سيكون من الصعب التسليم هكذا بتاريخ صحيفة Le Monde العريقة دون الاطلاع على كتاب الوجه الخفي لها، حيث نشر كل من كولومباني وآلان مانك كتابا استنكرا فيه أن يتقاضى رئيس التحرير 26 ألف يورو كمرتب شهري في مطبوعة تعاني خسائر مالية، وغير ذلك من الملفات التي كانت مغلقة ولا أحد يقترب منها، ونددا بالتوجه الجديد للصحيفة الذي يخدم صالح رجال الاعمال.
صحيفة النخبة تأسست عام 1944 على يد هوبير بوف خرجت عن حيادها عام 1981، وساندت فرنسوا ميتران في حملته الانتخابية الرئاسية ضد جاك شيراك، وهي التي كانت توصف بالتوجه اليساري الوسطي.
انتقلت ملكيتها عام 2010 الى رجل أعمال يدعى بير بيرجيه والمساعد، إضافة إلى مدير بنك لازار ومؤسس شركة إبلياد لخدمات الهاتف الجوال، وباتت في عهدة رجال المال والأعمال. يتولى جيروم فينوغليو منصب مديرها العام.
مكتبة متيران الوطنية
بعد إتمام اجراءات الدخول والتسجيل والتفتيش حصلنا على بطاقة تخولنا التنقل في قاعة الصحف والدوريات في مكتبة فرنسوا متيران الوطنية واختصارها «BNF»، وسميت بهذا الاسم نسبة الى الرئيس فرنسوا ميتران، وتم افتتاحها آخر سنة من عهده عام 1995، وفي السنة الثانية أي في عهد جاك شيراك كانت متاحة للجمهور.
المبنى يطل على نهر السين في الدائرة 12 من باريس، وهي ذات 4 مبان شاهقة يتوسطها غابة من الصنوبر وحديقة خضراء.
تسير وفق خطوط محددة لك بعد أن تقف في حجرات حديدية مغلقة لتأخذ طريقك الذي تم تحديده مسبقا، وانا في صحبة الرسام اللبناني بلال بصل والحامل للجنسية الفرنسية وكان بمنزلة المرشد الذي اختبر هذه المدينة واحبها منذ أن وصلها قبل 14 سنة.
مكتبة فرنسوا متيران أو مكتبة فرنسا الوطنية الأم تضم قسمين رئيسيين الأول مخصص للطلبة والباحثين، والثاني للعامة من الجمهور تحتوي على 14 مليون كتاب مطبوع، و250 ألف مخطوطة، و360 الف عنوان ودورية، و800 ألف خريطة، ومليوني قطعة موسيقية، ومليون وثيقة وصورة.
تحتاج من يشرح لك كيفية البحث وسط قاعة طويلة جدا تم تجهيزها بأجهزة كمبيوتر وتوصيلات وطابعات تجلس على كرسي خشبي تراثي مريح لتبدأ عملية البحث.
وكان الهدف الاطلاع على صحيفة Le Monde ذات العراقة المعروفة بإمكانك الحصول على صفحات PDF ومايكرو فيلم كاملة، وكذلك الحصول على أي موضوع تريده بدءاً من عام 1944 سنة الصدور والى يومنا هذا.
دخلنا الموقع المتاح لك أن تبحث فيه بالموضوع أو بالسنة والتاريخ، حاولنا معرفة ما اذا ماذا كتبت Le Monde عن العلاقات الكويتية- الفرنسية من سنة التأسيس الى الثمانينيات من القرن الماضي، وتحديدا السنوات الـ5 الأولى من الستينيات حتى 1965 عند تبادل التمثيل الدبلوماسي والاعتراف المتبادل بين الدولتين.
ظهر لنا مئات الموضوعات تطالع المقال كاملا كما نشر، ثم تتأكد من نوع المعلومات وتضع كلمة «كويت» داخل النص، وبالفعل كانت الحصيلة ممتازة من حيث الفترة الزمنية، وسهولة الوصول الى الموضوع.
أرشيف صحيفة Le Monde أصبح متاحا في المكتبة الوطنية الفرنسية BNF، وتتوفر أرشيفات الصحيفة منذ عام 1944 والبحث بالتاريخ، مما يجعل الموقع منجم ذهب.
وبالإمكان طباعة وتنزيل ومشاركة المقالات بالنص الكامل وبصيغة pdf، ويمكن العثور على الصحيفة في نسختها الورقية مع الدخول المجاني الى غرفة الصحافة في المكتب الوطنية، وهناك قاعدة بيانات باسم Europresse من عام 2001 الى 2024 بالإمكان الوصول الى الموقع وعرض كامل للمحتوى.
ومع ظهور الانترنت في التسعينيات دخلت Le Monde هذا العالم حتى وصل عدد قرائها الى نحو 2.6 مليون قارئ يوميا، وهم المشتركون في الصحيفة الورقية وزوار الموقع الإلكتروني.
الصحافة الفرنسية ليست استثناء مما يحدث للصحافة الورقية، والتي تشهد انحسارا بعدد القراء، وعندما سألنا أحد باعة الصحف في الشانزليزيه عن وضع المبيعات قال «الجيل الجديد لم يعد يشتري الصحف... فقط من هم من جيلكم من يشتري الصحف الورقية».
كلام بائع صحف الفرنسية اعادني إلى حديث للمرحوم الاستاذ طلال سلمان رئيس تحرير جريدة السفير اللبنانية عندما قال بما معناه «اخسر كل قارئ وصل إلى سن الخمسين، فهؤلاء اعتبرهم في عداد الأموات»!
أرشيف تحول إلى منجم ذهب
هنا الصالة المخصصة للصحف والدوريات الفرنسية كاملة وفي مكتبة وطنية شاملة، وبحسب القانون تلزم صاحب أي وسيلة نشر أو مكتوب بإيداع نسخة منها لكن الجديد والمهم أنهم يوفرون لك إمكانية البحث الحر والشامل لأي موضوع.
وتضم المكتبة المطبوعات والدوريات والصحف والمخطوطات والصور والقطع الموسيقية والأشرطة، إضافة لذلك تحويل 7270 مخطوطا عربيا تم جمعها من الرحالة والمستشرقين أثناء مرحلة الاستعمار الفرنسي للعديد من البلدان العربية، و45 ألف كتاب، و3 آلاف عنوان للدوريات، ومن أهم المخطوطات العربية مقامات الحريري.
بعد انتهاء البحث الذي استغرق منا ثلاث ساعات اكملنا جولتنا في المكتبة وبات لدينا بطاقة تسمح بالدخول والبحث، وهذه الخدمة تقدمها اهم مكتبة وطنية في عموم فرنسا وصلنا الطابق الأرضي الخشبي، والتقطنا مجموعة صور الى جانب باص قديم تحول الى مطعم يقف أمامه الجمهور منجذبا ومسرورا.
الاستعداد للأولمبياد
تستعد باريس لاستقبال دورة الألعاب الأولمبية القادمة في فصل الصيف، ولهذا تجد اسم الاولمبياد أضيف الى محطات المترو في باريس، وتتهيأ العاصمة الفرنسية من الآن لاستقبال الملايين من الزوار، ولذلك تبذل السلطات هنا المزيد من الإجراءات الأمنية الاستباقية، ويمكن تلمس هذا المظهر من خلال التواجد الأمني الكثيف في شارع الشانزليزيه وقت مباراة الجزائر مع موريتانيا بدورة كأس إفريقيا.
حي اليهود
التجول في بعض الأحياء الباريسية يمنحك الفرصة للتعرف عليها، ومشاهدة حركة الناس والعاملين في مطاعمها ومقاهيها، ومن تلك الأحياء حي اليهود أو ما يعرف بحي «لو ماري» فيه متاجر للتحف الفنية، ومطاعم مخصصة للمارة، وكان موطنا للروائي الفرنسي فيكتور هوجو.
كانت رائحة الفلافل تصل الينا ونحن نجتاز الشارع، فاليهود سطوا على هذا الإرث ونسبوه اليهم، وهو الذي برع فيه الفلسطينيون منذ زمن.
في الدائرة الباريسية الرابعة عشرة يتمركز هنا اليهود الفرنسيون وبما يشبه الغيتو، أرمات كتبت باللغة العبرية ووجوه تلبس «القحفية» يصطحبون أولادهم، والمحلات تعرض الشمعدان والعلم الإسرائيلي يرتفع فوق المباني، وبالقرب منه «حي المثليين»، وعلمهم بألوان قوس قزح تراه مرسوماً على الأرض والأرصفة المتلاصقة.
عدد اليهود الفرنسيين بحسب الأرقام المتداولة لا يزيد عن النصف مليون ينتشرون في عدة مدن ومنها باريس الكبرى.
مترو بدون سائق
لعل مترو باريس يبقى علامة فارقة في تاريخه، فقد لجانا الى الخط رقم واحد، وهو من مجموعة 16 خط افتتح عام 1990 والوحيد الى جانب الخط رقم 14 الذي أصبح أتوماتيكيا، أي أنه يعمل بدون سائق منذ عام 2013 وبشكل كامل جلسنا في مقدمة المترو دون تواجد السائق، وكان مشهداً غير مألوف للزائر الجديد، وكما هو معروف الخطوط الأتوماتيكية تتميز بأنها الأكثر أماناً وسلامة للركاب، ولم تشهد أي حوادث تذكر.