تنوع مصادر الدخل
ما بين هذا الرأي وذاك ظهرت علينا على مدار الأسبوعين الماضيين آراء عدة فيما يتعلق بتنوع مصادر الدخل في الدولة وكأن المشكلة وليدة اللحظة ومسألة جديدة للنقاش، وقد كانت الآراء المنشورة على الصعيد المحلي ومن وجهة نظري، تأخذ الصبغة إما المنحازة لطرف وهو عادة ذاك الخاص بالبناء الفوقي الاقتصادي للدولة مع الذهاب مباشرة الى جيب المواطن، أو رأي يغفل الفرص الفنية المتوافرة والحلول العملية.
على حد ذاكرتي (المتواضعة جدا هذه الأيام) أن الحكومات كافة وعلى مر السنين كانت وما زالت، لا سيما الحكومة الجديدة، تواجه التحدي ذاته وتحقيق المعادلة الصعبة في تنوع مصادر الدخل من جانب، والابتعاد عن أي مساس بجيب المواطن وديمومة رفاهيته من الجانب الآخر، ومع ظهور آخر أرقام الموازنة الخاصة للسنة المالية القادمة مشيرة إلى عجز متوقع يقدر بستة مليارات دينار تقريبا، علينا أن نتوقف ونحلل المسألة من منظور اقتصادي واجتماعي وسياسي قبل أن نشرع في تحليل أية أرقام وفرز (الصالح) من (الطالح) من آراء مسبقة. ترتبط أرقام موازنات الدولة لدينا بشكل أساسي بأسعار النفط المتوقعة، وهذا ليس بالأمر الغريب، إذ يشكل بيع النفط الخام ما يزيد على 90% من إيراداتنا، وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها إعلان عن عجز مالي متوقع لدينا بل عادة ما يحدث هذا الأمر، ويتم بعدها الإعلان عن فوائض مالية ترتبط بحدث ما حول العالم يرفع من إيراداتنا النفطية وهكذا دواليك.
ولديمومة المسألة من الجانب الاقتصادي مع النظر في توطين الصناعة والاقتصاد ووجوب النظر الى المسألة من جذورها، يجب إعادة النظر في مسألة مهمة جداً، وهو استغلال الحرف والبدء بتدشين أسواق (حقيقية) للمنتجات المحلية يتم دخول المنتج المحلي من خلالها للأسواق الإقليمية وهكذا، علاوة على استقلال واستغلال وتدريب الكوادر الوطنية، يشمل هذا الأمر عدة جوانب مهمة اجتماعيا ويشمل أيضا الصناعات اليدوية والبدء بالعمل تدريجيا في الأسواق الخضراء للطاقة وإعادة غربلة موضوع الطاقة المتجددة، والنظر في تدشين أسواق الهيدروجين والأمونيا محليا مع ربط جاد بخطط الدول المجاورة، وعلى رأس تلك القائمة الأسواق الخضراء للنفايات، وما يمكن إنتاجه منها من وقود وطاقة كذلك، ومواد معاد تدويرها تساهم في انخفاض أسعار السلع، وتدخل فيها الدولة السوق بأسعار تنافسية وعوائد ومردود مادي لها.
هذا كله من جانب، وعلى صعيد متصل يبدأ العمل على الأسواق الخاصة بالمزارعين ودعمهم ليتمكنوا من الاستغلال بأعمالهم وحرفتهم بل تصدير الفوائض من خلال استيفاء (الرزنامة الزراعية) على حسب الطلب في الأسواق، مع توفير الدعوم الخاصة للمزارع الكويتي، وإذا ما تمت متابعة الأموال الخاصة بالمنح والاستثمارات الخارجية والسلف والأموال خارج البلاد مع مرور الأيام، والتحقق من دستورية وقانونية ضرائب التحويلات الخارجية، فسيصبح لدى الدولة روافد عدة للميزانية يمكنها إثر هذا كله أن تبدأ بتعزيز موقفها المالي ومتانتها الاقتصادية ووضعها الصناعي كذلك.
وقبيل الشروع بالدخول في منحى الضرائب، فإن وجهة نظري كانت وما زالت ولم تتغير منذ سنين طويلة وهي منشورة كذلك في عدد 4 فبراير 2021 لجريدة (الجريدة) بعنوان: «اضربني بالضريبة»، فمفهوم الضرائب وجب أن يكون من بعد تحقيق جناحي المحاسبة والحوكمة في إطار ديموقراطي صحي ليمكن الطائر الاقتصادي من الطيران نحو أعلى القمم دون أي عوائق، مع التأكد من كل رافد ومصروفات كل دينار سرق أو بدد البتة.
هذه بعض الأمور والتحديات التي تستوجب على أي حكومة كويتية أن تضعها نصب العين مع العمل على تعزيز مبدأ الشفافية الى أقصى الدرجات وإلزام القطاع الخاص أن يكون أكثر إنتاجية واستقلالية وأن يتحمل مسؤولياته أمام ماكينة الاقتصاد الوطني والمجتمع والبعد عن (الاقتيات) على الموازنة العامة للدولة... كل هذا وأكثر ولا سبيل لنا الآن إلا الانتظار واحتساب الوقت.