قالت أربعة مصادر إن فصيلاً عراقياً قوياً نفّذ عشرات الهجمات ضد القوات الأمريكية منذ أكتوبر اضطر لإعلان وقف هجماته بعد ضغوط من طهران وأحزاب عراقية مشاركة في الحكم شعرت أن الفصيل تجاوز الخط الأحمر.
وقالت واشنطن إن كتائب حزب الله المسلحة المتحالفة مع إيران ضالعة في هجوم بطائرة مسيّرة يوم الأحد على الحدود الأردنية السورية أودى بحياة ثلاثة جنود أمريكيين وأصاب العشرات وتعهدت بالرد بقوة.
وقالت كتائب حزب الله الثلاثاء إنها أوقفت كل الهجمات على القوات الأمريكية لعدم رغبتها في إحراج الحكومة العراقية وأبدت ملاحظات علنية نادرة عن خلافات مع إيران وما يسمى «محور المقاومة».
وقال محللون وسياسيون إن الإعلان المفاجئ هو أوضح علامة حتى الآن على أن طهران والجماعات العراقية صاحبة النفوذ تريد تجنب صراع إقليمي يتعلق بالحرب في غزة، فيما يُمثل فاصلاً بعد عشرات الهجمات على القوات الأمريكية منذ أكتوبر.
وقال ريناد منصور الباحث البارز في مركز تشاتام هاوس البحثي في لندن «الجماعات في حكومة بغداد تشعر بقلق من أن يصبح العراق ساحة لصراع إقليمي أوسع ولديها أسباب داخلية لعدم الرغبة في المخاطرة بالوضع الراهن».
وأنهت عشرات الهجمات على القوات الأمريكية في سوريا والعراق، نفذتها جماعة المقاومة الإسلامية في العراق التي ينضوي تحت لوائها فصائل مسلحة منها كتائب حزب الله، هدنة استمرت شهوراً بين الفصائل والقوات الأمريكية وزعزعت جهود الحكومة لتحقيق الاستقرار في البلاد بعد عقود من الصراع.
وقالت المصادر الأربعة، وبينهم سياسي شيعي ومسؤول عراقي وشخص اجتمع بفصائل مسلحة في الأيام القليلة الماضية، إن قتل جنود أمريكيين في الأردن، الحليف الوثيق للولايات المتحدة، كان خطوة ذهبت بعيداً.
وقالت المصادر إن طهران، خوفاً من رد فعل أمريكي واسع النطاق، قالت علناً إنها غير متورطة وبعثت رسائل غير معلنة إلى كتائب حزب الله للتوقف وساعدت فصائل شيعية عراقية مشاركة في الحكومة في التوسط لإنهاء الهجمات.
ولم يتسن الوصول إلى المتحدث باسم كتائب حزب الله للتعليق، ولم يرد مسؤولون إيرانيون على طلبات التعليق.
وقال سياسي شيعي مطلع «يأتي هذا نتيجة لضغوط داخلية ولرغبة جارتنا إيران في وقف التصعيد».
وقال مصدر آخر «كان جهداً جماعياً حقيقياً بمشاركة الجارة»، وإن الفصائل العراقية الأخرى التزمت أيضاً بوقف الهجمات لكنها قد تستأنفها إذا حدث رد أمريكي قوي.
وأضاف المصدر «إذا توسعت الولايات المتحدة في الأيام المقبلة، قد تتغير الأمور».
في عام 2020، قتلت الولايات المتحدة قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني وزعيم كتائب حزب الله أبو مهدي المهندس في غارة بطائرة مسيرة على مطار بغداد الدولي.
وجاءت الضربة بعد أيام من تحميل الولايات المتحدة كتائب حزب الله مسؤولية مقتل مقاول أمريكي، ويخشى مسؤولون عراقيون من أن يؤدي رد فعل قوي مماثل إلى دورة جديدة من العنف.
ويضم الإطار التنسيقي للشيعة في العراق، الداعم الرئيسي للحكومة، فصائل عراقية مثل منظمة بدر وعصائب أهل الحق التي قاتلت القوات الأمريكية لسنوات بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003، لكنها حولت تركيزها في الآونة الأخيرة إلى تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية.
وقالت خمسة مصادر مطلعة إن هذه الجماعات عارضت هجمات الآونة الأخيرة التي استهدفت القوات الأمريكية مما أدى إلى خلاف معلن نادر الحدوث مع الفصائل المتشددة التي شعرت أن غطاءها السياسي يتداعى.
وقال مصدر مطلع على تفكير كبار قادة الجماعات في المقاومة الإسلامية «شعروا بأن ظهورهم إلى الحائط».
وفي إعلان إنهاء هجماتهم قالت كتائب حزب الله إن إيران وحلفاء آخرين «غالباً ما يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأمريكية».
وقال منصور، الباحث في تشاتام هاوس «هذا دائماً توازن بين القتال واستعراض القوة لكن دون رغبة في الذهاب بعيداً بالتصعيد، ومن ثم يحاولون الحفاظ على توازن عنف محفوف بشدة بالمخاطر».
ومضى يقول «يختل هذا التوازن مع مقتل جنود أمريكيين، كما حدث في عام 2019 حين أدى ذلك إلى قتل الولايات المتحدة لسليماني والمهندس».