التحول الاقتصادي... «خارطة طريق» وسط إقليم مُلتهب
حتمية العبور تصطدم بإشكالية المواءمة
• منطقة الخليج لم تواجه حتى الآن سوى القليل من تكاليف الصراع وآفاقها الاقتصادية مرتهنة بتطوراته
• ضرورة التحول إلى اقتصاد متنوع ومستدام قادر على تجاوز التحديات الجيوسياسية والتحرر من قيود الموارد التقليدية
• خيار التحول الاقتصادي يدق جرس إنذار ويفرض تحدياً جيواقتصادياً على المنطقة
• الخيار مشروط بالحفاظ على مكانة دول النفط كرافد موارد لا سوق استهلاكي
كالفجوة الزمنية التي تعبر بأبطال روايات الخيال العلمي إلى المجهول، لم يكن 2023 كالأعوام السابقة عليه، ومن المؤكد أنه لن يكون كالأعوام اللاحقة، بل كان عاماً تاريخياً فاصلاً لما قبله عن ما بعده. إلا أن الرواية هنا ليست خيالية، إنما هي واقع اقتصادي استثنائي، فرضته الكثير من التطورات والأحداث على كل الصعد، ليس على مستوى الإقليم الأكثر توتراً والتهاباً فقط، بل على مستقبل الاقتصاد العالمي كله، فإما أن نعبر الفجوة وإما تبتلعنا إلى المجهول. صحيح أن الاقتصاد العالمي تعرض للكثير من الصدمات منذ أوائل 2020، مع تفشي فيروس كورونا، ثم عودة التضخم ليرتفع عالمياً إلى مستوى 6.9 في المئة، ويدفع باتجاه رفع معدلات الفائدة إلى مستويات قياسية تراوحت ما بين 4.35 في المئة، و5.50 في المئة لدى أكبر البنوك المركزية على مستوى العالم، بالإضافة إلى الحرب الروسية- الأوكرانية، إلا أن عام 2023 جاء بحدث استثنائي استحوذ على كل الضوء، حتى من شرق أوروبا، لما له من تداعيات مباشرة على الاقتصاد العالمي بشكل عام، والمنطقة العربية والخليجية تحديداً، وهو حرب غزة. هذه الحرب التي لم تتوقف آثارها، بعد أكثر من 100 يوم على اندلاعها، عند التخوم الشرقية للمتوسط فقط، بل امتدت ألسنتها جنوباً إلى مضيق باب المندب، ومنه إلى قناة السويس، الشريان التجاري الأهم، ربما في العالم، لتضع اقتصادات المنطقة على المحك، بعد تعطل التجارة البينية الإقليمية، وتحول الكثير من شركات الشحن بعيداً إلى طرق بديلة كرأس الرجاء الصالح، ما أدى إلى انخفاض حجم الشحنات المارة بالمضيق إلى 30 في المئة فقط من مستوياتها العادية، وفي الوقت نفسه، ارتفعت تكلفة شحن البضائع من الشرق الأوسط، مع توقف العديد من المصدرين عن العمل لأشهر مقبلة، ما أثر على سلاسل الإمداد العالمية للوصول إلى المنطقة، وبما يؤدي إلى انخفاض إنتاج الغذاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية، وبما يهدد الأمن الغذائي في المنطقة. كل ذلك بالإضافة إلى الآثار المباشرة على الدولة المصرية التي تراجع دخلها من قناة السويس منذ بداية العام بنسبة 46 في المئة عن ما كان عليه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، لتفاقم من أزمتها المالية المتعلقة بندرة المصادر الدولارية، وتعرضها لأخطار اقتصادية حقيقية.
كان هذا ملخص التداعيات المباشرة الحالية للتوترات الجيوسياسية على اقتصادات المنطقة، إنما الأكيد أن هذه الاقتصادات، لم تواجه، حتى الآن، سوى القليل من التكاليف الناجمة عن الصراع، إذ تبقى آفاقها مرتهنة بتطوراته، فإن تقلص نجونا، وإن توسع فقد ينزلق قسم كبير من الشرق الأوسط إلى أزمة أعمق، يتردد صداها في جميع أنحاء العالم.
ذلك ما اتسقت بشأنه آراء خبراء اقتصاديون مع تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية، إذ توقع الخبراء نمواً اقتصادياً متواضعاً ومرتهناً بتطورات الصراع، في وقت قال فيه تقرير لصندوق النقد الدولي، إن أمد تشديد الأوضاع النقدية قد يطول إذا ارتفعت أسعار السلع الأولية ارتفاعا حادا مجددا نتيجة للصدمات الجغرافية السياسية، بما فيها استمرار الهجمات في البحر الأحمر، واضطرابات العرض أو استمرار التضخم الأساسي لفترة أطول.
تقديرات النمو
وخفض الصندوق تقديراته، في يناير، لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار 50 نقطة أساس إلى نسبة 2.9 في المائة لعام 2024، والتي أرجعها بصفة رئيسية إلى خفض توقعاته للنمو السعودي من 4 في المئة إلى 2.7 في المئة، بما يعكس الانخفاض المؤقت لإنتاج النفط في 2024، بما في ذلك التخفيضات أحادية الجانب وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال الأوبك وحلفائها (منظمة الدول المصدرة للبترول، التي تضم روسيا وغيرها من مصدري النفط من خارج الأوبك)، بينما جاءت تقديراته لنمو اقتصاد الإمارات العربية المتحدة عند 4 في المئة، والكويت والبحرين عند 3.6 في المئة، وعمان 2.7 في المئة، بينما توقع لقطر نسبة نمو 2.2 في المئة فقط، وتقاربت مع توقعات البنك الدولي، حين توقع نمواً للاقتصاد السعودي بنسبة 4.1 في المئة، وللإماراتي بنسبة 3.3 في المئة، ولاقتصاد البحرين بنسبة 3.3 في المئة، بينما توقع للاقتصاد العماني نسبة نمو 2.7 في المئة، وللكويتي 2.6 في المئة، وفي قطر بنسبة 2.5 في المئة.
أيضاً توقعت وكالة «فيتش سليوشنز» أن تقود الإمارات والسعودية النمو الخليجي بنحو 4 في المئة للأولى، وأكثر من 3 في المئة للثانية، وإلى نحو 2 في المئة للكويت، والبحرين، وعمان، وأكثر منها لقطر، كما أظهر استطلاع أجرته «رويترز» شمل 20 اقتصادياً أن متوسط النمو الخليجي بوجه عام سيسجل 3.5 في المئة، ما يعد أعلى كثيراً من معدل النمو المسجل خلال 2023 والبالغ 0.8 في المئة، وأن المملكة العربية السعودية قد تنمو بنسبة 3 في المئة، بينما توقع الاستطلاع نمو الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.8 في المئة، في حين يتوقع اتساع النمو في قطر إلى 2.4 في المئة، وفي الكويت عند 2.6 في المئة، وأدنى في البحرين عند 1.5 في المئة، أما تقديرات النمو التي جاءت بناء على قاعدة بيانات صندوق النقد العربي واستبيان آفاق الاقتصاد العربي فجاءت كالتالي: السعودية 2.8 في المئة فقط، والإمارات 4.3 في المئة، وقطر 2.8 في المئة، والكويت 2.5 في المئة، وعمان 3.6 في المئة، والبحرين عند 2.9 في المئة.
نمو متواضع
من جانبهم، اتفق خبراء اقتصاديون على أن الهدوء السياسي، وعدم توسع الصراع في المنطقة شرط أساسي للحفاظ على هذا النمو المتواضع، ففي البداية قال الخبير الاقتصادي الكويتي رئيس شركة الشال للاستشارات، جاسم السعدون، إنه وفقاً لآخر تقرير من البنك الدولي كان مقدراً للسعودية في 2023 أن يكون نموها من 0.5 في المئة إلى 1 في المئة بينما لبقية دول الخليج أن يتراوح النمو المقدر لها بين 2 – 3 في المئة، أما في 2024 – 2025، فمن المتوقع أن تحقق نمواً أكبر لكن أقل من النمو التاريخي الذي حققته في العقد الماضي بسبب ضعف سوق النفط، وبالتالي من المتوقع أن تحقق السعودية نمواً بنحو 4.1 في المئة، أو 4.2 في المئة، بينما يتراوح معدل النمو في بقية الدول بين 1 في المئة، و3 في المئة.
وفنّدها السعدون هذه الاقتصادات إلى ثلاث مجموعات:
1 - مجموعة الدول النفطية، وهي الدول التي يرتبط اقتصادها بالتطورات الحاصلة في سوق النفط ارتباطاً جوهرياً، وإن تفاوت بين دولة وأخرى.
2 - الدول ذات الاقتصادات التقليدية، والتي يعاكس مسارها مسار الدول النفطية، بمعنى أنه لو ارتفعت أسعار النفط وأسعار الوقود يرتفع التضخم لديها، والعكس صحيح، فهبوط أسعار النفط ربما يكون في مصلحتها.
3 - المجموعة الثالثة والتي في معظمها دول فاشلة.
وأوضح أنه فيما يتعلق بمجموعة الدول النفطية والتي تسيطر على 78 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، فيبدو أنها أمام تحدي الدفاع عن الأسعار على حساب الإنتاج، إذ كان نموها متواضعاً نتيجة خفضين للإنتاج.
وأما ما يتعلق بالدول التقليدية والتي تساهم بنحو 19.4 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، فينقسم بشكل رئيسي بين مصر التي تمثل نحو 11.8 في المئة من حجم الاقتصاد العربي، والمغرب 4.4 في المئة، وتونس 3.2 في المئة، فالنمو المتوقع لها سيكون بالموجب لكن ضعيف نوعاً ما، فهي لديها ما يكفي من الاضطرابات، وتواجه تحديات رئيسة تتعلق بالاستقرار السياسي.
وأكد أن هذه الدول لديها ما يكفي من الموارد، إنما مشكلتها الأساسية في الإدارة، التي عليها أن تتعامل مع الفساد بعقلية منفتحة، وأن تسعى، على الأقل، إلى «تقنينه»، محذراً من مخاطر أخرى، قد تأتي من اختراق شبكة أمانها واستمرار انحدار أوضاع الطبقة الوسطى، والتي يبقى تحسن أوضاعها محل شك حتى الآن، فهي تواجه تهديداً حقيقياً، وتمثل، في نفس الوقت، تهديداً للاستقرار، إذا اتسع خط الفقر وساءت أوضاعها.
وأضاف: «في النهاية، فآفاق الاقتصاد العربي في هاتين المجموعتين، في أحسن الأحول، ستكون نمواً موجباً متواضعاً، لكنه مشروط بألا تتوسع الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، فالهدوء السياسي شرط أساسي للحفاظ على هذا النمو المتواضع».
وفي السياق نفسه، أكد الدكتور رشاد عبده، أن تأثر اقتصادات دول الخليج بالتحديات الحالية والتطورات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة أقل بكثير من تأثر اقتصادات الدول النامية، بل على العكس، فهي استفادت بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز والذي ساهم في زيادة إيراداتها، إلا أنها تواجه تحديات تتعلق بارتفاع معدلات التضخم، وما تبعه من رفع لأسعار الفائدة، والذي أثر في النهاية على معدلات البطالة والقدرة التصديرية، لكن ليس بالقدر الذي تواجهه الدول النامية، التي تأثرت بشكل كبير بتداعيات الحرب في غزة، تحديداً ما يتعلق بضرب ميناء إيلات وتصاعد العمليات العسكرية الحوثية في مضيق باب المندب، والذي أثر بشكل كبير على حركة التجارة المارة في قناة السويس، ما أدى في النهاية إلى ارتفاع أسعار تلك الموارد على الدول النامية، والتي تفاقمت أزماتها خلال فترة جائحة كوفيد - 19 بسبب توسعها في برامج الاقتراض بعد انخفاض تكلفتها.
أما بالنسبة لمجموعة الدول الفاشلة التي تضم سورية، وفلسطين، والصومال، ولبنان، وحتى ليبيا، فأشار السعدون إلى أنها دول مضطربة تماماً، ومن الصعب رصد أي توقعات لها، إلا أننا نأمل أن يكون مصيرها أفضل في المستقبل.
عدم يقين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي السعودي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل، الدكتور محمد بن دليم القحطاني، إن الاقتصاد العالمي يعيش حالة من عدم اليقين تتجه بالاستثمارات إلى مسارات مغايرة عن مساراتها السابقة، بسبب التطورات الجيوسياسية التي أدت إلى هروب رؤوس الأموال وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في المناطق التي تشهد توتراً كالشرق الأوسط.
وأضاف القحطاني أن الاقتصادات الكبرى بدأت تظهر مرونة اقتصادية بسبب تلك التوترات التي زادت من مستوى المخاطر خلال الأعوام الـ3 السابقة، ناهيك عن الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها معظم الدول بسبب الانكماش الناتج عن الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة، إلا أنه من المتوقع أن يكون هناك انتعاش في حركة التجارة الدولية، رغم التوترات الجيوسياسية التي نشهدها الآن، كما سنشهد تحولاً نحو السياسات الحمائية وإعادة لتقييم سلاسل التوريد، كالممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، والذي من الممكن أن يكون مفيداً لقناة السويس على المدى الطويل، خصوصاً في ما يتعلق بالتنمية، وبعكس ما يعتقد البعض.
تحديات جيوسياسية
أما المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية محمد علي ياسين، فيرى أن التحديات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة حالياً هي الأقوى منذ حرب تحرير الكويت وربما لم نر مثلها منذ عام 1948، فحتى الآن لا يحدث تقدم في اتجاه التهدئة، بل على العكس، الأمور تتفاقم، ومحاولات المساهمات العربية الإنسانية تصطدم بعملية إغلاق المعابر.
وقال ياسين إن توسع العمليات العسكرية في المنطقة بدخول الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الحرب بعد الهجوم على القواعد العسكرية الأميركية، ووقوع عدد من الإصابات والقتلى بين صفوفها، من شأنه أن يرفع حدة التوتر للدرجة التي تضر بالنهضة الاقتصادية والتوسع الاستثماري.
وأشار إلى أن وجود هذا المناخ السلبي مقابل التطورات الإيجابية التي تشهدها أسواق المال يفرض على المستثمرين الحذر بخصوص القرارات الاستثمارية، إذ لابد أن يكون لديهم هامش جيد من السيولة لاستغلالها واقتناص الفرص في حالة حدوث عمليات تصحيح في الأسواق كنتيجة محتملة لانتهاء التوترات، أو على الأقل، قلت حدتها.
ماذا نفعل إذن؟
الشاهد أن ارتهان الاقتصادات العربية بشكل عام، والخليجية على وجه التحديد، لتصاعد أو هدوء الظروف الجيوسياسية المحيطة، إنما يرجع في الأساس إلى ارتهانها لموارد اقتصادية تبقى هي الأخرى رهناً لتلك الظروف، وبما يؤكد أن هذا الارتهان هو الفجوة الحقيقية التي قد تبتلع اقتصادات المنطقة إلى المجهول، ومن هنا، تأتي ضرورة التحول إلى اقتصاد متنوع ومستدام قادر على تحريرها من الارتهان لقيود الموارد التقليدية، كالنفط والغاز، وتجاوز التحديات المختلفة، ومواجهة ظرف استثنائي كالذي تعيشه في الوقت الحالي.
وإعمالاً، فقد رسم الخبراء الاقتصاديون ما يمكن أن نسميه «خارطة طريق» لتجاوز الفجوة والعبور إلى اقتصاد مستدام، كالاقتصاد الرقمي والاقتصاد الأخضر، فيرى جاسم السعدون أن البنية التحتية للاقتصادات الجديدة تطورت بشكل جوهري، وتُخدم بشكل جيد في كل من قطر والإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين لكنها تحتاج إلى استقرار، وأن فرص التحول تعتمد على توفر الموارد على المدى البعيد، إذ يجب أن يكون هناك ما يكفي من نشاط اقتصادي يتحول إلى خطوط إنتاج تُفرض عليه ضريبة حتى تتحول إلى اقتصادات تقليدية على المدى القصير، مشيراً إلى ضرورة وجود إدارة متطورة، فالقضية في النهاية ليست قضية موارد إنما قضية عقول، فإن نجحنا في اختيارها دون تحيز، فالمستقبل سيكون واعداً، وإن فشلنا في اختيار الإدارت السليمة فسيكون المستقبل مزعجاً جداً
وقال السعدون إن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، على سبيل المثال، سيدعم الاقتصاد التقليدي، إذ إنه سيوفر في استهلاك الموارد التقليدية، فكلما تم الاستغناء عن توليد الطاقة بالغاز أو النفط توافرت فوائض من المادة الأولية للتصدير، وتوافرت تدفقات من العملة الأجنبية يتم استخدامها في قطاعات استثمارية أخرى، فالعالم سيظل في حاجة إلى النفط لفترة طويلة، ولذلك لا يوجد تناقض بين العمل في الاتجاهين.
من جانبه، أوضح د. محمد القحطاني، أن معظم التوقعات تشير إلى أن الاقتصاد العالمي يسير نحو النمو البطيء، ولذلك فهناك فرصة للاقتصادات الخليجية الناشئة لتعزيز الاستثمار في القطاعات الواعدة كالتكنولوجيا والرقمنة والذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى الاستدامة، خصوصاً مع تعطل الاقتصادات المتقدمة، فضلا عن أن هناك اهتماما بالتمويل الدولي وإعادة توجيه رؤوس الأموال لبعض دول المنطقة، التي تشهد بالفعل توسعاً لافتاً في هذه القطاعات، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
ومن وجهة استثمارية، أكد محمد علي ياسين أن العديد من دول المنطقة تنبهت مبكراً إلى ضرورة التحول، كدولة الإمارات العربية المتحدة، والمملكة العربية السعودية، خصوصاً فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية، وبدأت تتحرك في اتجاه إيجاد قاعدة له ضمن التنوع الاقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، مشيراً إلى أن الفجوة بين الدول الخليجية والغربية تواكب هذا التنوع، وأصبحت، في هذه المجالات، أقل بكثير عن ما كانت عليه في السابق.
وأوضح أن لدول المنطقة فرصاً ليست قليلة في هذا المجال، إذ كانت سبّاقة في التحول إلى الاقتصاد المستدام، ومن المنتظر أن يكون لها دور قيادي، لكن الأمر مشروط بأن تستمر في إيجاد وتطوير حلول مكافحة الانبعاثات الكربونية وتنويع مصادر الطاقة، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في الاستثمار بالجامعات المتخصصة ومؤسسات البحث وتمويل المشروعات الصغيرة في هذه القطاعات، وكذا الاستعانة بالكوادر التعليمية من جميع دول العالم، لتعليم الكفاءات المحلية وبناءها، ومن ثم تأسيس قاعدة تطوير في دول الخليج تستفيد منها اقتصاداته وتنطلق منها تلك الكفاءات إلى الخارج لنصبح دولاً مصدرة لها لا مستوردة.
في كتابه Seize the Moment الذي نُشر في العام 1992، بعد انتهاء الحرب الباردة، وتُرجم إلى العربية تحت عنوان «اغتنم الفرص»، قال الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، إنه مع انتهاء الحرب الباردة أصبحت القوة الاقتصادية والجيواقتصادية أكثر أهمية من القوة العسكرية والجيوسياسية «وعلى أميركا ألا تضرب بالسيوف إلى المحاريث –كما يقول الكتاب المقدس- بل إلى رقائق إلكترونية».
ففي الوقت الذي فرضت فيه التحديات الجيوسياسية ضرورة التحول إلى اقتصاد متنوع ومستدام لعبور «الفجوة الزمنية»، اصطدمت «خارطة الطريق» التي رسمتها مجموعة الخبراء الاقتصاديين، بإشكالية المواءمة، بين موقع اقتصادات المنطقة داخل نظام اقتصادي هي الرافد الرئيس لأغلب موارده، وبين التحول إلى نظام اقتصادي قائم على موارد، في أغلبها، غير متوفرة لديها، في ظل اعتبارات سياسية تثير الكثير من التساؤلات حول الجهات التي تدفع باتجاه فرض هذا التحول الاقتصادي على العالم بشكل عام، والمنطقة على وجه التحديد، وما هي الموارد التي تريد بيعها والاستثمار فيها، وحجم المكاسب المنتظرة، وفي نفس الوقت يدق جرس الإنذار في المنطقة الغنية بموارد، حتماً، سيتم الاستغناء عنها، ليفرض عليها تحدياً جيواقتصادياً.
أما الشاهد على ذلك الواقع، فهو أن سيناريوهات التحول الاقتصادي، وبالتحديد فيما يتعلق بالاقتصاد الأخضر والاستدامة، آتية من الغرب، الذي يشهد حالياً، ثورة في قطاع التكنولوچيا واستثماراته، والتي تحتاج بالطبع إلى الأسواق التي يتم تأهيلها، الآن، وعبر السيناريو الذي يتم إعداده منذ سنوات لاستيعاب هذه التكنولوچيا، ومن ثم إحلال مواردها محل الموارد التي يسعى هذا الموّرد الجديد إلى الاستغناء عنها في المستقبل القريب.
وأما الحل، ليس بالطبع في الخضوع لهذا السيناريو حتى لا تتحول اقتصادات المنطقة إلى مجرد أسواق لاستهلاك هذه التكنولوچيا، وليس أيضاً في مقارعته أو معارضة أي من الحلول التي تدفع في اتجاه الاستدامة والحفاظ على المناخ والبيئة، إنما في استغلال الفرصة للتحول نحو اقتصادات مستدامة بعيداً عن مخاطر الاعتماد على مورد اقتصادي وحيد كالنفط أو الغاز، خاصةً، إذا وضعنا في الاعتبار حجم المكاسب الاقتصادية المباشرة، إذ خلصت نتائج بحث أجرته اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ، أن الانتقال للاقتصاد المُراعي للبيئة يمكنه تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة تصل إلى 26 تريليون دولار حتى عام 2030 مقارنةً بطريقة العمل المعتادة.
أما بالنسبة للتحول الرقمي، فصحيح أن الدول الخليجية قد صنفها مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي 2022 كدول. إنما ما رصدته التقارير حول المنافع الاقتصادية الهائلة التي تنتظر بلدان المنطقة في حال اعتمادها التقنيات الرقمية، ليست بالهينة وتستدعي الدفع باتجاه التحول الفوري، فقد أشار تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن الرقمنة الكاملة للاقتصاد يمكن أن ترفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 46% على مدى 30 عاماً، أو من حيث القيمة الدولارية لمكاسب طويلة الأجل لا تقل عن 1.6 تريليون دولار.
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أنه خلال السنة الأولى، يمكن أن يصل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة إلى 300 مليار دولار. وستكون هذه الزيادة أكثر وضوحاً في البلدان الأقل دخلاً في المنطقة (زيادة بنسبة 71% على الأقل نظراً لأن المكاسب مدفوعة بسد الفجوة في الحصول على التقنيات الرقمية. فالفجوة في إمكانية الحصول على التمويل أكبر في البلدان ذات الدخل غير المرتفع).
وإعمالاً لذلك، فقد أكد خبراء بالقطاعات ذات الصلة حتمية التحول نحو اقتصادات مستدامة لمجابهة التحديات، فهو لم يعد خياراً يمكن تركه أو تأجيله، بل أصبح أمراً محتوماً لمجابهة التحديات المتعاظمة الناجمة عن الأزمات والكوارث المتلاحقة، بالإضافة إلى المكاسب المنتظرة من عملية التحول، شريطة أن تكون تلك الاقتصادات طرفاً فاعلاً من أطراف المؤتمر، ولاعباً رئيساً، لا مجرد سوق لاستهلاك المورد المستدام الآتي من هناك...
أكد المدير التنفيذي لمركز أبحاث الطاقة والبناء التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية د. أسامة الصايغ أن تحول المنطقة العربية بشكل عام، والخليجية على وجه الخصوص، إلى الاقتصاد الأخضر، يواجه العديد من التحديات، أهمها، ما يتعلق بالظروف المناخية القاسية بشكل عام، وليس فقط بما يتعلق بالحرارة الشديدة في فصل الصيف والتي تتطلب أنظمة تبريد، فالمنطقة تعاني من شح المياه في حين نعتمد على تحلية مياه البحر لتغطية نحو 95% من احتياجاتنا.
وقال الصايغ، إنه يجب على الدول أن تسعى للاستثمار الأمثل لمواردها الطبيعية مثل النفط والغاز، وهو ما تسير في اتجاهه الدول الخليجية والعربية بشكل عام، وأن تبدأ في التحول التدريجي للاقتصاد الأخضر، إنما من غير الواقعي أن نتوقف عن إنتاج النفط والغاز دفعة واحدة، إذ علينا، في المقام الأول، أن نجد حلولاً ناجعة للظروف المناخية القاسية وفقر المياه، إضافة إلى تعزيز عملية التشجير التي تلعب دوراً كبيراً في تقليل الانبعاثات الكربونية، وكذا ضبط السلوك العام.
ورأى الصايغ أن أجندة المناخ ربما تمثل تهديداً للصناعة النفطية في دول المنتجة، لكنه تهديد سياسي أكثر منه اقتصادي، لكن في النهاية، هذه الدول قادرة على التعامل مع هذا الأمر بشكل جيد، فمن ناحية، فهي قد بدأت بالفعل بالاستثمار في التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة وتصدرت في بعض المجالات، ومن ناحية أخرى، لن يستطيع العالم الاستغناء عن مواردها المتمثلة في النفط، فهو لا يعتبر طاقة فقط، إنما يدخل في صناعة العديد من السلع من خلال مواده المشتقة، في النهاية هو وجد ليبقى.
وأشار إلى أن هناك بعض علامات الاستفهام بما يتعلق بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر، فعلى سبيل المثال، إذا تحدثنا عن السيارات الكهربائية، فهي كصناعة تقوم على تكنولوجيا المعادن كالكوبلت والليثيوم عوضاً عن التكنولوجيا الهيدروكربونية، وهي معادن نادرة إذا ما قورنت بالنفط والغاز، وتتحكم فيها دول محددة، بالإضافة إلى أن بصمتها وأثرها على البيئة سام وأكثر خطورة من النفط والغاز الذي تتوفر له حلولاً بيئية كعملية اصطياد الكربون وإعادة استخدامه، ومن ثم التخفيف من آثاره الضارة.
وأضاف أن الضرر البيئي لا يقتصر على استخدام هذه المعادن فقط، إنما هناك الانبعاثات الدفيئة وغاز الميثان الذي يسبب احتباساً حرارياً أكثر من الكربون، كلها لها نفس الآثار البيئية، إن لم تكن أكثر.
أكدت الخبيرة الدولية في التخطيط الاستراتيجي والإدارة البيئية المتكاملة والادستثمار الأخضر والاقتصاد الدائري الدكتورة ماجدة بنت محمد ابو راس، أن النفط هو عنصر ومورد طبيعي هام جداً في تطور العالم بل هو أحد أهم الأسباب في استقرار اقتصادات العالم ونموها.
واستدعت ابو راس، تاريخ المطالبات الدولية فيما يخص النفط، موضحة أن الدول التي تطالب الآن بوقف إنتاج النفط، هي نفسها الدول التي تطالب، منذ سبعينيات القرن الماضي، بزيادة الإنتاج حتى يتواكب مع حجم الطلب ويتماشى مع التطور الاقتصادي لبلدانهم، في المقابل فإن دول النفط كانت وما تزال حريصة على ضبط الإنتاج لهذا المورد الطبيعي غير المتجدد، وبما يكفل دعم الاقتصاد العالمي بطريقة مستدامة والمحافظة عليه، كصناعة، وتحويله إلى صناعة خضراء.
واستدركت أن الدول المنتجة للنفط هي من أوائل الدول التي طرحت مشاريع وبرامج للاستثمار الأخضر، وهي من وضعت خارطة طريق تنفيذية، بدأتها، وتعمل على تنفيذها في الوقت الذي ما زالت الدول الكبرى المستهلكة للنفط تتحدث بشعارات رنانة وعناوين براقة عن أن هناك تحديات تواجهها الدول الخليجية المصنعة للنفط، وأنها تمر بظروف استثنائية تفرض تحديات اقتصادية في مسارات عديده منها مسار الاقتصاد الأخضر، دون أدنى نتائج ملموسة على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات: أين هذه الدول من الاقتصاد الأخضر منذ السبعينيات؟ وألا تعلم تلك الدول المتطورة أنها أكبر مستهلكي النفط؟ وأكثرها مساهمة في زيادة الانبعاثات الغازية، نظراً للاستهلاك الجائر لهذا المورد؟ وماذا فعلت تلك الدول من مبادرات لخفض الانبعاثات الغازية الضخمة الناتجة من صناعاتها؟ وهل حولت صناعاتها الى صناعات خضراء؟
أما عن فرص التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فذكرت ابو راس، أن أمام منطقة الخليج، اليوم، ثروة طبيعية من مخلفات إنتاج النفط وهي مشاريع الاقتصاد الأخضر، كالتقاط وتخزين وتدوير الكربون الناتج من عمليات إنتاج النفط، وهي التقنية التي لن تتصدر اقتصاد دول العالم فحسب، إنما ستكون مورداً اقتصادياً واعداً وصديق للبيئة وستستفيد منه دول النفط، حيث الفرص الاستثمارية الجديدة لمشاريع الاقتصاد الأخضر.
وأشارت إلى ضرورة الانتقال إلى تعميم سياسة الاقتصاد الأخضر في جميع مشاريع دول المنطقة، لما فيه من توفير للموارد الداخلة، والاستفادة من المخلفات الناتجة، وبالتالي رفع كفاءة الاقتصاد والتحول المباشر من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الأخضر والذي يضمن حماية للبيئة وتخفيض للانبعاثات الكربونية واستهلاك الموارد والمخلفات، وظهور خطوط إنتاج جديدة لمشاريع خضراء ووظائف خضراء لم تكن موجودة من قبل.
وأما عن تحديات التحول، فبينت ابو راس، أنها تكمن في إيجاد تقنيات متجددة ومتطورة وأكثر سهوله في التطبيق، وهو ما يتطلب وجود منصة عالمية تتبنى فيها الدول سياسة الاستثمار وتوفير رأس المال وربطها بدعم التقنيات والبحث والعلماء، للحصول على تقنيات جيدة بسعر مناسب وقابله للتنفيذ.
وأشارت إلى أن هذا النموذج موجود، بالفعل، ونتج عن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي اطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عندما استبق الفكر العالمي وأطلق مبادرة شرق أوسطية دولية، أحد أهم أهدافها، هو ربط الاستثمار بدعم التقنيات للوصول إلى حلول ومشاريع اقتصاد أخضر قوي وقابل للتطبيق في جميع المجالات بما فيها إنتاج النفط، لافتة إلى أن الاقتصاد الأخضر يعتبر مورداً اقتصادياً ذا مردود مالي جيد لدول النفط سيفتح سوقاً عالمياً جديداً لها، وليس كما يعتقد البعض أنه مشروع ضغط عليها.
وشددت على أن الحكومات التي لديها بنيه تحتية وقوانين وأنظمة معتمدة، سيكون من السهل عليها التحول التدريجي في جميع مشاريعها بمختلف القطاعات، إلى مشاريع تعمل بسياسة الاقتصاد الأخضر، وأن الحكومات التي تعمل على دعم البحث العلمي والعلماء لتطوير التقنيات المختلفه في هذا المجال، وتقدم مبادرات نوعية قابلة للتنفيذ، سيكون لها السبق في مشاريع الاقتصاد الأخضر.
في هذا السياق، أشادت الدكتورة ماجدة ابو راس بجهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال، من خلال سعي المملكة لأن تكون دولة رائدة في مجال الحفاظ على البيئة والحد من آثار التغير المناخي، حيث أدخلت المملكة البنية التحتية لمشاريع الاقتصاد الأخضر، بما أطلقته من مبادرات وبرامج وطنية ودولية، واستعرضت بعضاً منها وهي مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر وتبني نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وتنويع مصادر الطاقة، واستهداف تحويل المدن في المملكة إلى مناطق خضراء خالية من التلوث البيئي لتحسين جودة الحياة.
وأضاف الفوزان أن أهمية الاقتصاد الرقمي تكمن في تحسين كفاءة الإنتاج وتحسين الخدمات لوجود التكنولوجيا والتقنيات اللازمة، لتعزيز التواصل بين الأفراد والشركات على نطاق واسع وكذلك التبادل التجاري السريع على مستوى العالم، حيث جعلت التكنولوجيا العالم كسوق كبيرة واحدة يساعد فيها الاقتصاد الرقمي على تبادل المعلومات والتجارة وبالتالي تطور الدول اقتصادياً وتنموياً.
ولا شك ان التكنولوجيا عامل ممكّن ومؤثر بشكل حقيقي على الأعمال التجارية حيث، من خلالها، يتم الوصول إلى جميع الأسواق في العالم وتخلق فرص جديدة للابتكار وتخلق فرصاً جديدة للشباب في سوق العمل، كالتجارة الرقمية والتسوق الرقمي، وهما من أسرع القطاعات نموا في العالم، خصوصاً مع دخول الذكاء الاصطناعي في المعادلة.
وأوضح أن الاقتصاد الرقمي في الكويت هو اقتصاد ناشئ، لكنه ينمو. فمن زاوية التكنولوجيا ومدى تبني الدولة لأدوات الاقتصاد الرقمي فإن استخدام الإنترنت وهو إحدى ركائز الاتصال قد بلغ نسبة قريبة من 100%. كذلك فقد تم إطلاق المبادرات الحكومية في مجال التحول الرقمي مثل مبادرة مسار واتفاقية جوجل ورقمنة الكثير من الإجراءات، وكلها تصب في مصلحة رؤية الكويت 2035.
وأشار إلى أنه لا بد أن لا نغفل عن نمو التكنولوجيا المالية Fintech في الكويت، فرغم أن حجم الاستثمارات فيها يبلغ نحو ربع مليون دولار في سنة 2023. لكننا في بداية المشوار ونحتاج إلى قوانين وقرارات لتصب في المجال.
وأما بالنسبة للتحديات التي تواجهها الكويت في الاقتصاد الرقمي، فلخصها الفوزان، في الحاجة إلى تبنّي التحول الرقمي على جميع الصعد ووضع استراتيجية شاملة لذلك، أيضاً حماية البيانات وحوكمتها، وضمان سلامة البنية التحتية الرقمية من الاختراقات أو سوء الاستخدام، مؤكداً أن هناك سعياً من قبل الحكومة لمعالجة هذه التحديات من خلال إنشاء لجنة إعداد الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في القطاع الحكومي، حيث أنه في المراحل الأخيرة لتوقيع التعاقد، كذلك برنامج عمل الحكومة وما يتضمنه من إنشاء دليل شامل للخدمات الحكومية ومن ثم رقمنة هذه الخدمات، وغيرها الكثير من المبادرات.
واختتم الفوزان، أن الكويت تتمتع بالمقومات التي تجعلها من الدول القوية في مجال الاقتصاد الرقمي ويجب على الجميع من جهات حكومية والقطاعين الخاص والنفطي أن تسعى بشكل حثيث للعمل على تطوير البنية التحتية الرقمية وحوكمة البيانات وحمايتها مع التركيز على الامن السيبراني وتطبيق الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنمية المستدامة ورفع مكانة الكويت في الساحة الاقتصادية العالمية، وتحقيق «رؤية الكويت 2035» والتحول إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار.
قالت أستاذة الاقتصاد والشمول المالي المدير التنفيذس لإفريست للاستشارات والتنمية الاقتصادية د. ندى الشاذلي، إن الاقتصاد الرقمي بدأ يسيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي، مع بداية الثورة الصناعية الرابعة التي غيرت المفاهيم الاقتصادية بشكل عام، وبما يخدم التوجهات الاقتصادية الجديدة لمرحلة ما بعد الرأسمالية، وهي مرحلة Individualism التي أصبح فيها التأثير الاقتصادي للفرد لا للتكتل.
وأضافت الشاذلي، أن هناك الكثير من المصطلحات بدأت تتردد عالمياً في مرحلة متوسطة كريادة الأعمال، والتي تجاوزت مرحلة الابتكار إلى مرحلة التطوير حتى خلقت اقتصاداً موازياً بدأ في الاندماج.
أما عن المنطقة العربية فشددت الشاذلي، على أنها – المنطقة - لم يعد لديها خيارات في ما يتعلق بالتحول الرقمي، فهي لن تستطيع أن تبقى منعزلة عن التوجه العالمي، بل يجب أن تكون جزءاً من هذا التحول، فالاقتصاد الرقمي أصبح مؤثراً بشكل واضح في معدلات النمو الاقتصادي والناتج القومي في كثير من دول العالم، ويساهم بنحو %22 من حجم الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى أن الكثير من الدول تعتمد في دخلها القومي على الصناعة الرقمية والخدمات السحابية وغيرها من التقنيات، بينما لم تتجاوز مساهمة المنطقة العربية فيه %4 وهي نسبة قليلة جداً بالمقارنة بالتوجه العالمي.
وأشارت إلى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أنماط وظروف وقدرات الدول العربية فيما يتعلق بالعديد من النقاط كمؤشر التنافسية وسرعة الإنترنت والبنية التحتية التكنولوجية وأنظمة التعليم والصناعة المالية الرقمية Fin Tec، لذلك فالتحديات تختلف من دولة إلى أخرى، والتي في معظمها تحديات استراتيجية لا فردية.
وفي هذا الإطار ترى الشاذلي أن الكثير من الدول العربية قد بدأت، بالفعل، خطوات فعالة نحو هذا التحول، فالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بدأتا العمل على حاضنات أعمال تستوعب العنصر البشري والعقول الشابة، التي تعتبر من أهم العوامل المحركة للاقتصاد الرقمي، أيضاً كانت فترة جائحة كوفيد 19 كاشفة لضرورة التحول الرقمي، ونقطة تحول مهمة دفعت الكثير من دول المنطقة كالمملكة والكويت وغيرها للعمل في اتجاه التنمية التكنولوجية ومعطياتها، وكان أدائهم مقبولاً، بشكل عام، وبدرجة لا يمكن إنكارها، بالإضافة إلى أن بعض الدول حققت تحولاً جيداً في قطاعات الزراعة والطاقة، الذي شهد استثمارات ضخمة في الفترة الأخيرة في مجال الطاقة المتجددة.
وفندت الشاذلي التحديات التي تواجهها المنطقة العربية في عملية التحول الرقمي والمتمثلة في البنية التحتية التكنولوجية وضرورة تأهيلها، والعنصر البشري، وأنظمة التعليم التقليدية التي تعد من أكبر التحديات، والمنفصلة تماماً عن التطورات الحاصلة في الأنظمة العالمية، بالإضافة إلى الحاجز الحضاري والثقافي والاجتماعي الذي يعطل عملية التحول المتكامل إلى الاقتصاد الرقمي.
واختتمت: «حتى تتحول المنطقة من مستهلك إلى منتج للاقتصاد الرقمي عليها أن تدير مواردها بالتوازي مع التطور الحاصل في الاقتصاد الجديد، وفي النهاية ليس هناك خوف على الموارد التقليدية التي تتمتع بها المنطقة، فالعالم لن يتحرر قريباً من هذه الموارد، لكنه، حتماً، سيتغير مع ضرورة الاستدامة والتحول الرقمي».
ذلك ما اتسقت بشأنه آراء خبراء اقتصاديون مع تقديرات المؤسسات الاقتصادية الدولية، إذ توقع الخبراء نمواً اقتصادياً متواضعاً ومرتهناً بتطورات الصراع، في وقت قال فيه تقرير لصندوق النقد الدولي، إن أمد تشديد الأوضاع النقدية قد يطول إذا ارتفعت أسعار السلع الأولية ارتفاعا حادا مجددا نتيجة للصدمات الجغرافية السياسية، بما فيها استمرار الهجمات في البحر الأحمر، واضطرابات العرض أو استمرار التضخم الأساسي لفترة أطول.
تقديرات النمو
وخفض الصندوق تقديراته، في يناير، لنمو منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمقدار 50 نقطة أساس إلى نسبة 2.9 في المائة لعام 2024، والتي أرجعها بصفة رئيسية إلى خفض توقعاته للنمو السعودي من 4 في المئة إلى 2.7 في المئة، بما يعكس الانخفاض المؤقت لإنتاج النفط في 2024، بما في ذلك التخفيضات أحادية الجانب وفقاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه من خلال الأوبك وحلفائها (منظمة الدول المصدرة للبترول، التي تضم روسيا وغيرها من مصدري النفط من خارج الأوبك)، بينما جاءت تقديراته لنمو اقتصاد الإمارات العربية المتحدة عند 4 في المئة، والكويت والبحرين عند 3.6 في المئة، وعمان 2.7 في المئة، بينما توقع لقطر نسبة نمو 2.2 في المئة فقط، وتقاربت مع توقعات البنك الدولي، حين توقع نمواً للاقتصاد السعودي بنسبة 4.1 في المئة، وللإماراتي بنسبة 3.3 في المئة، ولاقتصاد البحرين بنسبة 3.3 في المئة، بينما توقع للاقتصاد العماني نسبة نمو 2.7 في المئة، وللكويتي 2.6 في المئة، وفي قطر بنسبة 2.5 في المئة.
أيضاً توقعت وكالة «فيتش سليوشنز» أن تقود الإمارات والسعودية النمو الخليجي بنحو 4 في المئة للأولى، وأكثر من 3 في المئة للثانية، وإلى نحو 2 في المئة للكويت، والبحرين، وعمان، وأكثر منها لقطر، كما أظهر استطلاع أجرته «رويترز» شمل 20 اقتصادياً أن متوسط النمو الخليجي بوجه عام سيسجل 3.5 في المئة، ما يعد أعلى كثيراً من معدل النمو المسجل خلال 2023 والبالغ 0.8 في المئة، وأن المملكة العربية السعودية قد تنمو بنسبة 3 في المئة، بينما توقع الاستطلاع نمو الإمارات العربية المتحدة بنسبة 3.8 في المئة، في حين يتوقع اتساع النمو في قطر إلى 2.4 في المئة، وفي الكويت عند 2.6 في المئة، وأدنى في البحرين عند 1.5 في المئة، أما تقديرات النمو التي جاءت بناء على قاعدة بيانات صندوق النقد العربي واستبيان آفاق الاقتصاد العربي فجاءت كالتالي: السعودية 2.8 في المئة فقط، والإمارات 4.3 في المئة، وقطر 2.8 في المئة، والكويت 2.5 في المئة، وعمان 3.6 في المئة، والبحرين عند 2.9 في المئة.
نمو متواضع
من جانبهم، اتفق خبراء اقتصاديون على أن الهدوء السياسي، وعدم توسع الصراع في المنطقة شرط أساسي للحفاظ على هذا النمو المتواضع، ففي البداية قال الخبير الاقتصادي الكويتي رئيس شركة الشال للاستشارات، جاسم السعدون، إنه وفقاً لآخر تقرير من البنك الدولي كان مقدراً للسعودية في 2023 أن يكون نموها من 0.5 في المئة إلى 1 في المئة بينما لبقية دول الخليج أن يتراوح النمو المقدر لها بين 2 – 3 في المئة، أما في 2024 – 2025، فمن المتوقع أن تحقق نمواً أكبر لكن أقل من النمو التاريخي الذي حققته في العقد الماضي بسبب ضعف سوق النفط، وبالتالي من المتوقع أن تحقق السعودية نمواً بنحو 4.1 في المئة، أو 4.2 في المئة، بينما يتراوح معدل النمو في بقية الدول بين 1 في المئة، و3 في المئة.
ولفت السعدون إلى أن ما يجمع بين اقتصادات الدول العربية هو العنوان فقط، إنما هي في الأساس اقتصادات مختلفة في المحتوى، وهو ما توافق معه الخبير الاقتصادي، رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية الدكتور رشاد عبده، مؤكداً أن هناك اختلافات في النماذج والأنماط الاقتصادية للدول العربية، بما يعني أن هناك تبايناً واضحاً في تأثر تلك الاقتصادات بالتحديات وتعاطيها مع الفرص.جاسم السعدون : النمو الاقتصادي سيكون متواضعاً ومشروطاً بألا تتوسع الأحداث الجيوسياسية في المنطقة
وفنّدها السعدون هذه الاقتصادات إلى ثلاث مجموعات:
1 - مجموعة الدول النفطية، وهي الدول التي يرتبط اقتصادها بالتطورات الحاصلة في سوق النفط ارتباطاً جوهرياً، وإن تفاوت بين دولة وأخرى.
2 - الدول ذات الاقتصادات التقليدية، والتي يعاكس مسارها مسار الدول النفطية، بمعنى أنه لو ارتفعت أسعار النفط وأسعار الوقود يرتفع التضخم لديها، والعكس صحيح، فهبوط أسعار النفط ربما يكون في مصلحتها.
3 - المجموعة الثالثة والتي في معظمها دول فاشلة.
وأوضح أنه فيما يتعلق بمجموعة الدول النفطية والتي تسيطر على 78 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، فيبدو أنها أمام تحدي الدفاع عن الأسعار على حساب الإنتاج، إذ كان نموها متواضعاً نتيجة خفضين للإنتاج.
وأضاف أن على هذه الدول أن تتعامل مع الواقع، فحتى في ظل وجود «أوبك +» لا يبدو أن القرار في يديها، كما أنها يجب أن تتعامل مع أوضاعها الداخلية وتسيطر على نفقاتها، وأن تحاول قدر الإمكان أن تتنوع تدريجياً بعيداً عن النفط، حتى لو على مدى 20 سنة قادمة، إذا أرادت أن تطمئن وتحافظ على استقرارها.رشاد عبده : اقتصادات الخليج استفادت بشكل كبير بسبب ارتفاع أسعار النفط والغاز والذي ساهم في زيادة إيراداتها
وأما ما يتعلق بالدول التقليدية والتي تساهم بنحو 19.4 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي، فينقسم بشكل رئيسي بين مصر التي تمثل نحو 11.8 في المئة من حجم الاقتصاد العربي، والمغرب 4.4 في المئة، وتونس 3.2 في المئة، فالنمو المتوقع لها سيكون بالموجب لكن ضعيف نوعاً ما، فهي لديها ما يكفي من الاضطرابات، وتواجه تحديات رئيسة تتعلق بالاستقرار السياسي.
وأكد أن هذه الدول لديها ما يكفي من الموارد، إنما مشكلتها الأساسية في الإدارة، التي عليها أن تتعامل مع الفساد بعقلية منفتحة، وأن تسعى، على الأقل، إلى «تقنينه»، محذراً من مخاطر أخرى، قد تأتي من اختراق شبكة أمانها واستمرار انحدار أوضاع الطبقة الوسطى، والتي يبقى تحسن أوضاعها محل شك حتى الآن، فهي تواجه تهديداً حقيقياً، وتمثل، في نفس الوقت، تهديداً للاستقرار، إذا اتسع خط الفقر وساءت أوضاعها.
وأضاف: «في النهاية، فآفاق الاقتصاد العربي في هاتين المجموعتين، في أحسن الأحول، ستكون نمواً موجباً متواضعاً، لكنه مشروط بألا تتوسع الأحداث الجيوسياسية في المنطقة، فالهدوء السياسي شرط أساسي للحفاظ على هذا النمو المتواضع».
أما بالنسبة لمجموعة الدول الفاشلة التي تضم سورية، وفلسطين، والصومال، ولبنان، وحتى ليبيا، فأشار السعدون إلى أنها دول مضطربة تماماً، ومن الصعب رصد أي توقعات لها، إلا أننا نأمل أن يكون مصيرها أفضل في المستقبل.
عدم يقين
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي السعودي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك فيصل، الدكتور محمد بن دليم القحطاني، إن الاقتصاد العالمي يعيش حالة من عدم اليقين تتجه بالاستثمارات إلى مسارات مغايرة عن مساراتها السابقة، بسبب التطورات الجيوسياسية التي أدت إلى هروب رؤوس الأموال وانخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر في المناطق التي تشهد توتراً كالشرق الأوسط.
وأضاف القحطاني أن الاقتصادات الكبرى بدأت تظهر مرونة اقتصادية بسبب تلك التوترات التي زادت من مستوى المخاطر خلال الأعوام الـ3 السابقة، ناهيك عن الظروف المالية الصعبة التي تعاني منها معظم الدول بسبب الانكماش الناتج عن الزيادات المتتالية في أسعار الفائدة، إلا أنه من المتوقع أن يكون هناك انتعاش في حركة التجارة الدولية، رغم التوترات الجيوسياسية التي نشهدها الآن، كما سنشهد تحولاً نحو السياسات الحمائية وإعادة لتقييم سلاسل التوريد، كالممر الاقتصادي الجديد الذي يربط الهند بأوروبا عبر الشرق الأوسط، والذي من الممكن أن يكون مفيداً لقناة السويس على المدى الطويل، خصوصاً في ما يتعلق بالتنمية، وبعكس ما يعتقد البعض.
تحديات جيوسياسية
أما المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أوراكل للاستشارات والاستثمارات المالية محمد علي ياسين، فيرى أن التحديات الجيوسياسية التي تعيشها المنطقة حالياً هي الأقوى منذ حرب تحرير الكويت وربما لم نر مثلها منذ عام 1948، فحتى الآن لا يحدث تقدم في اتجاه التهدئة، بل على العكس، الأمور تتفاقم، ومحاولات المساهمات العربية الإنسانية تصطدم بعملية إغلاق المعابر.
وقال ياسين إن توسع العمليات العسكرية في المنطقة بدخول الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا الحرب بعد الهجوم على القواعد العسكرية الأميركية، ووقوع عدد من الإصابات والقتلى بين صفوفها، من شأنه أن يرفع حدة التوتر للدرجة التي تضر بالنهضة الاقتصادية والتوسع الاستثماري.
وأشار إلى أن وجود هذا المناخ السلبي مقابل التطورات الإيجابية التي تشهدها أسواق المال يفرض على المستثمرين الحذر بخصوص القرارات الاستثمارية، إذ لابد أن يكون لديهم هامش جيد من السيولة لاستغلالها واقتناص الفرص في حالة حدوث عمليات تصحيح في الأسواق كنتيجة محتملة لانتهاء التوترات، أو على الأقل، قلت حدتها.
ماذا نفعل إذن؟
الشاهد أن ارتهان الاقتصادات العربية بشكل عام، والخليجية على وجه التحديد، لتصاعد أو هدوء الظروف الجيوسياسية المحيطة، إنما يرجع في الأساس إلى ارتهانها لموارد اقتصادية تبقى هي الأخرى رهناً لتلك الظروف، وبما يؤكد أن هذا الارتهان هو الفجوة الحقيقية التي قد تبتلع اقتصادات المنطقة إلى المجهول، ومن هنا، تأتي ضرورة التحول إلى اقتصاد متنوع ومستدام قادر على تحريرها من الارتهان لقيود الموارد التقليدية، كالنفط والغاز، وتجاوز التحديات المختلفة، ومواجهة ظرف استثنائي كالذي تعيشه في الوقت الحالي.
وقال السعدون إن الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، على سبيل المثال، سيدعم الاقتصاد التقليدي، إذ إنه سيوفر في استهلاك الموارد التقليدية، فكلما تم الاستغناء عن توليد الطاقة بالغاز أو النفط توافرت فوائض من المادة الأولية للتصدير، وتوافرت تدفقات من العملة الأجنبية يتم استخدامها في قطاعات استثمارية أخرى، فالعالم سيظل في حاجة إلى النفط لفترة طويلة، ولذلك لا يوجد تناقض بين العمل في الاتجاهين.
وأوضح، في هذا الإطار، أن الاعتماد على التكنولوجيا الخضراء لن يمثل تهديدأ للموارد الاقتصادية التقليدية في المنطقة والمتمثلة في النفط والغاز، فهناك ابتكارات عدة لإعادة تدوير الانبعاثات والغازات الصادرة من حقول النفط والغاز، وأن دول المنطقة، بدأت بالفعل في تقديم حلول للطاقة النظيفة، فالمملكة على سبيل المثال، كانت من أول الدول التي أصدرت السندات الخضراء، واتجهت للنيتروجين الأزرق والأخضر، وعقدت اتفاقيات مع اليونان في هذا الإطار مؤخراً، مشيراً إلى أنه رغم ذلك، فإن الوتيرة الحالية لنمو ذلك القطاع في المنطقة ليست كافية، وتحتاج إلى التسريع، بالإضافة إلى ضرورة جذب الخبرات الفنية والعرفية لتحقيق أهداف التحول نحو الاقتصاد المستدام.محمد القحطاني :من المتوقع انتعاش حركة التجارة الدولية وسنشهد تحولاً نحو السياسات الحمائية وإعادة لتقييم سلاسل التوريد
وبالنسبة إلى الاقتصاد الأخضر، فيرى أن الاعتماد على النفط سيستمر على الأقل لـ50 سنة قادمة، لكنه، حتماً، سيتراجع بناء على النجاحات المحققة في سبيل إيجاد مصادر أخرى للطاقة وتطويرها، لكنها في النهاية، لن تلغي الاعتماد على النفط، بل ستحمل جزءاً من أعبائه كرافد لهذه الاقتصادات، حيث ستكون مصادر بديلة للدخل، بالإضافة إلى كونها حلولاً للحفاظ على البيئة.محمد علي ياسين : المناخ السلبي مقابل تطورات أسواق المال يستدعي هامشاً جيداً من السيولة لاقتناص الفرص
وأوضح أن لدول المنطقة فرصاً ليست قليلة في هذا المجال، إذ كانت سبّاقة في التحول إلى الاقتصاد المستدام، ومن المنتظر أن يكون لها دور قيادي، لكن الأمر مشروط بأن تستمر في إيجاد وتطوير حلول مكافحة الانبعاثات الكربونية وتنويع مصادر الطاقة، بالإضافة إلى ضرورة الاستمرار في الاستثمار بالجامعات المتخصصة ومؤسسات البحث وتمويل المشروعات الصغيرة في هذه القطاعات، وكذا الاستعانة بالكوادر التعليمية من جميع دول العالم، لتعليم الكفاءات المحلية وبناءها، ومن ثم تأسيس قاعدة تطوير في دول الخليج تستفيد منها اقتصاداته وتنطلق منها تلك الكفاءات إلى الخارج لنصبح دولاً مصدرة لها لا مستوردة.
وأضاف أنه من الضروري أن يكون هناك محافظ استثمارية عربية ومحلية للاستثمار في الاقتصادات الجديدة، أفضل من الاستثمار في محافظ لشركات أجنبية، لن تحضر لنا هذه التكنولوجيا، كما يجب على الحكومات أن تكون ذات نظرة بعيدة المدى فيما يتعلق بالحلول، وفي النهاية، لا يوجد ما يمنع من الوصول إلى مكانة تناسب طموحاتنا، خلال الـ5 إلى 10 سنوات القادمة، في أن نكون دول منتجة ومصدرة لهذه التكنولوجيا لا مجرد دول مستوردة ومستهلكة.ارتهان الاقتصادات العربية بشكل عام والخليجية على وجه التحديد للظروف الجيوسياسية يرجع في الأساس إلى ارتهانها لموارد اقتصادية تبقى هي الأخرى رهناً لتلك الظروف
أما د. رشاد عبده فذكر أن معظم الدول العربية، خصوصاً دول الخليج، تتمتع بمناخ جيد، تحديداً فيما يتعلق بالطاقة الشمسية، ما يتيح لها فرصاً للاستثمار والتنمية في مجالات الاقتصاد الأخضر والاستدامة، إلا أن الأمر لايزال مرهوناً بالتزام الدول المتقدمة المسؤولة عن النسبة الأكبر من تلوث المناخ والانبعاثات الكربونية، والتي أعلنت التزامها بالتمويلات اللازمة للدول الأخرى في هذا الإطار، حيث إنها لم تلتزم بتوصيات مؤتمر COP 27 الذي انعقد في منتجع شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، بسبب تبدل التزاماتها التمويلية اتجاه دعم أوكرانيا في حربها مع روسيا.ارتفاع تكلفة شحن البضائع أثر على سلاسل الإمداد العالمية للوصول إلى المنطقة بما يهدد أمنها الغذائي
في كتابه Seize the Moment الذي نُشر في العام 1992، بعد انتهاء الحرب الباردة، وتُرجم إلى العربية تحت عنوان «اغتنم الفرص»، قال الرئيس الأميركي الراحل ريتشارد نيكسون، إنه مع انتهاء الحرب الباردة أصبحت القوة الاقتصادية والجيواقتصادية أكثر أهمية من القوة العسكرية والجيوسياسية «وعلى أميركا ألا تضرب بالسيوف إلى المحاريث –كما يقول الكتاب المقدس- بل إلى رقائق إلكترونية».
أما الشاهد على ذلك الواقع، فهو أن سيناريوهات التحول الاقتصادي، وبالتحديد فيما يتعلق بالاقتصاد الأخضر والاستدامة، آتية من الغرب، الذي يشهد حالياً، ثورة في قطاع التكنولوچيا واستثماراته، والتي تحتاج بالطبع إلى الأسواق التي يتم تأهيلها، الآن، وعبر السيناريو الذي يتم إعداده منذ سنوات لاستيعاب هذه التكنولوچيا، ومن ثم إحلال مواردها محل الموارد التي يسعى هذا الموّرد الجديد إلى الاستغناء عنها في المستقبل القريب.
وأما الحل، ليس بالطبع في الخضوع لهذا السيناريو حتى لا تتحول اقتصادات المنطقة إلى مجرد أسواق لاستهلاك هذه التكنولوچيا، وليس أيضاً في مقارعته أو معارضة أي من الحلول التي تدفع في اتجاه الاستدامة والحفاظ على المناخ والبيئة، إنما في استغلال الفرصة للتحول نحو اقتصادات مستدامة بعيداً عن مخاطر الاعتماد على مورد اقتصادي وحيد كالنفط أو الغاز، خاصةً، إذا وضعنا في الاعتبار حجم المكاسب الاقتصادية المباشرة، إذ خلصت نتائج بحث أجرته اللجنة العالمية للاقتصاد والمناخ، أن الانتقال للاقتصاد المُراعي للبيئة يمكنه تحقيق مكاسب اقتصادية مباشرة تصل إلى 26 تريليون دولار حتى عام 2030 مقارنةً بطريقة العمل المعتادة.
ترتيب الدول الخليجية وفقاً لمؤشر الاقتصاد الرقمي العربي 2022 | ||
---|---|---|
الترتيب | الدولة | قيمة المؤشر |
1 | الامارات العربية المتحدة | 71.37 |
2 | السعودية | 66.07 |
3 | قطر | 65.05 |
4 | البحرين | 64.89 |
5 | عمان | 61.64 |
6 | الكويت | 61.30 |
أما بالنسبة للتحول الرقمي، فصحيح أن الدول الخليجية قد صنفها مؤشر الاقتصاد الرقمي العربي 2022 كدول. إنما ما رصدته التقارير حول المنافع الاقتصادية الهائلة التي تنتظر بلدان المنطقة في حال اعتمادها التقنيات الرقمية، ليست بالهينة وتستدعي الدفع باتجاه التحول الفوري، فقد أشار تقرير صادر عن البنك الدولي إلى أن الرقمنة الكاملة للاقتصاد يمكن أن ترفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 46% على مدى 30 عاماً، أو من حيث القيمة الدولارية لمكاسب طويلة الأجل لا تقل عن 1.6 تريليون دولار.
وتشير التقديرات الواردة في التقرير إلى أنه خلال السنة الأولى، يمكن أن يصل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة إلى 300 مليار دولار. وستكون هذه الزيادة أكثر وضوحاً في البلدان الأقل دخلاً في المنطقة (زيادة بنسبة 71% على الأقل نظراً لأن المكاسب مدفوعة بسد الفجوة في الحصول على التقنيات الرقمية. فالفجوة في إمكانية الحصول على التمويل أكبر في البلدان ذات الدخل غير المرتفع).
وإعمالاً لذلك، فقد أكد خبراء بالقطاعات ذات الصلة حتمية التحول نحو اقتصادات مستدامة لمجابهة التحديات، فهو لم يعد خياراً يمكن تركه أو تأجيله، بل أصبح أمراً محتوماً لمجابهة التحديات المتعاظمة الناجمة عن الأزمات والكوارث المتلاحقة، بالإضافة إلى المكاسب المنتظرة من عملية التحول، شريطة أن تكون تلك الاقتصادات طرفاً فاعلاً من أطراف المؤتمر، ولاعباً رئيساً، لا مجرد سوق لاستهلاك المورد المستدام الآتي من هناك...
الصايغ: أجندة المناخ تهديد سياسي
«النفط وجد ليبقى... وقادرون على التعامل مع عملية التحول»أكد المدير التنفيذي لمركز أبحاث الطاقة والبناء التابع لمعهد الكويت للأبحاث العلمية د. أسامة الصايغ أن تحول المنطقة العربية بشكل عام، والخليجية على وجه الخصوص، إلى الاقتصاد الأخضر، يواجه العديد من التحديات، أهمها، ما يتعلق بالظروف المناخية القاسية بشكل عام، وليس فقط بما يتعلق بالحرارة الشديدة في فصل الصيف والتي تتطلب أنظمة تبريد، فالمنطقة تعاني من شح المياه في حين نعتمد على تحلية مياه البحر لتغطية نحو 95% من احتياجاتنا.
وقال الصايغ، إنه يجب على الدول أن تسعى للاستثمار الأمثل لمواردها الطبيعية مثل النفط والغاز، وهو ما تسير في اتجاهه الدول الخليجية والعربية بشكل عام، وأن تبدأ في التحول التدريجي للاقتصاد الأخضر، إنما من غير الواقعي أن نتوقف عن إنتاج النفط والغاز دفعة واحدة، إذ علينا، في المقام الأول، أن نجد حلولاً ناجعة للظروف المناخية القاسية وفقر المياه، إضافة إلى تعزيز عملية التشجير التي تلعب دوراً كبيراً في تقليل الانبعاثات الكربونية، وكذا ضبط السلوك العام.
ورأى الصايغ أن أجندة المناخ ربما تمثل تهديداً للصناعة النفطية في دول المنتجة، لكنه تهديد سياسي أكثر منه اقتصادي، لكن في النهاية، هذه الدول قادرة على التعامل مع هذا الأمر بشكل جيد، فمن ناحية، فهي قد بدأت بالفعل بالاستثمار في التكنولوجيا الخضراء والطاقة المتجددة وتصدرت في بعض المجالات، ومن ناحية أخرى، لن يستطيع العالم الاستغناء عن مواردها المتمثلة في النفط، فهو لا يعتبر طاقة فقط، إنما يدخل في صناعة العديد من السلع من خلال مواده المشتقة، في النهاية هو وجد ليبقى.
وأشار إلى أن هناك بعض علامات الاستفهام بما يتعلق بالتحول إلى الاقتصاد الأخضر، فعلى سبيل المثال، إذا تحدثنا عن السيارات الكهربائية، فهي كصناعة تقوم على تكنولوجيا المعادن كالكوبلت والليثيوم عوضاً عن التكنولوجيا الهيدروكربونية، وهي معادن نادرة إذا ما قورنت بالنفط والغاز، وتتحكم فيها دول محددة، بالإضافة إلى أن بصمتها وأثرها على البيئة سام وأكثر خطورة من النفط والغاز الذي تتوفر له حلولاً بيئية كعملية اصطياد الكربون وإعادة استخدامه، ومن ثم التخفيف من آثاره الضارة.
وأضاف أن الضرر البيئي لا يقتصر على استخدام هذه المعادن فقط، إنما هناك الانبعاثات الدفيئة وغاز الميثان الذي يسبب احتباساً حرارياً أكثر من الكربون، كلها لها نفس الآثار البيئية، إن لم تكن أكثر.
ابو راس: دول النفط هي من وضعت خارطة طريق الاقتصاد الأخضر
«مورد اقتصادي واعد سيفتح أسواقاً جديدة لا مشروع ضغط عالمي»أكدت الخبيرة الدولية في التخطيط الاستراتيجي والإدارة البيئية المتكاملة والادستثمار الأخضر والاقتصاد الدائري الدكتورة ماجدة بنت محمد ابو راس، أن النفط هو عنصر ومورد طبيعي هام جداً في تطور العالم بل هو أحد أهم الأسباب في استقرار اقتصادات العالم ونموها.
واستدعت ابو راس، تاريخ المطالبات الدولية فيما يخص النفط، موضحة أن الدول التي تطالب الآن بوقف إنتاج النفط، هي نفسها الدول التي تطالب، منذ سبعينيات القرن الماضي، بزيادة الإنتاج حتى يتواكب مع حجم الطلب ويتماشى مع التطور الاقتصادي لبلدانهم، في المقابل فإن دول النفط كانت وما تزال حريصة على ضبط الإنتاج لهذا المورد الطبيعي غير المتجدد، وبما يكفل دعم الاقتصاد العالمي بطريقة مستدامة والمحافظة عليه، كصناعة، وتحويله إلى صناعة خضراء.
واستدركت أن الدول المنتجة للنفط هي من أوائل الدول التي طرحت مشاريع وبرامج للاستثمار الأخضر، وهي من وضعت خارطة طريق تنفيذية، بدأتها، وتعمل على تنفيذها في الوقت الذي ما زالت الدول الكبرى المستهلكة للنفط تتحدث بشعارات رنانة وعناوين براقة عن أن هناك تحديات تواجهها الدول الخليجية المصنعة للنفط، وأنها تمر بظروف استثنائية تفرض تحديات اقتصادية في مسارات عديده منها مسار الاقتصاد الأخضر، دون أدنى نتائج ملموسة على أرض الواقع، وهو الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات: أين هذه الدول من الاقتصاد الأخضر منذ السبعينيات؟ وألا تعلم تلك الدول المتطورة أنها أكبر مستهلكي النفط؟ وأكثرها مساهمة في زيادة الانبعاثات الغازية، نظراً للاستهلاك الجائر لهذا المورد؟ وماذا فعلت تلك الدول من مبادرات لخفض الانبعاثات الغازية الضخمة الناتجة من صناعاتها؟ وهل حولت صناعاتها الى صناعات خضراء؟
أما عن فرص التحول إلى الاقتصاد الأخضر، فذكرت ابو راس، أن أمام منطقة الخليج، اليوم، ثروة طبيعية من مخلفات إنتاج النفط وهي مشاريع الاقتصاد الأخضر، كالتقاط وتخزين وتدوير الكربون الناتج من عمليات إنتاج النفط، وهي التقنية التي لن تتصدر اقتصاد دول العالم فحسب، إنما ستكون مورداً اقتصادياً واعداً وصديق للبيئة وستستفيد منه دول النفط، حيث الفرص الاستثمارية الجديدة لمشاريع الاقتصاد الأخضر.
وأشارت إلى ضرورة الانتقال إلى تعميم سياسة الاقتصاد الأخضر في جميع مشاريع دول المنطقة، لما فيه من توفير للموارد الداخلة، والاستفادة من المخلفات الناتجة، وبالتالي رفع كفاءة الاقتصاد والتحول المباشر من الاقتصاد الخطي إلى الاقتصاد الأخضر والذي يضمن حماية للبيئة وتخفيض للانبعاثات الكربونية واستهلاك الموارد والمخلفات، وظهور خطوط إنتاج جديدة لمشاريع خضراء ووظائف خضراء لم تكن موجودة من قبل.
وأما عن تحديات التحول، فبينت ابو راس، أنها تكمن في إيجاد تقنيات متجددة ومتطورة وأكثر سهوله في التطبيق، وهو ما يتطلب وجود منصة عالمية تتبنى فيها الدول سياسة الاستثمار وتوفير رأس المال وربطها بدعم التقنيات والبحث والعلماء، للحصول على تقنيات جيدة بسعر مناسب وقابله للتنفيذ.
وأشارت إلى أن هذا النموذج موجود، بالفعل، ونتج عن مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي اطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، عندما استبق الفكر العالمي وأطلق مبادرة شرق أوسطية دولية، أحد أهم أهدافها، هو ربط الاستثمار بدعم التقنيات للوصول إلى حلول ومشاريع اقتصاد أخضر قوي وقابل للتطبيق في جميع المجالات بما فيها إنتاج النفط، لافتة إلى أن الاقتصاد الأخضر يعتبر مورداً اقتصادياً ذا مردود مالي جيد لدول النفط سيفتح سوقاً عالمياً جديداً لها، وليس كما يعتقد البعض أنه مشروع ضغط عليها.
وشددت على أن الحكومات التي لديها بنيه تحتية وقوانين وأنظمة معتمدة، سيكون من السهل عليها التحول التدريجي في جميع مشاريعها بمختلف القطاعات، إلى مشاريع تعمل بسياسة الاقتصاد الأخضر، وأن الحكومات التي تعمل على دعم البحث العلمي والعلماء لتطوير التقنيات المختلفه في هذا المجال، وتقدم مبادرات نوعية قابلة للتنفيذ، سيكون لها السبق في مشاريع الاقتصاد الأخضر.
في هذا السياق، أشادت الدكتورة ماجدة ابو راس بجهود المملكة العربية السعودية في هذا المجال، من خلال سعي المملكة لأن تكون دولة رائدة في مجال الحفاظ على البيئة والحد من آثار التغير المناخي، حيث أدخلت المملكة البنية التحتية لمشاريع الاقتصاد الأخضر، بما أطلقته من مبادرات وبرامج وطنية ودولية، واستعرضت بعضاً منها وهي مبادرة السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر وتبني نهج الاقتصاد الدائري للكربون، وتنويع مصادر الطاقة، واستهداف تحويل المدن في المملكة إلى مناطق خضراء خالية من التلوث البيئي لتحسين جودة الحياة.
الفوزان: التكنولوجيا تمكّن من الوصول للأسواق
«الاقتصاد الرقمي في الكويت ناشئ لكنه ينمو ونحتاج إلى استراتيجية شاملة»
قال رئيس قسم تطوير الخدمات الحكومية الرقمية بالجهاز المركزي لكنولوجيا المعلومات في الكويت عبدالكريم الفوزان، إن الاقتصاد الرقمي هو الاقتصاد الذي يعتمد على التكنولوجيا والرقمنة وتبادل البيانات القائمة على وجود بنية قوية للاتصالات بهدف استخدامها في كل ما يتعلق بالعمليات الاقتصادية.وأضاف الفوزان أن أهمية الاقتصاد الرقمي تكمن في تحسين كفاءة الإنتاج وتحسين الخدمات لوجود التكنولوجيا والتقنيات اللازمة، لتعزيز التواصل بين الأفراد والشركات على نطاق واسع وكذلك التبادل التجاري السريع على مستوى العالم، حيث جعلت التكنولوجيا العالم كسوق كبيرة واحدة يساعد فيها الاقتصاد الرقمي على تبادل المعلومات والتجارة وبالتالي تطور الدول اقتصادياً وتنموياً.
ولا شك ان التكنولوجيا عامل ممكّن ومؤثر بشكل حقيقي على الأعمال التجارية حيث، من خلالها، يتم الوصول إلى جميع الأسواق في العالم وتخلق فرص جديدة للابتكار وتخلق فرصاً جديدة للشباب في سوق العمل، كالتجارة الرقمية والتسوق الرقمي، وهما من أسرع القطاعات نموا في العالم، خصوصاً مع دخول الذكاء الاصطناعي في المعادلة.
وأوضح أن الاقتصاد الرقمي في الكويت هو اقتصاد ناشئ، لكنه ينمو. فمن زاوية التكنولوجيا ومدى تبني الدولة لأدوات الاقتصاد الرقمي فإن استخدام الإنترنت وهو إحدى ركائز الاتصال قد بلغ نسبة قريبة من 100%. كذلك فقد تم إطلاق المبادرات الحكومية في مجال التحول الرقمي مثل مبادرة مسار واتفاقية جوجل ورقمنة الكثير من الإجراءات، وكلها تصب في مصلحة رؤية الكويت 2035.
وأشار إلى أنه لا بد أن لا نغفل عن نمو التكنولوجيا المالية Fintech في الكويت، فرغم أن حجم الاستثمارات فيها يبلغ نحو ربع مليون دولار في سنة 2023. لكننا في بداية المشوار ونحتاج إلى قوانين وقرارات لتصب في المجال.
وأما بالنسبة للتحديات التي تواجهها الكويت في الاقتصاد الرقمي، فلخصها الفوزان، في الحاجة إلى تبنّي التحول الرقمي على جميع الصعد ووضع استراتيجية شاملة لذلك، أيضاً حماية البيانات وحوكمتها، وضمان سلامة البنية التحتية الرقمية من الاختراقات أو سوء الاستخدام، مؤكداً أن هناك سعياً من قبل الحكومة لمعالجة هذه التحديات من خلال إنشاء لجنة إعداد الاستراتيجية الوطنية للتحول الرقمي في القطاع الحكومي، حيث أنه في المراحل الأخيرة لتوقيع التعاقد، كذلك برنامج عمل الحكومة وما يتضمنه من إنشاء دليل شامل للخدمات الحكومية ومن ثم رقمنة هذه الخدمات، وغيرها الكثير من المبادرات.
واختتم الفوزان، أن الكويت تتمتع بالمقومات التي تجعلها من الدول القوية في مجال الاقتصاد الرقمي ويجب على الجميع من جهات حكومية والقطاعين الخاص والنفطي أن تسعى بشكل حثيث للعمل على تطوير البنية التحتية الرقمية وحوكمة البيانات وحمايتها مع التركيز على الامن السيبراني وتطبيق الذكاء الاصطناعي لتعزيز التنمية المستدامة ورفع مكانة الكويت في الساحة الاقتصادية العالمية، وتحقيق «رؤية الكويت 2035» والتحول إلى مركز مالي وتجاري جاذب للاستثمار.
الشاذلي: لم يعد لدينا خيارات فيما يتعلق بالتحول الرقمي
«المفاهيم الاقتصادية بدأت تتغير بما يخدم التوجهات الجديدة لمرحلة ما بعد الرأسمالية»قالت أستاذة الاقتصاد والشمول المالي المدير التنفيذس لإفريست للاستشارات والتنمية الاقتصادية د. ندى الشاذلي، إن الاقتصاد الرقمي بدأ يسيطر على العديد من القطاعات الاقتصادية في تسعينيات القرن الماضي، مع بداية الثورة الصناعية الرابعة التي غيرت المفاهيم الاقتصادية بشكل عام، وبما يخدم التوجهات الاقتصادية الجديدة لمرحلة ما بعد الرأسمالية، وهي مرحلة Individualism التي أصبح فيها التأثير الاقتصادي للفرد لا للتكتل.
وأضافت الشاذلي، أن هناك الكثير من المصطلحات بدأت تتردد عالمياً في مرحلة متوسطة كريادة الأعمال، والتي تجاوزت مرحلة الابتكار إلى مرحلة التطوير حتى خلقت اقتصاداً موازياً بدأ في الاندماج.
أما عن المنطقة العربية فشددت الشاذلي، على أنها – المنطقة - لم يعد لديها خيارات في ما يتعلق بالتحول الرقمي، فهي لن تستطيع أن تبقى منعزلة عن التوجه العالمي، بل يجب أن تكون جزءاً من هذا التحول، فالاقتصاد الرقمي أصبح مؤثراً بشكل واضح في معدلات النمو الاقتصادي والناتج القومي في كثير من دول العالم، ويساهم بنحو %22 من حجم الاقتصاد العالمي، بالإضافة إلى أن الكثير من الدول تعتمد في دخلها القومي على الصناعة الرقمية والخدمات السحابية وغيرها من التقنيات، بينما لم تتجاوز مساهمة المنطقة العربية فيه %4 وهي نسبة قليلة جداً بالمقارنة بالتوجه العالمي.
وأشارت إلى أن هناك تفاوتاً كبيراً في أنماط وظروف وقدرات الدول العربية فيما يتعلق بالعديد من النقاط كمؤشر التنافسية وسرعة الإنترنت والبنية التحتية التكنولوجية وأنظمة التعليم والصناعة المالية الرقمية Fin Tec، لذلك فالتحديات تختلف من دولة إلى أخرى، والتي في معظمها تحديات استراتيجية لا فردية.
وفي هذا الإطار ترى الشاذلي أن الكثير من الدول العربية قد بدأت، بالفعل، خطوات فعالة نحو هذا التحول، فالإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، بدأتا العمل على حاضنات أعمال تستوعب العنصر البشري والعقول الشابة، التي تعتبر من أهم العوامل المحركة للاقتصاد الرقمي، أيضاً كانت فترة جائحة كوفيد 19 كاشفة لضرورة التحول الرقمي، ونقطة تحول مهمة دفعت الكثير من دول المنطقة كالمملكة والكويت وغيرها للعمل في اتجاه التنمية التكنولوجية ومعطياتها، وكان أدائهم مقبولاً، بشكل عام، وبدرجة لا يمكن إنكارها، بالإضافة إلى أن بعض الدول حققت تحولاً جيداً في قطاعات الزراعة والطاقة، الذي شهد استثمارات ضخمة في الفترة الأخيرة في مجال الطاقة المتجددة.
وفندت الشاذلي التحديات التي تواجهها المنطقة العربية في عملية التحول الرقمي والمتمثلة في البنية التحتية التكنولوجية وضرورة تأهيلها، والعنصر البشري، وأنظمة التعليم التقليدية التي تعد من أكبر التحديات، والمنفصلة تماماً عن التطورات الحاصلة في الأنظمة العالمية، بالإضافة إلى الحاجز الحضاري والثقافي والاجتماعي الذي يعطل عملية التحول المتكامل إلى الاقتصاد الرقمي.
واختتمت: «حتى تتحول المنطقة من مستهلك إلى منتج للاقتصاد الرقمي عليها أن تدير مواردها بالتوازي مع التطور الحاصل في الاقتصاد الجديد، وفي النهاية ليس هناك خوف على الموارد التقليدية التي تتمتع بها المنطقة، فالعالم لن يتحرر قريباً من هذه الموارد، لكنه، حتماً، سيتغير مع ضرورة الاستدامة والتحول الرقمي».