يشعر السياسيون التقليديون كل 5 سنوات بالذعر إزاء صعود المتطرفين والشعبويين قبل الانتخابات الأوروبية المقررة بعد اقل من نصف عام، بعد ذلك، يتبدد هذا الخطر فجأة مع تحالف قوى يسار الوسط ويمين الوسط التقليدية لحؤول دون فوز الأحزاب المتطرفة، لكن يبدو صعود اليمين هذا العام في الدول الأوروبية أكبر وأكثر جرأة، حيث توقعت استطلاعات الرأي أن يفوز اليمين المتطرف بربع المقاعد في البرلمان الأوروبي في يونيو المقبل، حسب ما ذكرت بوليتكو في تقرير حول الانتخابات الأوروبية المرتقبة.
في هذا الصدد، قال أستاذ السياسة المقارنة في الجامعة الأوروبية سايمون هيكس «سنشهد تحولا كبيرا حقيقيا نحو اليمين»، في إشارة إلى انتخابات يونيو، التي يحق لـ400 مليون شخص التصويت فيها لاختيار 720 ممثلا بالبرلمان الأوروبي في بروكسل. وتوقع هيكس أن تحصل «كتلة الهوية والديموقراطية» من اليمين المتطرف، وهي سادس أكبر مجموعة من سبعة بالبرلمان الأوروبي، على 40 مقعدا، أي 98 مشرعا، لتقفز إلى المركز الثالث الذي يحتله الليبراليون حاليًا، لاسيما أنها تضم حزبا «البديل من أجل ألمانيا»، و«التجمع الوطني» الفرنسي.
وإذا حصدت مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليمينية، الخامسة حاليا بـ67 عضوا من حزبي «القانون والعدالة» البولندي والحزب الحاكم في إيطاليا، على 18 مقعدا إضافيا، فستصبح رابع أكبر مجموعة في البرلمان، متفوقة على كل من حزب الخضر والليبراليين.
وأظهر استطلاع أجراه المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية فوز كتلة اليمين المتطرف بـ25 في المئة من مقاعد البرلمان الأوروبي المقبل في ظل تقارب حزبي رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان وجورجيا ميلوني الايطالية بعد الانتخابات، حسب ما نقلت وسائل إعلام إيطالية عن أوربان الخميس الماضي. من جهته، قال المتحدث باسم كتلة المحافظين والإصلاحيين مايكل شتراوس «إذا كان هناك مطالب بعد الانتخابات (حول التحالف)، فسنكون سعداء بالتفاوض والنقاش»، في حين اعتبر وزير مكتب رئيس الوزراء المجري جيرجيلي جولياس هذا الأسبوع أن تشكل مجموعتا (المحافظين والإصلاحيين) و(الهوية والديمقراطية) «أكبر كتلة في البرلمان الأوروبي»، ما سيؤثر حتماً على القرار الأوروبي في السنوات الخمس المقبلة.
في السياق ذاته، قال مسؤول من «حزب الشعب الأوروبي»، رفض الكشف عن هويتيه «حتى لو حافظت على الأغلبية الحالية في البرلمان المقبل، أعتقد أن الديناميكيات قد تغيرت بشكل كبير فيما يتعلق بكل العمل البرلماني الذي يجب إعادة تأهيله، والوظائف العليا أيضا».
وسيؤدي صعود اليمين المتطرف مثلا إلى تهديد إعادة انتخاب الألمانية أورسولا فون دير لاين من يمين الوسط في منصب رئيسة المفوضية الأوروبية، خصوصا أن استطلاعات الرأي الأخيرة أظهرت تصدر الأحزاب المتشددة والمناهضة للهجرة في 12 دولة أوروبية، بينها فرنسا وألمانيا. وتخلى الناخبون عن الأحزاب الرئيسية في جميع أنحاء أوروبا بسبب تواتر أزمات تكاليف المعيشة المتعددة، والانهيار المالي الكبير، وعبور ملايين اللاجئين، والهجمات الإرهابية في العواصم الكبرى، وارتفاع أسعار الطاقة طوال العقود الأخيرة. وذكر مؤلف كتاب «البياض الأوروبي» هانز كوندناني أنه «يمكن لليمين المتطرف أن ينتصر دون أن يفوز (بالانتخابات) إذا ما تبنى يمين الوسط كل خطاباته وسياساته»، خصوصا فيما يتعلق بمسائل الهوية والهجرة والإسلام.
ويخطط اللاعبون الرئيسيون في اليمين المتطرف لتقسيم المجموعات الرئيسية عن طريق سحب يمين الوسط بعيداً عن الاشتراكيين والليبراليين.
وقال السياسي الإيطالي ماركو زاني إن هذا التكتيك نجح بالفعل في الأشهر الأخيرة، مضيفا أن «ما تم بشأن الهجرة وبعض ملفات الصفقة الخضراء نتيجة هذا الضغط الذي مارسناه على يمين الوسط لتغيير الموقف».
الجانب المشرق بالنسبة للتقدميين والمؤيدين لأوروبا هو أن اليمين المتطرف لا يبدو قادراً على توحيد جهوده، كما أن الأمر لا يتعلق فقط بالمقاعد في البرلمان الأوروبي، إذ يتولى المجلس الأوروبي، الذي يتألف من رؤساء الحكومات، توجيه المفوضية الأوروبية التي تقترح القوانين الجديدة.
وحول طاولة المجلس الأوروبي هناك بالفعل رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلوني، ورجل المجر القوي أوربان وحليفه السلوفاكي الشعبوي روبرت فيكو، فيما يتفاوض خيرت فيلدرز لتشكيل ائتلاف في هولندا بعد فوزه الانتخابي هناك العام الماضي.