الاغتراب البيئي... بقرة «الدلنجات» و«الطنطل» والتغير الموسمي
أثير موضوع منذ فترة غير متصل بالأحداث المحلية الكويتية لكنني أكاد أجزم أن له من الأبعاد والإسقاطات الشيء الكثير، سواء فيما يتعلق بدول منطقتنا أو حتى دول العالم الأول، نبهني صديق منذ فترة عن قصة حدثت في جمهورية مصر العربية الشقيقة منذ زمن وتحديدا في منطقة (الدلنجات) وهي منطقة ريفية جميلة امتازت بالزراعة والتنوع الحيواني فيها، ومن بعد الاستقصاء اتضح أن هناك أفواجا كبيرة لأناس اعتادت أن تذهب إلى شخص ما يمتلك بقرة سمينة جميلة لها ملامح مميزة تسر الناظرين، والأغرب من ذلك هو أن الناس كان تقصد تلك البقرة لأنها (مباركة) ومميزة بحليبها الذي كان يشفي كل العلل والأمراض، سواء الموسمية أو النفسية، حتى الأورام السرطانية الخبيثة، كفانا الله وإياكم شرها.
عموما توسعت رقعة التداوي (والتشافي) من ضرع تلك البقرة إلى أن ذاع صيتها ليتفوق حليبها (لبنها) على أبرع الخلطات الصيدلانية والدوائية في أرجاء المعمورة كافة، ومع ازدياد عدد الرواد من كل الأنحاء للتبرك بلبن البقرة استطاع فريق أجنبي من باحثي أمراض الأورام، وبحسب ما تم نشره ونقله على الألسن، أن يحلل حليبها ليكتشفوا أنه يحوي على أنزيمات وجسيمات تثبط الأورام، ومن بعدها اكتشف ذات صباح أنها قد ماتت والأرجح أنها قتلت!!
تلك القصة والسرد الجميل وكأنني أسرد لكم قصة شعبية فلكلورية شعبية كقصة (الطنطل) في الكويت، أو (النداهة) في مصر، ورغم شيوعها بين الناس، لا يمكن بأي حال من الأحوال إثباتها، وعلى أفضل حال يتم وضعها في خانة القصص الشعبية، أو أن إردنا فرض سوء الظن قد ندرجها تحت خانة نظرية المؤامرة والخبث.
قد يكون المرضى ممن قصدوا ذاك الحليب قد تناولوا أدوية مسؤولة عن علاجهم أو قد تكون المصادفات أدت دورا، وقد يكون هناك عدد كبير من الناس ممن قصدوا تلك البقرة يحملون جينات تتجاوب مع الحليب المشار إليه.
لا نعلم حقيقة كل هذا، لكن الخلاصة من هذه القصة والاستشهاد والرمزية أن صيت «بقرة الدلنجات» شيء والواقع شيء آخر مغاير بتاتاً، والأسئلة الكثيرة تحتاج إلى إجابات ودقائق الأمور تحتاج للكشف عنها لمعرفة ما إذا كان من الممكن الحكم على أمر ما بعينه، وبعد هذا كله أيضاً لا يمكننا أن نصدر حكما على مسألة ونأمل ألا نكون من القضاة العادلين استشهادا بحديث خير البشر، صلى الله عليه وسلم، فلا يمكنك، بعد أن تسمع عن حادثة ما، أن تصدر حكما خاصا دون حقائق علمية بينة وواضحة وإلا أنت وبقرة الدلنجات تندرجان في خانة واحدة.
فليكن هذا مقياس حياة ومنهاجا واضحا لدى الكل بعيداً عن نظريات المؤامرة والتآمر والبعد عن الحقائق العلمية التي لا يمكن للعامة إلا أن يستسهلوا ما تستسيغه الأعين والآذان وتتناقله الألسن دون إثبات هل كان للبن البقرة من الخواص والخصائص الشيء الغريب والعجيب؟ وهل كان ينفع ويضر؟ وهل تدخل المؤامرة العالمية عليها؟! كلها أسئلة دون إجابة لا يمكن إثباتها أو نفيها، فلا يمكننا أن ننقل عن هذا كله الصحيح دون نتائج وحقائق ملموسة.
على الهامش:
الحقيقة العلمية التي لا تقبل القسمة على اثنين أننا كمجتمع وإن لم نحيّد الغازات الدفيئة بخطة واضحة ملموسة على الأرض، وحافظنا على عدم ارتفاع متوسط الحرارة دون 1.5 درجة مئوية قبيل عام 2100 فإن ما نراه من تغيرات موسمية وتبدل في دورة حياة المحاصيل ودفء الشتاء وقسوة الصيف، ليست إلا بدايات لما لا يحمد عقباه في المستقبل.
افهموا التغير المناخي يا سادة!! فبحسب مرصد Statista الموثوق فستكون العناصر التالية في السنوات العشر القادمة هي الأكثر خطورة على العالم أجمع:
1- التغيرات والأحداث المناخية الشديدة.
2- التغيير في نظام الكرة الأرضية.
3- خسارة التنوع الأحيائي و(انهيار المنظومة البيئية).
4- النقص الحاد في الموارد الطبيعية.
هامش أخير:
مساء الخميس ليلة الجمعة الماضية، استطاع رجال الداخلية الأشاوس ممن يسهرون على راحتنا أن يقبضوا على مجموعات إرهابية من جنسيات عربية من بينهم كويتيون كذلك، محبطين مخططاتهم تجاه بلدي الكويت، وفي حادث متصل وضعت النيابة في دولة الكويت عدداً من المتهمين على خلفية الانتماء لتنظيم إرهابي في الحجز أيضا، فاللهم احفظ هذا البلد واجعله آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.
الملف الآمني هو التحدي الأصعب للحكومة الجديدة برئاسة «الدكتور» وهو حصاده الحقيقي أمام الشعب الكويتي، فكلما استثمر فيه و«نظف» الشارع من حثالات التعصب حقق مكاسب لا تعد ولا تحصى، لعلها رسالتي الصحافية الأولى له وحتماً ليست الأخيرة استشهاداً بالمؤشرات السياسية على الساحة المحلية.