شهدت الكويت في العقد الماضي استحداث هيئات عدة في المجال الاقتصادي بشكل غير مسبوق تاريخياً من حيث الكمّ أو من حيث المجال.

كان هذا النهج كغيره نهجا غير معلنة مبرراته بشكل رسمي أو واضح أو تفصيلي من قبل الحكومة في حينه، لذا يجادل البعض بأنه لا يعدو عن كونه تفريغا للوزارات الحكومية من أدوارها الأصيلة، لتسديد فواتير سياسية بحتة بعيدة كل البعد عن أي دواع فنية.

Ad

بينما يرى الفريق الآخر أنها سياسة مستحقة في إطار تفعيل بعض القطاعات من خلال جعلها مستقلة عن العمل تحت مظلة الجهات الحكومة التقليدية وما تعانيه من تحديات تتعلق بالبيروقراطية والإجراءات المعقّدة.

وبعيدا عن النوايا والأهداف الحقيقية خلف إنشاء واستحداث هذه الهيئات في الفترة الأخيرة، يهمنا في هذه المقالة مناقشة أهمية ودور هذه المؤسسات منذ تأسيسها في النشاط الاقتصادي، وهل كانت إيجابية ولمصلحة الاقتصاد والبلد، أم العكس.

بادئ ذي بدء، لا شك في أهمية ما تسعى هذه الهيئات إلى تحقيقه من أهداف ودورها المفترض لتحفيز الاقتصاد ونموه، بغضّ النظر عن هيكلها الأصح. إلا أنه من خلال الاطلاع على التقارير والإحصاءات الصادرة عن جهات متخصصة عدة، بالإضافة الى أداء الاقتصاد المحلي ومؤشراته الرئيسية، نلحظ أن معظمها - إن لم يكن جميعها - قدمت أداء مخيبا لا يرقى الى أبسط التطلعات التي أنشئت من أجلها.

فهيئة كـ «تشجيع الاستثمار المباشر» أسست عام 2013، لم تستطع جذب استثمارات أجنبية كما بقية دول الخليج، حيث احتلت الكويت المرتبة الأخيرة لعام 2022 على مستوى دول الخليج، وببون شاسع عن الإمارات التي احتلت المرتبة الأولى.

كذلك جهاز حماية المنافسة هو الآخر لم يثبت أي تحسّن في مستوى التنافسية، بل إن التضخم في ارتفاع مستمر، رغم السياسة النقدية المتشددة لأعلى مستوى غير مسبوق تاريخيا. كذلك فشل الجهاز في أكبر اختبار واجهه فيما يتعلق باندماج «بيتك» و»الأهلي المتحد»، حيث لم يُبد رأيا تفصيليا واضحا عن سبب موافقته، رغم أنها كانت قضية رأي عام شغلت الجميع لوقت من الزمن، خصوصا أن الدولة معنيّة كطرف مباشر من خلال امتلاكها حصة مؤثرة في «بيتك». صندوق المشروعات الصغيرة هو الآخر لم يقدّم أي إضافة حقيقية وملموسة للاقتصاد المحلي، برغم الميزانية الضخمة المرصودة له، حيث لم يخلق فرصا وظيفية حقيقية جديدة، ولم يفعل قطاعات جديدة مهمة، ومعظم ما قام بتمويله من مشاريع كانت خدماتية، ولا يدعم صناعات مهمة خلافا لرؤية الدولة، وعانى تحديات تتعلق بشفافية تمويل بعض المبادرين ورقابتهم، والى الآن يعاني عدم القدرة على خلق مشاريع مستدامة وغير مكررة.

كذلك هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص هي أيضا منذ تأسيسها عام 2014 حتى الآن لم تقدّم إلا مشروعا واحدا (شركة شمال الزور)، وإلى الآن لم يكتمل!

ولا شك في أن هذا الأداء المتواضع لتلك الهيئات يحمل بين طيّاته إجابة صريحة عن ما ذكرنا في مقدمة المقالة فيما إذا كانت سياسة التوسع في إنشاء الهيئات دوافعها سياسية أم فنية.

وعلى الرغم من هذا كله، لا تزال هنالك أصوات تنادي بإنشاء المزيد من هذه النماذج من الهيئات، كهيئة إدارة أملاك الدولة، وهيئة العقار والأراضي، ومؤسسة للمنطقة الاقتصادية الشمالية، وغيرها، بدلا من إعادة النظر في جدوى استمرار الهيئات الحالية.

لذا، فإن رسالتنا لمن يريد إصلاحا حقيقيا، سواء الحكومة أو البرلمان، بأن الإصلاح لا يكون من خلال إنشاء جهات إضافية موازية في الاختصاصات والمهام، بل في إصلاح المؤسسات القائمة ومعالجة الصعوبات التي تواجهها، بعيدا عن أي تدخلات وحسابات سياسية تعيق تطورها

وتحقيق أهدافها، إضافة الى إعادة هيكلتها «Restructuring»، وهذه سياسة إصلاحية متبعة وشائعة لتحسين أداء أي مؤسسة ومن أجل خفض تكاليفها.

أما وجهة النظر التي ترى في التوسع بهذا النهج حلا وتخلّصا من بيروقراطية الجهات التي كانت تضم تلك الهيئات في هيكلها الإداري قبل انفصالها، فهي تبدو غير منطقية، باعتبار «ما الضمان أن الجهات التي سيتم إنشاؤها لن تدار بنفس الطريقة، ولماذا لا يعالج أصل المشكلة بدلا من تركها قائمة»؟

خلاصة المقالة هي أن تخصيص هيئة أو جهاز بأكمله لتحقيق أحد أهداف الدولة التنموية ليس دليلا كافيا على جدية الدولة في تحقيق ذلك الهدف، وكذلك ليس الطريقة المثلى لإثبات الاهتمام بذلك القطاع وأولويته، إذ إنه من الممكن استخدام تلك المستهدفات لتحقيق مكاسب ضيقة على حساب المصلحة العامة، من خلال خلق هياكل إدارية عليا جديدة من أجل تعيينات لقيادات تمثّل فئات سياسية تدعمهم على حساب مصلحة الاقتصاد بشكل عام. لذا لا بد للحكومة من إعادة هيكلتها للوصول الى أداء أفضل وتكاليف أقل، لا أن تكون «إعادة هيكلة شكلية ذات أهداف هي الأخرى سياسية».

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث - المملكة المتحدة

Soud.almutairi@port.ac.uk