شاركت قبل 10 سنوات بورقة عمل في مؤتمر تمكين الكفاءات الوطنية وألقيت محاضرة في الجلسة الخامسة للمؤتمر التي ترأسها وأدارها آنذاك النائب د.محمد الحويلة، بعنوان «الإحلال بين الواقع والتحديات»، فابتدأت بعرض الإحصاءات وأجريت المقارنات بين الكويت وسائر دول مجلس التعاون، حيث جاءت الكويت بالمركز الثالث خليجياً في نسبة العمالة الوافدة، مع استعراض تاريخي لارتفاع النسبة بسبب التغيرات الاجتماعية التي طرأت بعد النفط والتطور العمراني وقيام المشاريع الكبرى، مع تأكيد كفاءة وفعالية العمالة الوطنية قبل خمسينيات القرن الماضي والإشادة بدورهم التاريخي في المحافظة على المكانة الاقتصادية للكويت التي كانت مركزاً رئيساً لاستيراد وتصدير البضائع من البر والبحر، ونقلها عن طريق أشهر ربابنة السفن وصنّاعها الذين أبهروا العالم بمهاراتهم وتصاميمهم، فحصدوا الشهادات البحرية والإشادات الدولية أينما حلّوا وارتحلوا حتى جعلوا للكويت بصمة تميزها عن سائر الدول في التجارة البحرية، ولا ننسى بناءهم للسور الثالث في شهرين فقط ! وفي حر الصيف وبحلول شهر رمضان المبارك، أكملوا سوراً طوله 7 كيلومترات، وارتفاعه 7 أمتار وعرضه 3 أمتار! فأثنى الحضور على إظهار الأمثلة المشرقة لعمالتنا من تراثنا الوطني الذي يعج بالمواهب والكفاءات، وبعدها قدمت العديد من التوصيات، منها:
1- تنمية الكفاءات الوطنية من خلال تعزيز رأس المال البشري وتأهيل العمالة الوطنية من خلال تكثيف الدورات الفنية والمهنية وربطها بمسارهم الوظيفي، والزام الشركات والجهات الحكومية بتمكينهم بعد استيفائهم الشروط الفنية.
2- التطبيق الفعلي لخطة التنمية والبدء بتنويع مصادر الدخل وتوفير إحصاءات دقيقة عن الوظائف المطلوبة.
3- الاستفادة ممن لديهم القدرات التقنية والمهارات التكنولوجية والتخصصات النادرة وتوطين خبراتهم.
4- تفعيل دور الناظم الرقابي في متابعة تنفيذ خطط التوطين والإحلال والتمكين في المؤسسات الخاضعة لرقابته.
5- ضرورة التدرج في توطين الخبرات وتمكين الكفاءات بشرط أن تتوافر فيهم القدارت والمؤهلات والكفاءات المطلوبة للوظيفة ذاتها مع ضمان جودة الخدمة والمنتج، فالتوطين والإحلال يجب أن يكونا بمنزلة الحلقة الأخيرة والمتممة ضمن استراتيجية التمكين الشاملة لمنظومة التوجيه المهني والتدريب، ونقل الخبرات واكتساب المهارات، وتوفير تعليم نوعي وتخصصات فنية ذات جودة عالية تلبي متطلبات سوق العمل بقطاعيه العام والخاص.
وعرضت التجربة الكورية الجنوبية كمثال على التطور والتحول إلى خامس أكبر اقتصاد في العالم، بعد أن كانت من أفقر دول العالم قبل 50 عاماً، لا تملك موارد طبيعية ولا مالية إلا العنصر البشري، واستطاعت أن تمتلك كبريات الشركات العالمية في مجال التكنولوجيا والإنشاءات والسيارات وغيرها، وذلك بالتركيز على إبداع العنصر البشري وتطويره من خلال الالتزام بجودة التعليم.
فالتعليم هو السبب الأول للتقدم الاقتصادي والتكنولوجي، والتقدم والتنمية لا يرتكزان إلا على العنصر البشري المؤهل، الذي تعلم وتدرب في نظام تعليم ذكي ذي جودة عالية، ويشجع على التفكير والابتكار والإبداع والانفتاح على تجارب الآخرين، فمن المهم أن نستفيد من القدرات التقنية والمهارات التكنولوجية المتوافرة لدى الشباب لتحسين الخدمات، ووضع استراتيجية واضحة لتوطين الخبرات وإحلال العمالة الوطنية المؤهلة وٕاعادة هيكلتها في كل الوظائف لتحسين التركيبة الوظيفية، التي بدورها ستعدل التركيبة السكانية، ومن المهم أن يتم تفعيل دور الناظم الرقابي (هيئة القوى العاملة) في المراقبة والتطبيق الفعلي لخطط الإحلال والتوطين، وتوفير فرص عمل جاذبة عالية الطلب بالتنسيق مع التعليم العالي والخدمة المدنية والقطاع الخاص والجامعات الحكومية والخاصة.
إن معالجة ملف البطالة المتزايدة لن تتم إلا من خلال وضع خطة استراتيجية متكاملة تُنهي تركز العمالة الوطنية وتضخمها في قطاعات محددة غير منتجة، وتعيد توزيعها في القطاعات المنتجة بعد تأهيلهم فنياً ومعنوياً لتقبل التغيير في الهيكل الجديد، ودعمهم بقوانين وقرارات مشجعة ومحفزة لتقبلهم المهام والمسؤوليات المتوافقة مع مؤهلاتهم وخبراتهم ومسارهم الوظيفي.
هذه كانت مشاركتي في المؤتمر قبل عشر سنوات، فهل تم تنفيذ توصيات المؤتمر لتمكين الكفاءات وتوطين الخبرات؟ أم ستستمر البطالة المقننة، والتعيينات البراشوتية، واتساع الفجوات بين متطلبات العمل ومخرجات التعليم؟