انطلقت بطولة كأس العالم الثانية والعشرين، ولكن من كان يتصور في بداية هذا القرن أن هذه البطولة قد تستضيفها دولة قطر البالغة الصِغَر؟ مع ذلك، ها نحن ذا، والمفاجأة الوحيدة هي أن الأمر لا يبدو مفاجئاً إلى هذا الحد.

خلال جزء كبير من مسيرتي المهنية، استكشفت الروابط بين هذه اللعبة الجميلة والاقتصاد العالمي، ففي «غولدمان ساكس»، وقبل ذلك في بنك سويسرا، أطلقت العنان لهوسي المزدوج بالإشراف على مطبوعات خاصة تُنشَر لمرة واحدة لكل من بطولات كأس العالم من عام 1994 إلى عام 2010. بعد نشر إحداها تلقيت رسائل شخصية من كبار القائمين على البنوك المركزية حول العالم. أخبرني بعضهم أنها أفضل مطبوعة أنتجناها، وكان ذلك مسلياً ويستحق التأمل، نظراً لمدى تكرار نشرنا حول الأحداث الاقتصادية والأسواق، فقد أقنعنا قادة وطنيين وشخصيات كبيرة في عالَم كرة القدم بالكتابة لنا كضيوف، وفي إحدى المناسبات، اختار أليكس فيرغسون، مدير نادي مانشستر يونايتد الأسطوري، أعضاء أفضل فريق في العالم على الإطلاق.

تمكنت حتى الآن من حضور ست من بطولات كأس العالم لكرة القدم، استضافتها الولايات المتحدة، وفرنسا، وكوريا الجنوبية واليابان، وألمانيا، وجنوب إفريقيا، والبرازيل، ومن خلال هذه التجارب، أستطيع أن أضم صوتي إلى أولئك الذين وصفوا الحدث بأنه أحد أكثر الاجتماعات شمولاً وجمالاً لعدد كبير من الجنسيات والثقافات المختلفة، وقد جَسَّدَ ظهور مناطق المشجعين، التي انطلقت حقاً بعد بطولة كأس العالم في ألمانيا عام 2006، هذه الروح، وإن كنت عايشتها بقوة في سيول عام 2002.
Ad


يتضح الرابط بين كرة القدم وحالة الاقتصاد العالمي في اختيار الدول المضيفة للبطولة، وأظن أنها حقيقة لا سبيل لإنكارها أن اختيار الفيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) لدولة جنوب إفريقيا في عام 2010، والبرازيل في عام 2014، وروسيا في عام 2018، والآن قطر، كان مستنداً إلى الصعود المطرد لما يسمى الاقتصادات الناشئة خلال العقدين الأولين من هذا القرن، ولطالما اعتقدت أن دولتي مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) الأخريين ربما تنضمان إلى المجموعة الصغيرة من الدول المضيفة في المستقبل. ولكن نظراً لتحول العديد من الدول الكبرى إلى الداخل في السنوات الأخيرة، فهل أصبحت أيام الرغبة في استضافة الحدث معدودة؟ وهل تواجه بلدان الأسواق الناشئة الطموحة صعوبة متزايدة في تنظيم البطولة الأكثر مشاهدة في العالم بنجاح؟ أو على العكس من ذلك، هل يعود العالم قريباً إلى نظام دولي أكثر إقناعا، وعولمة، وشمولية؟ قد يتبادر إلى الذهن سؤال أكثر عمقاً: هل يُعَد الفيفا مؤشراً رائداً أو متأخراً لاقتصاد العالم ودرجة العولمة؟

أظن أن كيفية تقدم المنافسة على مدار الأسابيع الأربعة المقبلة، والأهم من ذلك كم عدد من يشاهدون المباريات، ربما يكون أوضح العلامات المبكرة على الأهمية الأوسع لبطولة كأس العالم هذا العام. كانت هذه المسابقة العمود الفقري لإيرادات الفيفا، وهناك حديث بالفعل- ربما يكون مدفوعاً برغبة الأندية المحترفة في الحصول على عائدات أقوى- عن تحول البطولة إلى حدث يُقام كل عامين، أو استكمال صيغة السنوات الأربع الحالية بمسابقة بين الأندية تُقام كل أربع سنوات.

إذا كان مستقبل الاقتصاد العالمي مختلفاً تماماً عن السنوات العشرين أو الثلاثين الأخيرة، فسينعكس هذا في عملية صنع القرار في الفيفا، ومن الصعب أن نتخيل تحمس الفيفا لعقد مسابقات المستقبل في بلدان الأسواق الناشئة، إذا كانت هذه البلدان تساهم بدرجة أقل في نمو الاقتصاد العالمي مقارنة بالبلدان المستضيفة للبطولة منذ عام 2010.

في ثمانينيات القرن العشرين، وتسعينيات القرن العشرين، والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وخلال الفترة من 2011 إلى 2020، كان متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي العالمي، 3.3 في المئة، و3.3 في المئة و3.9 في المئة، و3.7 في المئة على التوالي، ومن الواضح أن التسارع في العقدين الكاملين الأخيرين كان راجعاً إلى النمو الأقوى في العالم الناشئ، ومتزامناً مع فترة حيث بدأ الفيفا اختيار الدول المضيفة من خارج معاقل كرة القدم التقليدية، ويبدو الأمر حالياً وكأن هذا الاتجاه قد ينقلب في الاتجاه الآخر هذا العقد، حتى برغم أن ثماني سنوات لا تزال متبقية منه.

وماذا عن الفائزين هذه المرة؟ تعلمت من خلال شعبية المنشورات التي أنتجتها في الماضي أن أمتنع عن الذهاب إلى ما هو أبعد من توقع الفرق الأربعة المتأهلة لنصف النهائي، فأحد الأسباب وراء هذا هو أن الواقعية نفسها التي يتعين على المرء أن يتعامل بها مع التوقعات الاقتصادية ينطبق على بطولة كأس العالم أيضا، يتمثل سبب آخر في أن قادة البلدان التي لم نرشحها للفوز لم تستقبل الأمر استقبالاً طيباً.

أبدأ هنا بالتاريخ، حيث فازت ثماني دول فقط بكأس العالم لكرة القدم، والبرازيل، التي فازت بالكأس خمس مرات، من المرشحين المفضلين دائما، ويبدو أن فريق البرازيل هذا العام واحد من أقوى الفرق في البطولة، وكانت الأرجنتين، والأوروغواي، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وإنكلترا الدول الفائزة السابقة الأخرى، وحتى على الرغم من فشل إيطاليا في التأهل هذه المرة، فمن المرجح أن يكون الفريق الفائز من إحدى هذه الدول الأخرى.

في إحدى السنوات، ستفوز إنكلترا بالبطولة مرة أخرى، ولكن من السهل أن يكون الفريق الفائز من إحدى الدول الفائزة السابقة. وبين بقية الدول، تتجاوز الدنمارك وهولندا والبرتغال عادة وزنها الاقتصادي والسكاني، وبصرف النظر عن الفائز، سأراقب الإشارات بكل أشكالها حول المستقبل، تماماً كما كنت أفعل دائماً.

* جيم أونيل رئيس «غولدمان ساكس» لإدارة الأصول سابقا، ووزير مالية المملكة المتحدة الأسبق، هو عضو لجنة عموم أوروبا المعنية بالصحة والتنمية المستدامة.