لقد تجاوزت الحصيلة التي تم الإعلان عنها للقتلى الفلسطينيين في غزة حتى الآن 25 ألف قتيل، ولا تظهر في الأفق أي إشارة على وقف القتال كما لا يوجد وضوح بشأن الأهداف الاستراتيجية لإسرائيل مع تزايد حدة المناقشات حول ما الذي يجب فعله بعد انتهاء الحرب في نهاية المطاف.
لقد كثّفت الولايات المتحدة الأميركية من تصريحاتها التي دعت من خلالها الى بذل المزيد من الجهود من أجل التوصل لحل الدولتين، وهي سياسة الاتحاد الأوروبي نفسها ومعظم المجتمع الدولي لسنوات عديدة، كما تهدف مبادرة السلام العربية إلى إقامة دولتين للشعبين اللذين يقيمان بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن مرة أخرى معارضته الصريحة، حيث قال: «لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن، وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية». إن هذا الطرح يؤكد ظنون الكثيرين منذ فترة طويلة أن سياسات نتنياهو لسنوات عديدة سعت لتعطيل أي تحرك من أجل التوصل لحل الدولتين وهي السياسات التي نجحت إلى حد كبير.
للأسف فإن أنصار حل الدولتين لا يشغلون موقعا مهيمنا ضمن الخطاب العام الحالي سواء في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية، ومع احتدام الحرب زادت حدة المشاعر، إذ إنَّ هناك شعوراً متزايداً بالعداء المتبادل مع اهتمام لا يكاد يذكر باحتمالات السلام على المدى الطويل، لكن هذا سيتغير في نهاية المطاف، مما قد يسمح بأشكال أكثر بناءة من الخطاب.
ومن المؤكد أن الانتقال من الحرب الحالية نحو مستقبل الدولتين لن يكون بالأمر السهل، ولا بد من تسوية قضايا الحدود، إلى جانب وضع القدس (وربما هو الجانب الأكثر حساسية في النزاع بالنسبة إلى كلا الجانبين) كما تظل المستوطنات اليهودية غير القانونية الواسعة النطاق في الأراضي المحتلة واحدة من أكبر العوائق التي تعترض تحقيق تقدم وأكثرها وضوحا.
لكن حل الدولتين في نهاية المطاف ليس حلاً لا يمكن تصوره أو حدوثه كما يشير المنتقدون، بل على العكس من ذلك فهناك الكثير من المخططات التي تم وضعها بالفعل، حيث نشرت مؤسسة راند الأميركية للأبحاث قبل بضع سنوات موجزاً بحثياً يتضمن رؤية لمدن فلسطينية على شكل «قوس» تربطها سكك حديدية حديثة بكل من غزة في الجنوب وميناء حيفا في الشمال.
إنَّ المشكلة بطبيعة الحال هي أن حل الدولتين ليس هو الحل الوحيد المتاح، وعلى أقصى طرفي الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني، فإن الخيار المفضل هو إنشاء دولة واحدة «من النهر إلى البحر»، وحسب من الجانب الذي سينتصر، فإن هذا يعني إما دولة فلسطينية تحل مكان (وبالتالي تقضي على) دولة إسرائيل، أو دولة يهودية رفضت فكرة إقامة دولة فلسطينية في المنطقة.
نعم، من الناحية النظرية، يمكن للمرء أيضا أن يتصور وجود دولة واحدة يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بسلام معاً في ظل نظام سياسي ديموقراطي يضمن حقوقا متساويةً للجميع، ولكن من الناحية العملية، ربما يستغرق تحقيق هذه النتيجة قرونا من الزمن، وبما أنه ليس لدينا كل هذا الوقت، فإن مثل هذا الحل غير ذي صلة في واقع الأمر.
إن نسخة حماس بشعار «من النهر إلى البحر» لا يمكن أن تنجح أيضا فإسرائيل لا تتمتع بالحق في الدفاع عن نفسها فحسب، بل إن وجودها يحظى كذلك بدعم قوي من جانب المجتمع الدولي، فضلاً عن قسم كبير من العالم العربي، وفي حين يستمر الجناح العسكري لحماس في الدفاع عن خياره، يتحدث قادة حماس من السياسيين في بعض الأحيان عن قبول وقف إطلاق النار طويل الأمد (الهدنة)، وهو ما يعني ضمنًا الاعتراف الفعلي بـ«الكيان الصهيوني».
إن النسخة الإسرائيلية المتطرفة من عبارة «من النهر إلى البحر»، التي يفضلها الآن صراحة عناصر في حكومة نتنياهو، تدعو إلى اتخاذ تدابير «لتشجيع» أكثر من 5 ملايين فلسطيني يعيشون في غزة والضفة الغربية على الرحيل، ومع استمرار حرمان القلة المتبقية من حقوقهم السياسية، فإن النتيجة ستكون دولة مبنية على مزيج من التطهير العرقي والفصل العنصري الصريح، ولكن هذا المسار من شأنه أن يؤدي في الأرجح إلى تجدد أعمال العنف والصراع، وهو ما من شأنه أن يغرق المنطقة في المزيد من الفوضى.
وفي حين أعرب نتنياهو عن معارضته لحل الدولتين، فإنه لم يلمح على الإطلاق إلى النتيجة التي يفضلها، ومع افتقاره إلى أي اتجاه وانتقاله من أزمة إلى أخرى، فإنه- سواء عن قصد أو بغير قصد- يأخذ إسرائيل إلى طريق الدولة الواحدة التي يفضلها أكثر حلفائه تطرفا، وبالتالي يبتعد أكثر فأكثر عن السلام المحتمل.
ونظراً للبدائل- التي لا يمكن حتى أن نطلق عليها «حلولا»- فإن نتيجة حل الدولتين تظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق من أجل تحقيق السلام، وبمجرد انتهاء الحرب الحالية (كلما كان ذلك أسرع، كان ذلك أفضل)، فلا بد أن تركّز كل الجهود الدبلوماسية وجهود إعادة الإعمار على إعادة المنطقة إلى مسار الدولتين علمًا أنه ستكون هناك مقاومة من جانب الذين يهتفون «من النهر إلى البحر»، ولكن المرء يأمل أن تكون الغلبة في نهاية المطاف للمعتدلين من الطرفين بدعم من لاعبين رئيسيين مثل: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وهم وحدهم قادرون على القول بشكل ينطوي على المصداقية بأنهم يعرفون الطريق الذي سيؤدي إلى تحقيق السلام.
* وزير خارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيس الوزراء من عام 1991 إلى عام 1994، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة.
«بروجيكت سنديكيت، 2024»
لقد كثّفت الولايات المتحدة الأميركية من تصريحاتها التي دعت من خلالها الى بذل المزيد من الجهود من أجل التوصل لحل الدولتين، وهي سياسة الاتحاد الأوروبي نفسها ومعظم المجتمع الدولي لسنوات عديدة، كما تهدف مبادرة السلام العربية إلى إقامة دولتين للشعبين اللذين يقيمان بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن.
لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أعلن مرة أخرى معارضته الصريحة، حيث قال: «لن أتنازل عن السيطرة الأمنية الإسرائيلية الكاملة على كل الأراضي الواقعة غرب الأردن، وهذا يتعارض مع الدولة الفلسطينية». إن هذا الطرح يؤكد ظنون الكثيرين منذ فترة طويلة أن سياسات نتنياهو لسنوات عديدة سعت لتعطيل أي تحرك من أجل التوصل لحل الدولتين وهي السياسات التي نجحت إلى حد كبير.
للأسف فإن أنصار حل الدولتين لا يشغلون موقعا مهيمنا ضمن الخطاب العام الحالي سواء في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية، ومع احتدام الحرب زادت حدة المشاعر، إذ إنَّ هناك شعوراً متزايداً بالعداء المتبادل مع اهتمام لا يكاد يذكر باحتمالات السلام على المدى الطويل، لكن هذا سيتغير في نهاية المطاف، مما قد يسمح بأشكال أكثر بناءة من الخطاب.
ومن المؤكد أن الانتقال من الحرب الحالية نحو مستقبل الدولتين لن يكون بالأمر السهل، ولا بد من تسوية قضايا الحدود، إلى جانب وضع القدس (وربما هو الجانب الأكثر حساسية في النزاع بالنسبة إلى كلا الجانبين) كما تظل المستوطنات اليهودية غير القانونية الواسعة النطاق في الأراضي المحتلة واحدة من أكبر العوائق التي تعترض تحقيق تقدم وأكثرها وضوحا.
لكن حل الدولتين في نهاية المطاف ليس حلاً لا يمكن تصوره أو حدوثه كما يشير المنتقدون، بل على العكس من ذلك فهناك الكثير من المخططات التي تم وضعها بالفعل، حيث نشرت مؤسسة راند الأميركية للأبحاث قبل بضع سنوات موجزاً بحثياً يتضمن رؤية لمدن فلسطينية على شكل «قوس» تربطها سكك حديدية حديثة بكل من غزة في الجنوب وميناء حيفا في الشمال.
إنَّ المشكلة بطبيعة الحال هي أن حل الدولتين ليس هو الحل الوحيد المتاح، وعلى أقصى طرفي الطيف السياسي الإسرائيلي والفلسطيني، فإن الخيار المفضل هو إنشاء دولة واحدة «من النهر إلى البحر»، وحسب من الجانب الذي سينتصر، فإن هذا يعني إما دولة فلسطينية تحل مكان (وبالتالي تقضي على) دولة إسرائيل، أو دولة يهودية رفضت فكرة إقامة دولة فلسطينية في المنطقة.
نعم، من الناحية النظرية، يمكن للمرء أيضا أن يتصور وجود دولة واحدة يعيش فيها اليهود والفلسطينيون بسلام معاً في ظل نظام سياسي ديموقراطي يضمن حقوقا متساويةً للجميع، ولكن من الناحية العملية، ربما يستغرق تحقيق هذه النتيجة قرونا من الزمن، وبما أنه ليس لدينا كل هذا الوقت، فإن مثل هذا الحل غير ذي صلة في واقع الأمر.
إن نسخة حماس بشعار «من النهر إلى البحر» لا يمكن أن تنجح أيضا فإسرائيل لا تتمتع بالحق في الدفاع عن نفسها فحسب، بل إن وجودها يحظى كذلك بدعم قوي من جانب المجتمع الدولي، فضلاً عن قسم كبير من العالم العربي، وفي حين يستمر الجناح العسكري لحماس في الدفاع عن خياره، يتحدث قادة حماس من السياسيين في بعض الأحيان عن قبول وقف إطلاق النار طويل الأمد (الهدنة)، وهو ما يعني ضمنًا الاعتراف الفعلي بـ«الكيان الصهيوني».
إن النسخة الإسرائيلية المتطرفة من عبارة «من النهر إلى البحر»، التي يفضلها الآن صراحة عناصر في حكومة نتنياهو، تدعو إلى اتخاذ تدابير «لتشجيع» أكثر من 5 ملايين فلسطيني يعيشون في غزة والضفة الغربية على الرحيل، ومع استمرار حرمان القلة المتبقية من حقوقهم السياسية، فإن النتيجة ستكون دولة مبنية على مزيج من التطهير العرقي والفصل العنصري الصريح، ولكن هذا المسار من شأنه أن يؤدي في الأرجح إلى تجدد أعمال العنف والصراع، وهو ما من شأنه أن يغرق المنطقة في المزيد من الفوضى.
وفي حين أعرب نتنياهو عن معارضته لحل الدولتين، فإنه لم يلمح على الإطلاق إلى النتيجة التي يفضلها، ومع افتقاره إلى أي اتجاه وانتقاله من أزمة إلى أخرى، فإنه- سواء عن قصد أو بغير قصد- يأخذ إسرائيل إلى طريق الدولة الواحدة التي يفضلها أكثر حلفائه تطرفا، وبالتالي يبتعد أكثر فأكثر عن السلام المحتمل.
ونظراً للبدائل- التي لا يمكن حتى أن نطلق عليها «حلولا»- فإن نتيجة حل الدولتين تظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق من أجل تحقيق السلام، وبمجرد انتهاء الحرب الحالية (كلما كان ذلك أسرع، كان ذلك أفضل)، فلا بد أن تركّز كل الجهود الدبلوماسية وجهود إعادة الإعمار على إعادة المنطقة إلى مسار الدولتين علمًا أنه ستكون هناك مقاومة من جانب الذين يهتفون «من النهر إلى البحر»، ولكن المرء يأمل أن تكون الغلبة في نهاية المطاف للمعتدلين من الطرفين بدعم من لاعبين رئيسيين مثل: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول العربية، وهم وحدهم قادرون على القول بشكل ينطوي على المصداقية بأنهم يعرفون الطريق الذي سيؤدي إلى تحقيق السلام.
* وزير خارجية السويد من عام 2006 إلى عام 2014 ورئيس الوزراء من عام 1991 إلى عام 1994، والمبعوث الخاص للاتحاد الأوروبي إلى يوغوسلافيا السابقة.
«بروجيكت سنديكيت، 2024»