لا شك أن الحكومة الحالية التي يترأسها سمو الشيخ أحمد نواف الأحمد، تتميز عن غيرها من الحكومات السابقة بأنها أخذت زمام المبادرة بصورة مستقلة لإتمام برنامج توجهاتها، بما يتفق عليه أعضاؤها بشأن رؤيتهم وتطلعاتهم لكيفية إدارة شؤون الدولة من الناحية التنفيذية وما يتصل بإعمال المادة 123 من الدستور من حيث هيمنة مجلس الوزراء على الشؤون التنفيذية بالدولة.
ولعل الأمر اللافت هنا أن هذه الحكومة إنما تتعامل مع أمرين يحتاج كلاهما للموازنة والتوازن، الأول هو توجيهات القيادة السياسية، إذ إن مجلس الوزراء إنما يأتمر بأمر الأمير، والذي يتولى أعماله بواسطة وزرائه، ومن ثم فإن الوزراء عليهم أن يستجيبوا لتوجيهات القيادة السياسية، إضافة إلى تنفيذ رؤاها وتوجهاتها وفقاً لما أعلنته للشعب في مناسبات متعددة.
إلا أن هناك مسافة ينبغي أن تستقل بها الحكومة عن اختصاص وعمل القيادة السياسية بما يحفظ للقيادة السياسية مرجعيتها الدستورية، وينأى بها عن مواضع المساءلة السياسية، ومن هنا فإنه لا بد من أن تتمتع الحكومة باستقلالية في تحمل هذه المسؤولية بإدارة شؤونها ومسؤولياتها التنفيذية والإدارية، وأن تتحمل في نطاق ذلك مسؤولياتها السياسية بكل أبعادها، وهو أمر لا يستوي على عوده إلا إذا كانت الحكومة تتمتع بالاستقلالية الحقيقية في قراراتها ومسؤولياتها وإدارة شؤون الدولة التنفيذية والإدارية دون أن تتهاون بتوجيهات القيادة السياسية التي تعينها وتشرف عليها وتُساءَل أمامها.
وفي مقابل ذلك، فإن الحكومة أيضاً ينبغي أن تكون لها استقلاليتها عن تأثيرات السلطة التشريعية وتدخلها في مجريات عمل السلطة التنفيذية، بما يحقق مضامين المادة 50 من الدستور والتي تنص على الفصل بين السلطات مع تعاونها، والتعاون هنا لا يكون بالتهاون أو التنازل عن اختصاص أو سلطات ينبغي أن تنفرد بها الحكومة، إذا أردنا إعمال مبدأ الفصل بين السلطات، ولا يمكن أن يتم ذلك في حالة اقتحام السلطة التشريعية لميدان عمل السلطة التنفيذية أو التدخل في شؤونها، وإلا كنا أمام أحوال تتعارض مع ما قرره الدستور من استقلالية في إدارة شؤون الحكومة والدولة، بل ونكون أمام انتهاك للمادة 115 من الدستور أيضاً، وهو أمر لا يجوز القبول به.
إلا أن هناك مسلكاً مؤسفاً يمارسه بعض الأعضاء وهو غير مقبول وفيه خروج على الدستور، مثل مواصلتهم التدخل في شؤون الحكومة بمحاولة الابتزاز السياسي أو التكسب الانتخابي أو الاستفادة الشخصية أو العائلية ببعض التعيينات أو بعض الخدمات التي تقدم لهم أو لأقربائهم أو ناخبيهم، وهي ممارسات برلمانية سيئة تتعارض مع الدستور ونزاهة العمل البرلماني واستقامته، بل وتستوجب اتخاذ إجراءات صارمة ومحددة في مواجهة بعض الأعضاء الذين يمارسون الابتزاز السياسي ويهددون الحكومة باستخدام الأدوات الدستورية المتاحة لهم بصورة تعسفية، ومن ثم فإنه لا مفر من تصدي الحكومة لكل تلك التدخلات البرلمانية، بل وتكون شجاعة للتعبير عن قناعتها فيما تراه من خيارات لمسيرة البلاد وإدارتها دون أن تخضع للتدخلات البرلمانية، وأن تكون على مستوى الندية وأن تواجه أية محاولات بصرفها عن توجهاتها السياسية والإصلاحية، وذلك يتطلب حرصاً شديداً منها على ألا تقبل أي تدخل لحملها على التراجع عن مساراتها، ومن ذلك التوجه الأخير في طي ملف العفو والذي عبر عن توجه سياسي مرحب به، بالعفو عن جرائم تشمل المواطنين ضمن فترة زمنية كانت سبباً لدوامة صراع وعدم ثقة، وهي هنا تحاول استعادة الثقة وإطلاق عهد جديد من خلال إصدارها لمرسوم العفو الخاص بطبيعته المتعددة وغير الاعتيادية، ولأجل طي هذه الصفحة التي أرهقت العباد والبلاد.
ونقول للحكومة إن عليها أن تقوم بالموازنة بين توجيهات القيادة السياسية وسندان الضغوط البرلمانية حتى تكون حكومة على قدر المسؤولية وباستقلالية كاملة لتملأ موقعها في إدارة الدولة برؤية وإدارة رشيدة.