وسط جهود مكثفة من قبل الولايات المتحدة وقطر ومصر لتجاوز الخلافات بين إسرائيل و»حماس»، بهدف التوصل إلى صيغة نهائية لهدنة توقف حرب غزة، التي تدخل اليوم شهرها الخامس، ولو مؤقتاً، بهدف فتح نافذة دبلوماسية أوسع لتسوية إقليمية تعيد الهدوء للمنطقة، كشفت تقارير متطابقة أمس أن الحركة الفلسطينية اقترحت في ردها الذي سلمته للوسطاء أمس الأول بشأن «مبادرة باريس» أن يمتد وقف إطلاق النار إلى 3 مراحل مدة كل منها 45 يوما، بما مجموعة 135 يوما تضمن تبادل إطلاق المحتجزين والرهائن.

وذكرت «وول ستريت جورنال» أن مقترح «حماس» يتضمن خطة مفصلة بشأن الكيفية التي تريد بها المجموعة أن يتبلور وقف إطلاق النار الدائم، وخلال المرحلة الأولى، التي تركز على البعد الإنساني، تدعو الخطة إلى إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين غير العسكريين، بينما ستتم إعادة انتشار القوات الإسرائيلية خارج المناطق المأهولة بالسكان في غزة، وتريد الحركة بدء إعادة إعمار المنازل والمدارس والمرافق الأخرى التي دمرت خلال الحرب، وتطالب بزيادة المساعدات الإنسانية خلال هذه المرحلة، بإرسال 500 شاحنة يوميا لنقل الإمدادات إلى القطاع، على أن تبدأ مفاوضات حول وقف دائم لإطلاق النار بالمرحلة نفسها.

Ad

ودعت الحركة إلى إطلاق سراح جميع النساء والأطفال الفلسطينيين دون سن 19 عاما المحتجزين في السجون الإسرائيلية، إلى جانب جميع السجناء الذين تبلغ أعمارهم 50 عاما فما فوق، مقابل إطلاق مجموعة أولى من الرهائن المدنيين الإسرائيليين الذين تحتجزهم.

وفي المرحلة الثانية، طالبت «حماس» بالإفراج عن 1500 سجين، من بينهم 500 يقضون أحكاماً طويلة الأمد وبينهم قيادات فصائلية بارزة، مقابل إطلاق سراح جنود إسرائيليين محتجزين لديها منذ هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته وأطلق شرارة الحرب الحالية في 7 أكتوبر الماضي.

وتضمن رد «حماس» بنداً يشترط أن تكون روسيا، وقطر، ومصر، والولايات المتحدة، وتركيا، دولاً ضامنة لتنفيذ الاتفاق.

وفي آخر ملحق الرد التفصيلي طلبت الحركة أن تتولى القاهرة والدوحة قيادة الجهود بشأن عدد من القضايا.

وقال مصدر قريب من المفاوضات لـ»رويترز» إن مقترح «حماس» لا يتطلب ضمانة لوقف دائم لإطلاق النار في البداية، لكنه يفرض الاتفاق على نهاية الحرب خلال الهدنة قبل إطلاق سراح آخر المحتجزين بعد تنازلها عن مبدأ «الكل مقابل الكل»، وقبولها بإطلاق عدد محدد من المعتقلين.

وجاء مقترح الحركة الذي صاغته بعد أسبوع من التشاور مع فصائل بينها «الجهاد»، و»الجبهة الشعبية» ووصفته بأنه «تم بروح إيجابية»، رداً على المبادرة التي طرحت عقب اجتماع رباعي لمسؤولين من مصر وقطر والولايات المتحدة وإسرائيل، في إطار أهم مسعى دبلوماسي يهدف للتوصل إلى هدنة طويلة لوقف الحرب التي تسببت في مقتل ما لا يقل عن 27585 فلسطينيا أغلبهم من الأطفال والنساء.

دراسة واستحالة

على الجهة المقابلة، وصل وزير الخارجية الأميركي، انتوني بلينكن، إلى تل أبيب لعقد مناقشات صعبة مع مسؤولي الدولة العبرية بشأن مقترح «حماس»، بعد اجتماعه مع قادة مصر وقطر والسعودية لبحث بلورة عدة أفكار وتحويلها إلى «خطة تشمل تسوية إقليمية واسعة» تبدأ بهدنة غزة، وتنتهي بمسار لإقامة دولة فلسطينية، وتطبيع بين السعودية وإسرائيل.

وعقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اجتماعاً عاصفاً مع كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية والسياسية، لمناقشة رد إسرائيل على رد الحركة الفلسطينية، بعد أن سربت هيئة البث الرسمية «كان» أن رئيس الوزراء وافق على وقف إطلاق النار بين مراحل الصفقة خلال محادثة مع رئيس «الموساد» دافيد برنياع، الذي كلف بدراسة مقترحات «حماس»، دون التشاور مع أعضاء «كابينيت الحرب».

وتحدثت عدة مصادر إسرائيلية رفيعة المستوى، عن أن جزءاً من المطالب التي طرحتها الحركة في ردها «مقبول والآخر غير قابل للنقاش ومستحيل».

ونقلت شبكة «سي إن إن» عن أحد المصدر القول: «لا يمكن أن توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار وسحب القوات من غزة». وأضاف انه من بين بنود أخرى، تطالب «حماس» بالإفراج عن سجناء تم أسرهم في 7 أكتوبر الماضي، «وهذا أمر لن توافق عليه إسرائيل أبداً». كما نقلت «نيويورك تايمز» عن مسؤول إسرائيلي مطلع أن «حماس تريد التوصل إلى اتفاق فقط إذا ضمنت استمرار سيطرتها على غزة وإنهاء الحرب، وكل مهما ترفضه إسرائيل».

غموض ورفض

وفي وقت لايزال من غير الواضح كيف سيصيغ نتنياهو المحاط بالضغوط الداخلية والخارجية رده، قال الرئيس الأميركي بايدن رداً على سؤال بشأن تطور المحادثات: «لقد كان هناك رد فعل من حماس، ولكن يبدو أنه مبالغ فيه قليلا. المفاوضات مستمرة».

ووسط تصاعد للخلافات العلنية بين إدارة بايدن وحكومة الحرب أفادت مصادر عبرية بأن نتنياهو رفض، عقب اجتماع مغلق وآخر موسع بحضور أعضاء الحكومة مع بلينكن، طلب الأخير عقد اجتماع خاص بينه وبين رئيس الأركان الإسرائيلي هيرتسي هاليفي للحصول على تقييم أمني حول مقترح «حماس».

وأمس نقل موقع «والا» العبري عن مصادر مطلعه أن إدارة بايدن تأمل أن تعلن خلال الأسابيع المقبلة مع حلفائها، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، تفاهمات جديدة من شأنها وقف القتال بين إسرائيل و»حزب الله» اللبناني واستعادة الهدوء، ضمن جهودها الرامية لاحتواء حرب غزة وعدم توسعها إقليميا.

توضيح سعودي

إلى ذلك، أكدت وزارة الخارجية السعودية في بيان، أنه «فيما يتعلق بالمناقشات الجارية بين المملكة والولايات المتحدة الأميركية بخصوص مسار السلام العربي - الإسرائيلي، وفي ضوء ما ورد على لسان المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بهذا الشأن، فإن وزارة الخارجية تؤكد أن موقف المملكة كان ولايزال ثابتاً تجاه القضية الفلسطينية».

وأكد البيان أن «المملكة أبلغت موقفها الثابت للإدارة الأميركية أنه لن يكون هناك علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ما لم يتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على غزة، وانسحاب كل أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي من القطاع».

من جهته، رحب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير حسين الشيخ بـ «موقف الرياض الثابت مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة».

وكان كيربي، قال أمس الأول، إن إدارة الرئيس جو بايدن «تلقت رداً إيجابياً» يفيد باستعداد السعودية وإسرائيل لمواصلة مناقشات تطبيع العلاقات بينهما.

ميدانياً، واصلت الطائرات والمدفعية والزوارق الإسرائيلية، شن قصف عنيف، وفرض أحزمة نارية على مدينتي رفح وخان يونس لليوم الثاني على التوالي، وسط مخاوف من اجتياح رفح الملاصقة للحدود المصرية والتي تكتظ بنصف سكان القطاع.

إلى ذلك، أكد الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أمس أن «جميع الأرواح متساوية، ولا تقدر بثمن في نظر فرنسا»، خلال مراسم تأبين الفرنسيين الذين قضوا في الهجوم الذي نفذته «حماس» بإسرائيل في 7 أكتوبر، كما يعتزم الإليزيه إقامة «وقفة تذكارية» للفرنسيين ضحايا عمليات القصف الإسرائيلية في غزة.