تمدن أوروبي
كثيراً ما نتغنى بجمال أوروبا وروعة عمرانها وبيئتها الخضراء دون أن نلتفت إلى الاستراتيجيات التي اتبعتها الدول الأوروبية للوصول إلى هذه النتيجة المبهرة، وهي ليست أسراراً بل وسائل بمتناول الجميع– لا سيما خامس أغنى دولة في العالم- يمكننا تطبيقها على أرض الواقع، وإن أتينا متأخرين بعدة قرون.
فالدول الأوروبية حافظت على تاريخها وتراثها المبني، فسنّت قوانين بناء صارمة للحفاظ على الهوية العمرانية لمدنها، فعلى سبيل المثال من غير المسموح البناء فوق ارتفاع معين، وكذلك يجب الالتزام بألوان وتصاميم محددة تحقق التجانس والاتساق لبصري، ناهيك عن رفض سياسة الهدم غير المبرر والاستعاضة بترميم وصيانة المباني التاريخية وكذلك تسجيلها ضمن قوائم حفظ التراث العالمي كقائمة اليونيسكو UNESCO، مما حافظ على القيمة التاريخية لمبانيها، بما فيها الأحياء والبيوت السكنية التي تعدى الكثير منها المئة عام.
وحرصت كذلك الدول الأوروبية على الحد من التلوث الضوئي، لذا بإمكانك رؤية النجوم واضحة في سمائها، ولا ننسى الحفاظ على البيئة عن طريق تشجير المدن وتخضيرها بالنباتات الملائمة لمناخها والالتزام بإعادة التدوير وسن الغرامات والعقوبات لمن يتعدى على البيئة، أو يلقي المخلفات في غير مكانها. إذاً جمال هذه المدن «تحصيل حاصل» لتمدنها والتزامها بمنظومة قيم راقية تحرص على حفظ الهوية الثقافية الخاصة لها واحترام البيئة الطبيعية التي تؤويها، والنتيجة هي جودة حياة مرتفعة تضمن الراحة والسعادة لقاطنيها.
عندما ننظر إلى مدينتنا الحزينة، ندرك أن منظومة القيم السائدة مبنية على مبادئ غير سوية كالغش والجشع، فنرى المباني الضخمة المتكتلة بكثافة دون أن تخصص حتى متراً واحداً كمتنفس بشري للتخضير، بل يرى الرأي السائد أن هذه «شطارة» في استغلال المساحة كاملة للبناء، كذلك فمن التصورات المغلوطة هي أن الكويت بيئة غير صالحة للزراعة، في حين تثبت لنا الصور القديمة في السبعينيات والثمانينيات أن الكويت كانت خضراء نسبياً ونحن من اقتلع كل أخضر فيها لبناء المزيد من السجون الإسمنتية، ولنا أسوة حسنة في الدول المجاورة ذات المناخ الصحراوي المشابه، والتي أحالت الصحراء جنةً عن طريق اختيار النباتات والأشجار المناسبة التي تنمو في دائرة العرض الجغرافية ذاتها، فتوفر هواءً أنقى وظلاً أكبر مما يساهم في تبريد الطقس بصورة ملحوظة، ذلك بالإضافة إلى قيمتها الجمالية. يمكننا استخدام مواد وتصاميم بناء تقلل من حدة الحرارة وصنع هوية عمرانية متميزة وليدة بيئتها، فنحن نستحق جودة حياة أفضل ومدينة أجمل، لذا كفانا تدميراً لتاريخنا المبني، وكفانا عبثاً بالبيئة.