بقايا خيال: مقاطعة دول
توجهت إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل البدء بدخول معترك الدراسات العليا في الإعلام بشهرين لأتعود على الغربة ومن ثم الدراسة، الأمر الذي وجده بعض الأصدقاء فرصة لزيارتي والاستمتاع بجمال الطبيعة في ولاية كولورادو، ولهذا اضطررت إلى الإسراع في الحصول على رخصة قيادة أميركية، ومن ثم شراء سيارة جديدة لتنقلاتنا مع الضيوف، حينها كنت أقطن في سكن الطلبة المتزوجين، فكان معرض شركة فورد أقرب معرض للسيارات يمكنني زيارته وشراء سيارة جديدة، وفي ذلك الوقت لم تكن لي اهتمامات سياسية ولا أفهم أهمية كل ما له علاقة بالكيان المحتل، والبضائع التي تدعم العدو الصهيوني، أو مدى تأثير قليل من العرب المغتربين على مقاطعة منتجات غربية هائلة كانت ولا تزال تدعم إسرائيل، ولهذا انصب تركيزي على معلومات استقيتها من أحد الكويتيين هناك أشاد بمتانة صناعة سيارات فورد وسلاسة قيادتها على الطرقات الأميركية، وكان يمتلك سيارة فورد «بنتو» الصغيرة، وبناء على هذه المعلومات اشتريت سيارة فورد «غرانادا» أو (Granada).
وقتها كان الراحل الدكتور أحمد الربعي يدرس في جامعة كولورادو بمدينة بولدر، عندما نمى إلى علمه شرائي سيارة جديدة من طراز فورد، اتصل بي يعاتبني عتاباً شديداً على فعلتي النكراء المتمثلة بقيامي بشراء سيارة ساهمت قيمتها بدعم شركة فورد «الصهيونية»، ولم يقتنع بتبريراتي التي كان يراها واهية، لأنه من وجهة نظره الشخصية كان يشعر أن أي دولار يدخل خزينة إسرائيل سيكون سبباً في مقتل أي فدائي فلسطيني يدافع عن الحق العربي في الوجود، وقال إن أي دعم لتحرير فلسطين مهما كان صغيراً، سيكون له مفعول السحر على الفدائيين الفلسطينيين والمقاومة الفلسطينية في الداخل، وكل دولار يمنع من الوصول إلى الكيان المحتل سيعرقل قدرة هؤلاء المرتزقة ويمنعهم من شراء رصاصة، فكيف بقيمة سيارة جديدة قاربت العشرة آلاف دولار؟ الحقيقة تقال أنني اقتنعت بكلامه، ولكن بعد فوات الأوان.
مقاطعة الأمس التي كانت تستخدم الصحافة والتلفزيون والإذاعة فقط، تختلف كلياً عن مقاطعة اليوم المليئة بشتى أشكال وسائل الاتصال بالجماهير، فإلى جانب تلك الوسائل التقليدية، نجد قائمة طويلة من الوسائل المبتكرة التي أضيفت إلى وسائل الاتصال بالجماهير، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«واتساب» و«إنستغرام» و«سناب تشات» و«تكتوك» وغيرها من التطبيقات الإلكترونية، وأي من هذه الوسائل قادرة على الوصول إلى أي إنسان مهما كانت مكانته أو درجته العلمية، عالماً كان أو أمياً، وقادرة على الوصول إليه أينما وجد، وستؤثر في مسار حياته بدرجات متفاوتة سلباً أو إيجاباً حسب مصالحه الشخصية، حتى لو كان أعمى أو أبكم أو أصم، ولهذا نجد العذر للسابقين من المجاهدين الإعلاميين الذين بذلوا قصارى جهدهم للدفاع عن قضيتنا المصيرية في المحافل الدولية حتى لو كانت دون جدوى بسبب سيطرة اللوبي الصهيوني على مفاصل الإعلام التقليدي العالمي.
أما اليوم فإن أي مراهق في عالم الإعلام يستطيع أن يرسل مقطع فيديو لأي موضوع لأي شخص في أي مكان في العالم ليتأثر به وينشره بين معارفه، ليكون لها تأثير السحر على العالم كله خلال فترة قصيرة من الزمن، وما وقوف العالم كله مع أهلنا في غزة المقاومة إلا دليل على ما نقول، وإذا كان تركيز المقاطعين المساندين للقضية الفلسطينية على المنتجات والبضائع الاستهلاكية، فلماذا لا تمتد جهودهم إلى مقاطعة دول سياحية، بعد أن صارت مساندة إسرائيل من دول إسلامية مبعث فخر لهم؟