هل تعرّض الدستور لمحاولات وأد أو اغتيال؟!... الجواب نعم!
السؤال التالي إذاً: متى ومَن هم الذين حاولوا اغتيال الدستور؟
في السياق السياسي والبرلماني العام نجد أن الكل يتغنى وصلاً بالدستور والحفاظ عليه، إلا أن الممارسات والأعمال تسير خلافاً لذلك.
لم تكن الأطراف التي حاولت اغتيال الدستور دائماً واحدة، ففي بعض الأحيان كانت السلطة هي من يحاول ذلك ويقوم به! وفي أحيانٍ ثانية كانت رئاسة مجلس الأمة! وفي أحيان ثالثة باتفاق بين أقطاب بالسلطتين التنفيذية والتشريعية! وفي «رابعة» كان من مجموعات نيابية متحالفة في مجلس الأمة! وأخيراً، في أحوال خامسة، أغلبية برلمانية واعية أو متدافعة!
وحتى لا يكون بحثنا ورصدنا لذلك أقوالاً مرسلة، سنورد هنا معظم الحالات الرئيسية للأحوال المختلفة التي تمت بها محاولات اغتيال الدستور، وهناك حالات أخرى لم يسمح المقال بطرحها.
أول محاولة التفاف على الدستور حدثت عام 1967، فيما يُعرف بسنة التزوير، حينما حاولت السلطة، وفقاً لبيان بعض الأعضاء، تغيير نتائج الانتخابات!
والمحاولة الثانية كانت عام 1976 فيما سمّي بـ «فترة المراجعة»، وكانت لأربع سنوات علّقت بها أحكام الدستور، ولم تتم أي إصلاحات تُذكر!
و«الثالثة» كانت عام 1982 في اقتراحات تنقيح الدستور المقدّمة من الحكومة وسُحبت لعدم موافقة أغلبية المجلس عليها.
و«الرابعة» كانت عام 1982، من رئيس مجلس الأمة وقتها، حينما صوّت بالموافقة على مبدأ التنقيح بطريقة إجرائية خاطئة.
و«الخامسة» كانت عام 1986 من مجموعة برلمانية تدافعت لتقديم سيل من الاستجوابات خروجاً على ضوابطه الدستورية، وكان ينبغي توجيهها لرئيس الوزراء.
و«السادسة» كانت عام 1986 حينما تم حلّ المجلس بأمر أميري، وتم في معيّته تعطيل أحكام الدستور لسنوات.
و«السابعة» كانت في 1990 حينما أنشئ مجلس وطني خارج رحم الدستور، بديلاً عن مجلس الأمة.
و«الثامنة» كانت في مجلس 1992 من مجموعة برلمانية، حينما قدّم قانون تقاعد النواب وجعله سارياً بالنسبة إلى نفس الأعضاء وليس للمستقبل، كما يقرر الدستور!
و«التاسعة» كانت عام 1993، حينما قرر رئيس المجلس إعادة التصويت على قانون المديونيات الصعبة مرة أخرى خلافاً للدستور، رغم أنه تم التصويت عليه وانتهى أمره.
و«العاشرة» كانت بإقرار مجلس الأمة - بأغلبية متدافعة - القانون 44 لسنة 1994 رغم مخالفته الصريحة للمادتين 82 و180 من الدستور.
و«الحادية عشرة» كانت في مجلس 2008، حينما سمح رئيس المجلس بأن يتم تعطيل جلسات المجلس طوال فترات امتدت لأكثر من شهرين تحت مبرر تشكيل الحكومة!
و«الثانية عشرة» في مجلس 2009 حينما وافق المجلس ورئيسه على أن تتم مناقشة استجواب رئيس الوزراء بجلسة سرية، خلافاً للدستور ومذكرته التفسيرية ومقاصده من الاستجواب!
و«الثالثة عشرة» في 2012، حينما حلّت حكومة لم يُعيّن سوى رئيسها مجلسَ الأمة، وتم الحكم ببطلان مرسوم الحل!
و«الرابعة عشرة» حينما تم بتوافق بين الحكومة والمجلس برئيسه، في مجلس 2022، تأجيل استجوابات (لم تُقدّم... ربما تُقدم)، أي المُزمع تقديمها، خرقاً لقواعد الدستور.
و«الخامسة عشرة» في مجلس 2023 حينما توافقت أغلبية متدافعة لإقرار ما سُمّي «الخارطة التشريعية»، تجاوزاً للمواد 72,98 و123، و140 من الدستور.
ما أحوجنا اليوم إلى ربان الدولة الذي ينتشل البلد من محاولات انتهاك الدستور، وهو ما قام به سمو الأمير، حفظه الله، بنطقه السامي في جلسة أدائه للقسم، حينما أشار إلى تواطؤ السلطتين بمخالفة الدستور والإضرار بمصالح البلد، وهو من بادر في خطابه يوم 22/ 6/ 2022 بتصحيح المسار والتمسك بالثوابت الدستورية.
واليوم نحن أمام استحقاق في مواجهة رجل الدولة رئيس الوزراء الحالي أن يضع الأمور في نصابها، ويرفض أن تتغول السلطة التشريعية على اختصاصات الحكومة ومنع هدر أحكام الدستور بالافتئات على حق الحكومة الأصيل بالمادة 98 منه، وهي المحاولة الأخيرة التي قام بها 30 عضواً بالمجلس الحالي، أمس، برفضهم منح الحكومة مهلة لدراسة ومناقشة مقترحاتهم التي يجب أن تكون متوافقة وبرنامجها، خصوصاً أن معظمها يخالف الدستور، لكونها لا تحتاج إلى قانون إنّما ضمن اختصاص الحكومة وفق المادة 72، وهو بحنكته وحكمته ومصارحته سيكون قادراً على ذلك، وخصوصاً حماية الهوية الوطنية من العبث الذي لحق بالجنسية تزويراً وتغييراً وازدواجاً، وغربلة ملفاتها وفقاً لأحكام الدستور الراسخة.