أنشأ بافيل دوروف تطبيق المراسلة «تلغرام»، وهو مؤسس شركة «فكونتاكتي» الروسية للتواصل الاجتماعي، وسرعان ما أصبح «تلغرام» نموذجاً تقليدياً آخر عن المقاربة التي يعتمدها المسؤولون في الحكومة وقطاع الأعمال داخل روسيا للتلاعب بالحياة السياسية بعد عام 2010، وبدأت قنوات مجهولة المصدر تظهر على «تلغرام» بعد وقتٍ قصير على نشوء التطبيق، وهي تشمل منشورات من مسؤولين في مناصب بيروقراطية وأمنية وحزبية، وسرعان ما لاقت هذه المنشورات رواجاً واسعاً، وبدأت شخصيات مؤثرة تقرأها للاطلاع على ما يحصل في «برج الكرملين» البعيد.
في بداية ظهور «تلغرام»، نُشِرت معلومات كثيرة من مصادر مطّلعة عبر هذه القنوات لأسباب متعددة، تعرّضت وسائل الإعلام السياسية وقطاع الأعمال لضغوط متزايدة ورقابة متوسّعة، وعلى عكس «تلغرام»، كانت وسائل الإعلام ترفض في معظم الأحيان أن تنشر معلومات حصرية إذا كانت لا تتماشى مع توجهات الكرملين، كذلك، كان إخفاء هوية مستخدمي «تلغرام» يعني توفير حماية مضاعفة لكاتبي النصوص ومصادرهم مقارنةً بالصحافة التقليدية.
اليوم، لا يُعبّر تطبيق «تلغرام» عن توجهات الحزب الداعم للحرب في أوكرانيا فحسب، بل إنه يعكس أيضاً واقعاً موازياً، ويشمل هذا الواقع أبطالاً أسطوريين ومراسلين عسكريين ينشرون الحقائق، وهو يسوّق في الفترة الأخيرة مفهوم «أمراء الحرب»، منهم قادة عسكريون ناجحون من أمثال يفغيني بريغوزين ورمضان قديروف، وقادة آخرين من اختيارهم مثل سيرغي سوروفيكين، ويعجّ هذا الواقع أيضاً بأشخاص يتوقون إلى القتال، لكن يمنعهم الخونة في المقرات العسكرية والمكاتب المدنية في موسكو من تحقيق هدفهم. قد يصبح هذا «العالم» الموازي مرعباً وحقيقياً، لا سيما عند مقارنته بأجوبة المواطنين عن أسئلة مباشرة من علماء الاجتماع حول دعمهم «للعملية الروسية الخاصة»، فوفق أحدث استطلاع أجراه «مركز أبحاث الرأي العام الروسي» مثلاً، يدعم 70% من المواطنين تلك العملية، لكن لا يعني ذلك أن «عالم التلغرام» يرتبط بالواقع فعلاً، بل إن أصحاب القنوات الداعمة للحرب يسعون على الأرجح إلى برمجة مواقف الروس المُحبَطين من الحملات الدعائية التلفزيونية.
يجب ألا يستخف أحد بخطورة القنوات الداعمة للحرب، فلا أهمية لعدد المنشورات من هذا النوع، بل يتعلق العامل الأساسي بنوعية الجمهور المستهدف: إنه الرئيس الروسي في هذه الحالة، وفي سبتمبر انتشرت شائعات مفادها أن وزارة الدفاع الروسية تستعد لقمع «المراسلين العسكريين» الذين انتقدوا انسحاب القوات الروسية من منطقة «خاركيف»، وفي النهاية لم تبدأ أي حملة قمعية، لكن تلقى «المراسلون العسكريون» الرسالة وتوقفوا عن مهاجمة الجنرالات مباشرةً، يذكر أن يعيش بوتين في واقعٍ خاص به منذ وقتٍ طويل، فهو مستعد لتخصيص ساعات لإخبار الناس بنسخته من تاريخ العالم، ومن الواضح أن النسخة التي تقدّمها القنوات الداعمة للحرب عن العالم البديل الذي يشمل محاربين وانتصارات كبرى تتماشى جزئياً مع رؤية بوتين للعالم، ويظهر المراسلون العسكريون في المناسبات العامة مع بوتين، مما يعني أنه يقابلهم ويصغي إليهم بطريقة ما.
لا يريد بوتين أن يخسر لأي سبب، فهو يسمح باتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية واسعة، مثل إعلان التعبئة، لأنه غير مقتنع على ما يبدو بأن الرأي العام لا يؤيد هذه القرارات، ويظن رئيس الدولة أن الشعب مستعد لمجاراته وتحمّل المصاعب حتى تحقيق النصر. يكون المتحدثون باسم الحزب الحاكم على صلة مباشرة بالرئيس، وهذا الواقع يزيد خطورة الوضع القائم، فلم ينسَ بوتين الحقبة السوفياتية يوماً، وهو يتذكر كيف تميّزت الحملة الدعائية الرسمية وقنوات المعلومات البديلة مثل «ساميزدات» في تلك الفترة.
لقد أصبحت قنوات «تلغرام» الموالية للجيش الروسي نسخة معاصرة من منشورات «ساميزدات» بالنسبة إلى بوتين، وقد تمنحه قنوات المعلومات هذه خطاباً مريحاً عن الأعمال البطولية وتُحضّره نفسياً لتصعيد الوضع بدرجة خطيرة.
* أندريه بيرتسيف
* «Riddle»
في بداية ظهور «تلغرام»، نُشِرت معلومات كثيرة من مصادر مطّلعة عبر هذه القنوات لأسباب متعددة، تعرّضت وسائل الإعلام السياسية وقطاع الأعمال لضغوط متزايدة ورقابة متوسّعة، وعلى عكس «تلغرام»، كانت وسائل الإعلام ترفض في معظم الأحيان أن تنشر معلومات حصرية إذا كانت لا تتماشى مع توجهات الكرملين، كذلك، كان إخفاء هوية مستخدمي «تلغرام» يعني توفير حماية مضاعفة لكاتبي النصوص ومصادرهم مقارنةً بالصحافة التقليدية.
اليوم، لا يُعبّر تطبيق «تلغرام» عن توجهات الحزب الداعم للحرب في أوكرانيا فحسب، بل إنه يعكس أيضاً واقعاً موازياً، ويشمل هذا الواقع أبطالاً أسطوريين ومراسلين عسكريين ينشرون الحقائق، وهو يسوّق في الفترة الأخيرة مفهوم «أمراء الحرب»، منهم قادة عسكريون ناجحون من أمثال يفغيني بريغوزين ورمضان قديروف، وقادة آخرين من اختيارهم مثل سيرغي سوروفيكين، ويعجّ هذا الواقع أيضاً بأشخاص يتوقون إلى القتال، لكن يمنعهم الخونة في المقرات العسكرية والمكاتب المدنية في موسكو من تحقيق هدفهم. قد يصبح هذا «العالم» الموازي مرعباً وحقيقياً، لا سيما عند مقارنته بأجوبة المواطنين عن أسئلة مباشرة من علماء الاجتماع حول دعمهم «للعملية الروسية الخاصة»، فوفق أحدث استطلاع أجراه «مركز أبحاث الرأي العام الروسي» مثلاً، يدعم 70% من المواطنين تلك العملية، لكن لا يعني ذلك أن «عالم التلغرام» يرتبط بالواقع فعلاً، بل إن أصحاب القنوات الداعمة للحرب يسعون على الأرجح إلى برمجة مواقف الروس المُحبَطين من الحملات الدعائية التلفزيونية.
يجب ألا يستخف أحد بخطورة القنوات الداعمة للحرب، فلا أهمية لعدد المنشورات من هذا النوع، بل يتعلق العامل الأساسي بنوعية الجمهور المستهدف: إنه الرئيس الروسي في هذه الحالة، وفي سبتمبر انتشرت شائعات مفادها أن وزارة الدفاع الروسية تستعد لقمع «المراسلين العسكريين» الذين انتقدوا انسحاب القوات الروسية من منطقة «خاركيف»، وفي النهاية لم تبدأ أي حملة قمعية، لكن تلقى «المراسلون العسكريون» الرسالة وتوقفوا عن مهاجمة الجنرالات مباشرةً، يذكر أن يعيش بوتين في واقعٍ خاص به منذ وقتٍ طويل، فهو مستعد لتخصيص ساعات لإخبار الناس بنسخته من تاريخ العالم، ومن الواضح أن النسخة التي تقدّمها القنوات الداعمة للحرب عن العالم البديل الذي يشمل محاربين وانتصارات كبرى تتماشى جزئياً مع رؤية بوتين للعالم، ويظهر المراسلون العسكريون في المناسبات العامة مع بوتين، مما يعني أنه يقابلهم ويصغي إليهم بطريقة ما.
لا يريد بوتين أن يخسر لأي سبب، فهو يسمح باتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية واسعة، مثل إعلان التعبئة، لأنه غير مقتنع على ما يبدو بأن الرأي العام لا يؤيد هذه القرارات، ويظن رئيس الدولة أن الشعب مستعد لمجاراته وتحمّل المصاعب حتى تحقيق النصر. يكون المتحدثون باسم الحزب الحاكم على صلة مباشرة بالرئيس، وهذا الواقع يزيد خطورة الوضع القائم، فلم ينسَ بوتين الحقبة السوفياتية يوماً، وهو يتذكر كيف تميّزت الحملة الدعائية الرسمية وقنوات المعلومات البديلة مثل «ساميزدات» في تلك الفترة.
لقد أصبحت قنوات «تلغرام» الموالية للجيش الروسي نسخة معاصرة من منشورات «ساميزدات» بالنسبة إلى بوتين، وقد تمنحه قنوات المعلومات هذه خطاباً مريحاً عن الأعمال البطولية وتُحضّره نفسياً لتصعيد الوضع بدرجة خطيرة.
* أندريه بيرتسيف
* «Riddle»