري في العراق، واعتبرت الفصائل المتشددة الحوار مكيدة أميركية، فضلاً عن رفضها، حسب تقارير، مطالب من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لوقف الهجمات خلال المفاوضات.
إلى ذلك، أفادت معلومات دبلوماسية بأن واشنطن ستعمل بعد الرد على «هجوم التنف» على تفعيل التفاوض مع طهران على ثلاثة خطوط، الأول يتمثل بالمفاوضات في سلطنة عمان، والثاني بالمفاوضات في جنيف، أما الثالث فهو قناة تواصل سعودية ــ إيرانية مرتبطة بالوضع في منطقة الخليج وبعض الدول العربية.
وكشفت المصادر عن حصول لقاء أميركي ــ إيراني مباشر في أرمينيا قبل فترة.