تاج محل... أغنية من مرمر ورسالة حب حُفِرت على الرخام (2 من 2)
نصب تذكاري مذهل لذكرى معبرة عن مرارة الفقد والإخلاص الأبدي
ضمن الزيارة التعريفية لنيودلهي، التي نظمتها وزارة الشؤون الخارجية الهندية، والتي شاركت فيها «الجريدة» مع مجموعة مكونة من نحو 27 إعلامياً من السعودية وعمان والإمارات والبحرين، كانت لنا وقفة في أعجوبة القرن السابع عشر، ورمز الحب في مدينة أغرا الهندية... تاج محل.
وفي شرح مفصّل من مرشدنا شمس الدين، وهو مواطن من أغرا، أوضح أن تاج محل أو «قصر التاج»، هو تحفة حكم الإمبراطور المغولي شاه جاهان، أو «ملك الدنيا»، الذي كان يعتبر من أعظم ملوك عصره وأكثرهم قوة.
وبات هذا الصرح واحداً من أجمل نماذج طراز العمارة الإسلامي، حيث يعرف على نطاق واسع بوصفه «جوهرة الفن الإسلامي».
شاه جاهان
ولد شاه جاهان عام 1592 في لاهور بباكستان، وتوفي في 1666 في أغرا، وجلس على عرش إمبراطورية المغول في الهند بين عامي 1628 و1658، وهو من بنى تاج محل على ضفة نهر يمونا، تخليداً لذكرى زوجته ممتاز محل المفضلة بين زوجاته الثلاث.
ووصف الكتاب الهنود عموماً شاه جاهان بأنه المثل الأعلى للحاكم المسلم، وكان حاكماً متسامحاً تجاه رعاياه الهندوس، وكان لديه شغف بالبناء، ففي عاصمته الأولى أغرا بنى مسجدين كبيرين، هما مسجد موتي «مسجد اللؤلؤ»، والمسجد الجامع «المسجد الكبير»، وكذلك ضريح تاج محل الرائع.
وفي عام 1657 مرض شاه جاهان، مما أدى إلى صراع على الخلافة بين أبنائه الأربعة: دارا شيكوه ومراد بخش وشاه شجاع وأورنغزيب، الذي أعلن نفسه إمبراطوراً وخلع شاه جاهان وسجنه في قلعة أغرا لبقية حياته حتى وفاته.
ممتاز محل
وُلدت ممتاز محل، وأُطلق عليها أيضاً أرجوماند بانو في عام 1593، وتوفيت في عام 1631، عن 38 عاماً، وهي زوجة شاه جاهان.
وأنجبت ممتاز محل 14 طفلاً، بينهم أورنغزيب، آخر أباطرة المغول العظماء، وبعد وفاتها ألهمت ذكراها بناء تاج محل حيث دُفنت.
تاج محل
بُني تاج محل على الضفة الجنوبية لنهر يامونا بمدينة أغرا، من رخام المرمر الأبيض الخالص، الذي يتغير لونه مع انعكاس ضوء القمر والشمس عليه، وقد وصف شاه جاهان ذلك بأن «الشمس والقمر يذرفان الدموع من الأسى»، كما تم تطعيم هيكل الضريح بـ28 نوعاً من الأحجار الكريمة وشبه الكريمة كالفيروز، واللازورد، وخرزة التبت، والكريستال، وأحجار اليشم، التي تم استيرادها من الصين وراجستان والبنجاب وأفغانستان وسريلانكا، ومن الجزيرة العربية جاء حجر «العقيق»، وقد استخدم في نقل تلك المواد ما يقرب من ألف فيل.
وبعد إتمام بناء نصب الحب التذكاري لممتاز محل، نُقل رفاتها في تابوت ذهبي من مدفنها المؤقت في حديقة زينباد بمدينة برهانبور على ضفة نهر تابتي إلى ضريحها الجديد.
ومن الأساطير التي تحيط بهذا الضريح أنه مصمم ليتمكن الإمبراطور من النظر إليه من كل جانب أو على انعكاسه في الماء.
إذاً، هذا المبنى الرائع، الذي يعتبر أعجوبة العالم السابعة، ليس أكثر من قبر بناه أحد أباطرة المغول، لكي تدفن فيه زوجته الشابة المحبوبة، والتي رحلت في ريعان شبابها بعدما أنجبت الأطفال الـ14، وحافظت مع ذلك على بهائها وجمالها، حتى اللحظة التي توفيت فيها، فبكاها الإمبراطور وحزن عليها، وصمم على أن يخلّد ذكراها في ذلك المبنى الذي لا نظير له.
بناؤه بدأ عام 1632 بالاستعانة بـ 20 ألف عامل من الهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية وأوروبا
ويعد تاج محل من أهم الأمثلة التي تدلّ على جمال العمارة المغولية، ويتميّز بفنّه المتناغم، ودمجه السلس للعناصر الزخرفية المكوّنة له، فهو يمزج بين الأساليب المعمارية التي تعود في أصولها إلى الحضارة الإسلامية، والفارسية، والهندية، ممّا يجذب ملايين السياح كل عام لزيارته والاستمتاع بجمال مظهره. وقد صُنّف كموقع للتراث العالمي لليونسكو في 1983.
وتم تصميم العناصر الرئيسية للمجمع، وهي البوابة الرئيسية والحديقة والمسجد والضريح، ككيان موحد، الأمر الذي لم يسمح بأي إضافة أو تغيير على مجمع الضريح لاحقاً، وبدأ البناء عام 1632، حيث تم توظيف أكثر من 20 ألف عامل من الهند وبلاد فارس والإمبراطورية العثمانية وأوروبا في هذه العملية، واستمر بناء المجمع، الذي تبلغ مساحته 42 فداناً، نحو 22 عاماً.
وللضريح قبة مركزية مهيبة يصل ارتفاعها إلى نحو 73 متراً، ويعكس الرخام الأبيض المستخدم في عملية البناء درجات الألوان وفقاً لشدة ضوء الشمس أو ضوء القمر، وداخله غرفة رخامية مثمنة الأضلاع مزينة بنقوش منحوتة وأحجار مصقولة وتحيط بالضريح 4 مآذن أنيقة.
أما تحت القبة المتوسطة، الرئيسية التي يبلغ ارتفاعها 75 قدماً، يقبع الضريح في هدوء مدهش، وفيه ترقد الملكة وسط بياض بهي رائع، بياض يضيء المكان، وكأن الإمبراطور اختار لوناً يمنع العتمة من التسلل الى المكان خوفاً على رقاد محبوبته.
ولكي تصل إلى الضريح لابد من عبور بوابته الرئيسية الضخمة التي يصل ارتفاعها إلى 35 متراً، والتي شيدت من الحجر الرملي الأحمر، وعلى يمين البوابة توجد مبانٍ مسقوفة كانت بمنزلة غرف للنوم للعمال الـ20 ألفاً والذين بنوا ذلك الضريح، وبمجرد أن تعبر البوابة تجد حديقة الضريح الكبيرة التي تعتبر قمة في التخطيط والتنسييق الرائع، تضم النافورات الجميلة والأشجار العالية المشكلة بطريقة هندسية جميلة، وبداخلها برج الياسمينة الذي كان ينظر منه الإمبراطور شاه جاهان إلى قبر زوجته الحبيبة ممتاز محل. تتوسط الحديقة بركة مياه مستطيلة، تبدأ من بعد البوابة حتى تنتهي عند هيكل التاج، وفي منتصف المسافة بين البركة والقبر يوجد خزان ماء رخامي.
أما الضريح نفسه فبني على مصطبة عريضة مطلية بالمرمر الأبيض، أقيمت على أركانها 4 مآذن دائرية الشكل، يبلغ ارتفاع كل واحدة منها نحو 37 متراً، تحيط بكل واحدة ثلاث شرفات دائرية عريضة، وفي منتصف المصطبة يرتفع الضريح بواجهاته الأربع، تعلوه خمس قباب، أربع منها على زوايا سطح الهيكل، أما القبة الخامسة فتتوسط السطح، وهي أكبرها، ويبلغ قطرها نحو 17 متراً، ويصل ارتفاعها إلى 22.5 متراً، أعلاها مزين بشكل زهرة اللوتس، ويوجد أسفلها مباشرة ضريحا شاه جاهان وزوجته ممتاز محل.
وتاج محل مقام في عمق حديقة غناء مستطيلة الشكل يبلغ طولها نحو 580 متراً مقابل عرض يزيد على 300 متر، وهي محاطة بأربعة أسوار أقيم في كل منها أربعة أبواب ضخمة، وتعبر الحديقة أربع أقنية تجري فيها الماء وتنتشر فيها النوافير تسقي النباتات مبقية لها على جمال ألوانها وبهائها المستديم. من دون أن ننسى تلك الممرات التي بُلّطت بالمرمر الأبيض أسوة بجدران القصر نفسه.
كان حب شاه جاهان حقيقياً، لدرجة أن الوعد ببناء أجمل وأروع ضريح لمحبوبته تحقق، وتحوّل لواحدة من عجائب الدنيا، ويقف الآن شامخاً وقوياً وسيظل رمزاً للحب للأجيال القادمة، وهو نصب تذكاري مذهل للحب والخسارة والفقد والإخلاص الأبدي، والذي قال عنه جواهر لال نهرو، رئيس الوزراء الهندي الأسبق: «هذا ليس قبراً... هذا أغنية من المرمر».
اللؤلؤ الأزرق
ولا تقف مصادر إبهار المبنى عند التصاميم الفريدة أو قصة الحب الخالدة، فهناك أيضاً ميزة نادرة جداً للمبنى قد لا يحظى الكثير من الزوار بفرصة التمتع بها، لارتباطها الوثيق بتواريخ محددة من السنة عند اكتمال القمر ووصوله إلى حالة البدر، وهذا مرتبط بعمليات حسابية دقيقة تكشف مدى مهارة العمارة الإسلامية، وهو التقويم نفسه الذي اعتمد عليه المسلمون عند تشييدهم للعمارة الإسلامية بالأندلس، ففي هذا الوقت يأخذ المبنى ألواناً مختلفة عن اللون الأبيض، حيث يكون أشبه بلون اللؤلؤ الأزرق. وأشار شمس الدين إلى أنه يسمح حينها لـ400 شخص، لا أكثر، بالدخول على دفعات فردية من 8 أشخاص فقط، وتُمنح كل مجموعة 30 دقيقة لاستكشاف النصب التذكاري الساحر تحت ضوء القمر الكامل.
ورغم أن قبر الملكة الحسناء يتوسّط المبنى، وأضيف اليه لاحقاً قبر الإمبراطور نفسه، لكنه من الصعب أن تُقنع قاعات المبنى وممراته وحدائقه ومناراته الأربع وجدرانه وزينته، الزائر بأن هذا البهاء كله إنما أقيم لتخليد الموت.
ومختتماً شرحه المفصّل للوفد، يودّعنا شمس الدين قائلاً «إلى اللقاء أيها الأصدقاء، من موقع شهادة الحب الذي يتجاوز الزمان والمكان والثقافات... كان هذا تاج محل، رسالة حب حفرها شاه جاهان لحبيبته ممتاز محل على الرخام».
السفير الهندي: علاقاتنا مع الكويت تاريخية وموثقة عبر الزمن
أكد خلال الاحتفال بـ «يوم الجمهورية» تطلع شركات بلاده لتنفيذ مشاريع واسعة في الكويت
أشاد سفير الهند لدى البلاد أدرش سويكا بالعلاقات التاريخية والوثيقة التي تجمع نيودلهي بالكويت معرباً عن تقدير بلاده للكويت أميراً وحكومة وشعباً لالتزامها الثابت بالعلاقات الوثيقة والودية التي تجمع البلدين الصديقين بتطوير تلك العلاقات والنهوض بها.
وفي كلمة ألقاها خلال احتفالية أقامتها سفارة بلاده لمناسبة «يوم الجمهورية» ومرور 75 عاماً على دخول دستور الهند حيز التنفيذ، وبمشاركة نائب وزير الخارجية السفير الشيخ جراح الجابر وعدد من رؤساء البعثات الدبلوماسية وكبار الشخصيات في البلاد، قال سويكا، إن «البلدين سيواصلان إحراز تقدم كبير في المشاركات والتعاون في شتى المجالات، وعلى الصعد كافة»، معرباً عن تطلع بلاده نحو المزيد من التعاون ما بين الحكومتين والشعبين الصديقين.
وذكر أن نيودلهي والكويت تجتمعان في إيمانهما بأن «الحوار والدبلوماسية هما السبيل الوحيد للمضي قدماً في حل الصراعات والنزاعات الدولية وأن العالم أسرة واحدة».
وتابع: «عندما يتعلق الأمر بعلاقاتنا الثنائية مع دولة الكويت، فهي بالفعل تاريخية وموثقة عبر الزمن، فقد كانت التجارة والروابط بين الناس هي الصرح الذي بنيت عليه علاقاتنا الوثيقة، والأهم من ذلك، أن قيادتي البلدين تقدران بشدة أهمية هذه العلاقة متعددة الأوجه».
ولفت إلى أن «العلاقات الثنائية تغطّي التعاون في مجموعة واسعة من المجالات، فالهند هي من بين أكبر ثلاثة شركاء تجاريين ثنائيين للكويت، وتعاوننا الاستثماري الثنائي ينمو مع زيادة الاستثمارات الكويتية في الهند إضافة إلى زيادة وجود الشركات الهندية في الكويت، حيث نفذت العديد من الشركات الهندية، وتنفذ وتتطلع إلى تنفيذ مشاريع بنية تحتية واسعة النطاق في الكويت».
وعن التعاون في مجال التعليم، قال السفير الهندي: «معروف جيداً مع 26 مدرسة هندية تعمل في الكويت ويبلغ عدد طلابها أكثر من 60 ألف طالب وطالبة، والجالية الهندية الحيوية في الكويت والتي يبلغ عددها نحو مليون شخص هي بمنزلة جسر حي بين البلدين، ونحن نتطلع إلى مواصلة تعزيز شراكتنا الخاصة مع الكويت بتوجيهات من القيادة الجديدة في الكويت».
وأضاف سويكا: «لا تزال قصة التنمية الهندية في السنوات الأخيرة تجتذب اهتمام المجتمع الدولي، فباتت أكبر نظام ديموقراطي ومستقر، وأكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وهي خامس أكبر اقتصاد، ومن المتوقع أن يصبح ثالث أكبر اقتصاد بحلول 2027-2028، وتعتبر الصيدلية العالمية ورابع أكبر قدرة مركبة للطاقة المتجددة».
70 ألف زائر يومياً... وحراسة مشددة
يعتبر «تاج محل» واحداً من أهم معالم السياحة في الهند، ومصدر جذب سياحي شهير على مستوى العالم، وللدخول إليه عليك الانتقال من سيارتك أو من حافلتك بواسطة عربات كهربائية صغيرة، للمحافظة على نظافة المكان من التلوث.
وتتم الزيارة وسط إجراءات أمنية مشددة، لحماية هذا الموقع الأثري الذي يجذب الملايين من الزوار سنوياً، وبمعدل نحو 70 ألف زائر يومياً، حسبما أوضح المرشد شمس الدين، كما يشرف على صيانة ونظافة الموقع المئات من الأشخاص.
منارة قطب... أول شاهد على دخول الحضارة الإسلامية إلى الهند
الناظر في تاريخ المساجد المقامة في الهند يقف على أسس معماريَّة حضاريَّة خاصَّة بها.
ومن تلك المساجد الباهرة مسجد قطب منار في نيودلهي، الذي يُعدُّ أول شاهد على دخول الحضارة الإسلامية إلى الهند، كما تُعتبر منارته الأطول من نوعها في الهند، وثاني أطول المنارات في تاريخ العالم الإسلامي، بعد منارة الجيرالدا في إشبيلية، حيث تتكوَّن المئذنة من 5 طوابق.
تحتل «منارة قطب» مكانة خاصة في قلب الهند، حيث تتجلى بها عظمة الهندسة والتصميم الفني، وتعد جزءًا من مجموعة من المنارات التي شُيدت خلال العصر المغولي، وهي تعكس تقنيات هندسية متطورة ورؤية فنية تمتاز بالتفرد.
وكان المسجد في البداية يسمى بـ «قوة الإسلام»، حيث بُني في عهد السلطان قطب الدين أيبك، أوَّل سلاطين المماليك في الهند، وبدأ في تشييده عام 1193، واستمرَّ العمل فيه نحز 5 سنوات. إلا أن السلطان قطب الدين تُوفِّي بعد تأسيس المسجد، وكانت مئذنته من طابق واحد، ثم بنى خليفته شمس الدين ألتمش الطابقين الثاني والثالث، وفي عهد الدولة التغلقيَّة (آل تغلق) زاد السلطان فيروز تغلق شاه الطابقين الرابع والخامس، وقد بُنِي المسجد بعددٍ كبيرٍ من الأحجار الرمليَّة الحمراء، بينما أُكمل المستويان الأخيران بالرخام الأبيض، وجدران المبنى مزخرفة بالنقوش والآيات القرآنية.
تميَّزت منارة المسجد بارتفاع المئذنة 72.5 متراً من أصل 80، ويوجد بداخلها درج حلزوني يُعدُّ 379 درجة، يُمكن عن طريقه الوصول إلى القمَّة، فيما يبلغ القطر في القاعدة 14.3 مترًا، ولا يتجاوز الـ 2.7 متر في أعلى المبنى.
كما يضمُّ المجمع بجوار المسجد مباني أخرى، ويستقطب إليه جموعًا كبيرةً من السُّيَّاح كلَّ عام، ولهذا أدرجته منظمة يونسكو في قائمة التراث العالمي.
وفور الدخول إلى قلب المنارة، تجد نفسك في قلب الفن والتاريخ. فالجدران منصوبة بعناية فائقة، مزينة بنقوشات دقيقة وزخارف فنية تروي قصصاً من الماضي. وكل تفصيل يحمل بصمة فنية فريدة، مما جعل تجربة الاستكشاف أكثر إثارة.