هل يواصل الجنيه المصري ارتفاعه مقابل الدولار في السوق السوداء؟
توفر الدولار في البنوك كلمة السر في مواصلة تراجعه... والمضاربات أهم التحديات المالية
بعد موجة من الارتفاعات القياسية والتاريخية، يواصل الدولار في السوق الموازي في مصر، تراجعه بشكل سريع. وفيما كان يتحدث متعاملون وتقارير محلية عن تداول الدولار بأكثر من 70 جنيهًا في تعاملات الأسبوع قبل الماضي، نزل سعر صرفه في السوق الموازي إلى مستويات تتراوح بين 50 و52 جنيهًا في التعاملات الأخيرة.
وحول أسباب هذه التراجعات يرى الخبراء أن هناك 6 أسباب قادت الدولار إلى هذه الخسائر في السوق الموازي، وربما ستدفع بمزيد من التراجع خلال الأيام المقبلة، أولها انهيار الطلب من المستوردين بسبب الارتفاعات غير المنطقية في أسعار صرف الدولار، إضافة إلى قيام البنك المركزي المصري برفع أسعار الفائدة، مع توسع السلطات في توقيف المضاربين وكبار تجار العملة.
يضاف إلى ذلك، الحديث عن تدفقات استثمارية خارجية، وخصوصاً من دول الاتحاد الأوروبي، وأيضاً الحديث بشكل إيجابي عن المفاوضات التي تجريها الحكومة المصرية مع صندوق النقد بشأن زيادة برنامج التمويل الخاص بمصر.
ويتوقف استمرار ارتفاع الجنيه المصري مقابل الدولار في السوق السوداء على مدى توافره في البنوك، ودخول حصيلة دولارية جديدة سواء من صندوق النقد أو الشركاء الدوليين، إضافة إلى تعزيز مستويات الإنتاج والتصنيع، وتوفير بدائل محلية للسلع المستوردة.
في حديثه لـ «العربية.نت»، قال الخبير الاقتصادي، د. أشرف غراب، إن سعر صرف الدولار مقابل الجنيه في السوق الموازي شهد تراجعاً خلال الأيام الماضية خصوصاً بعد قرار البنك المركزي برفع سعر الفائدة 200 نقطة أساس، وهذا أدى لهبوط كبير في أسعار الذهب، لأن التجار يقومون بتسعيره وفقاً لدولار السوق السوداء وعوامل أخرى.
ضربات أمنية مكثفة لتجار الدولار
ورجح استمرار تراجع الدولار في السوق السوداء وخاصة بعد الإعلان عن تفاصيل المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي التي من المتوقع ان يتم الإعلان عنها خلال الأيام المقبلة.
وأوضح غراب أن تراجع سعر صرف الدولار بالسوق الموازي تزامن مع الضربات الأمنية المكثفة التي تم توجيهها الأيام الماضية وضبط عدد كبير من تجار السوق السوداء، وهذا أدى لوقف تداول الدولار بالسوق السوداء وانخفاض الطلب عليه، فبدأ سعره بالانخفاض.
وأشار إلى أن ارتفاع سعر صرف الدولار بالسوق السوداء لمستويات قياسية خلال الفترة الماضية دفع لتراجع الطلب عليه، وبالتالي خفض المضاربون سعره. وقال إن اقتراب صرف بقية دفعات قرض صندوق النقد الدولي واحتمالية زيادة التمويل، ساهم في خفض سعر صرف الدولار في السوق الموازي.
استثمارات أجنبية
وقال إن انتشار تصريحات ومعلومات عن استثمارات خليجية ضخمة بمليارات الدولارات ستدخل مصر الأيام القادمة دفع أيضاً لتراجع دولار السوق السوداء، موضحاً أن الفترة القادمة ستشهد انخفاضاً أكبر في سعر صرف دولار السوق الموازي خاصة بعد ضخ كميات كبيرة من الدولار بالسوق عن طريق البنوك، بالتزامن مع توفير العملة الصعبة من قرض صندوق النقد الدولي ودخول استثمارات عربية وخليجية لمصر الفترة القادمة.
وأشار إلى أن تجار السوق السوداء خلال الفترة الماضية كانوا يتعاملون مع الدولار وكأنه سلعة يجمعون الدولار من السوق لإحداث نوع من الإرهاب الاقتصادي وإحداث بلبلة وهز ثقة المواطنين، مستغلين الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية، موضحاً أن سعر صرف الدولار في السوق السوداء وهمي وغير حقيقي، وسيتراجع أكبر الفترة القادمة، خصوصاً إذا حدث تحريك جديد لسعر الصرف.
وذكر غراب أن استمرار هبوط سعر صرف الدولار بالسوق السوداء مقابل الجنيه سينعكس أثره على خفض الأسعار، ولكن إذا استمر التراجع.
انخفاض الدولار وتأثيره على أسعار السلع
وقال «قد يأخذ هذا وقتاً حتى ينعكس أثره على خفض الأسعار وخفض معدل التضخم، وهذا مرهون بتوافر حصيلة دولارية خلال الفترة المقبلة لدى البنك المركزي ليستطيع توفير العملة الأجنبية للمستوردين ولا يلجأون للسوق السوداء للعملة».
من جانبه، قال نائب رئيس بنك بلوم سابقاً، طارق متولي، إن هناك توقعات برفع سعر الفائدة في مصر مع إجراء التعويم المرتقب، بالتالي هناك تريث من قبل المؤسسات المالية التي تشتري أذون وسندات الخزانة الحكومية.
وأضاف متولي في مقابلة مع «العربية Business»، أن سعر الدولار أمام الجنيه المصري في السوق الموازي هو سعر عشوائي، وهذا ليس السعر الحقيقي.
توفير الدولار في البنوك الرسمية
وأوضح أن سعر العملة يتعرض لمضاربات كبيرة جداً، بالتالي مع وقف هذه المضاربات تحدث هذه الانخفاضات الكبيرة، وهذا أمر طبيعي لأن المضاربين يتأثرون من الأخبار الخاصة بتدخل البنك المركزي لتوفير العملة الأجنبية، بالتالي يتجه هؤلاء المضاربون إلى التخلص من الدولار.
وأشار متولي إلى أن المضاربات على الجنيه مستمرة منذ عامين، موضحاً أن التوقعات غير منطقية والاقتصاد المصري لم يشهد ما يستدعي هذه القفزة في سعر صرف العملة من 50 إلى 70 جنيهاً.
وتابع: «كانت هناك حالة من الهلع داخل السوق المصري واتجاه الناس إلى التخلص من الجنيه وشراء الذهب والعقار أو اقتناء الدولار».
وتعد المضاربات على الدولار من التحديات المالية التي تواجه مصر في الفترة الراهنة، وتؤثر سلباً على الاستقرار الاقتصادي، وتدفع لزيادة عمليات «الدولرة».
ويمكن تعريف «الدولرة» بأنها عملية التسعير بالدولار في الأسواق المحلية بدلاً من استخدام الدولة للعملة الوطنية الخاصة بها، بسبب فقدها قيمتها الحقيقية كوسيط لعمليات التبادل، واللجوء إلى استخدام العملة الأجنبية كالدولار كَحل بديل.
ودائماً عانى الاقتصاد المصري منذ منتصف السبعينيات مضاربات طالت معظم الأنشطة، كان أبرزها سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، واحتل الدولار مقدمة العملات التي تتم المضاربة عليها بهدف دفع سعره للارتفاع المتواصل أمام الجنيه.
والمضاربات بطبيعتها في مصر لا تندرج ضمن أنشطة الاقتصاد الرسمي، وبالتالي لا يمكن الوقوف على وجه الدقة على حجم الأموال التي تشملها مجالات المضاربة.
استغلال الأزمات
وعلى مدى العقود الخمسة الماضية استغل المضاربون أي أزمات مر بها الاقتصاد المصري أو تراجع موارد الدولة من النقد الأجنبي لزيادة حدة المضاربة على العملة الأميركية.
وامتدت هذه المضاربات للعقارات، لاسيما بعد اتجاه الدولة لإنشاء مدن جديدة، واتباعها سياسة تخصيص الأراضي، ثم أتت البورصة في منتصف التسعينيات لتمثل مجالا جديدا للمضاربة، وبخاصة مع طرح شركات قطاع الأعمال العام للبيع من خلال سوق الأوراق المالية، ودخول الأجانب للاستثمار في أدوات الدين الحكومية.
وفي السنوات الأخيرة، يتداول المصريون الدولار بعدة أسعار مقابل الجنيه المصري، فما بين السعر الرسمي في البنوك والسوق الموازي أسعار عدة تدخل في تقييم السلع، مما يترك سوق الصرف في حالة من الفوضى والمفاوضات التي تسمح بالمزيد من المضاربات.