«حلم» رئيس الوزراء أمام جدية التحديات وارتفاع التوقعات
مواجهة الشعبوية النيابية والفساد ورفع كفاءة الأجهزة الفنية الحكومية شرطان لإنجاح أي مشروع
• «المالية» قدمت ميزانية تقليدية... و«التخطيط» أعد برنامج عمل قاصراً ومكرراً
• قيمة تأجيل مناقشة «غلاء المعيشة» في وجود فريق فني محترف يصارح المجتمع بمخاطر المستقبل
بالمجمل، يمكن وصف حديث رئيس الوزراء، سمو الشيخ د. محمد الصباح، هذا الأسبوع خلال لقائه مع رؤساء تحرير الصحف المحلية بأنه كان صحيحا وإيجابيا، بل ومطلوبا، خصوصا في الشق الاقتصادي من جهة تطلعاته لما وصفه بـ «حلم» كويت المستقبل وانفتاحها التجاري والاستثماري ونظرته لهيكلة المصروفات، خصوصا من حيث عدم إمكانية استمرار ما يُعرف بالرفاه بشكله الحالي، أو مواصلة تحمّل الدولة لفاتورة اختلال سوق العمل، أو حتى إشارته لضرورة إعادة تقييم الدعومات لتوجّه الى الطبقة المتوسطة والأكثر احتياجا، وغير ذلك من المشاريع والأفكار والتصورات التي لو - فقط - بدأت الكويت على طريق تنفيذها لأعادت جانبا مهمّا من صورتها المعروفة كـ «لؤلؤة الخليج».
ومن دون إصدار أحكام مسبقة، فإن طريق تحقيق حلم رئيس الوزراء بطبيعة الحال ليس سهلا، خصوصا إن اختصرنا المتطلبات بأمرين، الأول مدى القدرة على مواجهة الشعبوية النيابية ومبرراتها، من خلال إصدار بيانات وأرقام وعرض التصورات العامة التي تبيّن مخاطر الاستمرار في السياسات المالية والاقتصادية الحالية، بالتوازي مع محاربة الفساد والحد من الهدر المالي، بما يرفع من مستوى دعم الرأي العام لتوجهات الرئيس الاقتصادية، والثاني رفع كفاءة الأجهزة الاقتصادية الفنية الحكومية بما يوازي حجم التطلعات العالية في المشروع.
فرصة للتوعية
ومن المفيد القول إن طلب الحكومة - على حداثة تشكيلها - تأجيل مناقشة قوانين ما يُعرف بتحسين المعيشة في مجلس الأمة هي فرصة ليس لشراء الوقت، بل لبيان كفاءة الجهاز الاقتصادي الفنّي الحكومي، الممثل في وزارتَي المالية والتجارة والبنك المركزي ومؤسسة التأمينات الاجتماعية والإدارة المركزية للإحصاء والأمانة العامة للتخطيط في أداء أدوار توعية للمجتمع تتمثل في عرض مخاطر الإنفاق بلا عائد تنموي، وتوضيح الفرق بين الرفاهية والريعية، وأيضا بيان الصعوبات التي تواجه أسواق النفط من محدودية تجاوب الأسعار مع تطورات الحروب والأحداث الجيوسياسية وسياسات خفض الإنتاج، وصولا الى تحولات عالم الطاقة، بما يفرضه من قيود بيئية ومنافسة متزايدة للطاقة النظيفة والمتجددة، فضلا عن ضرورة مصارحة المجتمع بحقيقة أوضاع الاقتصاد والمالية العامة والمصروفات العامة التي تضاعفت لـ 8 مثيلاتها منذ مطلع الألفية، بالتوازي مع تدهور الخدمات والبنى التحتية وتزايد التضخم، بل وعدم فاعلية أي منح مالية فاقت قيمتها 3 مليارات دينار، كلها كانت تحت شعار تحسين المعيشة، كبيع الإجازات الدورية، ووقف استقطاع القروض مرتين، ومنحة المتقاعدين والصفوف الأمامية، ومع ذلك لم يتحسّن المستوى المعيشي، لا سيما الطبقة المتوسطة، بل بالعكس، زادت تضرراً من خلال ارتفاع التضخم خلال نفس الفترة بما يعادل 13 بالمئة.
الميزانية الجديدة لا تفترض فرص عمل بالقطاع الخاص ولا تستقطع إيرادات لمصلحة «احتياطي الأجيال»
وهذا العرض إذا قدّم بشكل مهني وفني، فسوف تكسب الحكومة الجانب الأهم من الرأي العام، خصوصا عندما تركّز على أولوية استدامة الحياة الكريمة للشباب والأجيال القادمة، كما أنها ستعطي أرقاما وبيانات غالبا ما تكون غائبة عن الرأي العام أو مغلوطة.
ميزانية مكررة
كذلك من المهم تقييم أعمال الجهاز التنفيذي، فالميزانية التي أعدتها وزارة المالية للسنة المالية 2024 -2025 لا تكاد تختلف عن أي ميزانية سنوية سابقة بكل ما فيها من اختلالات مالية واقتصادية، إذ جاءت تقليدية دون لمسات إصلاحية، وغلب عليها كالعادة المصروفات الجارية ببلوغ المرتبات والدعوم 79.4 بالمئة من المصروفات والإنفاق الرأسمالي 9.3 بالمئة بإيرادات نفطية متوقعة بـ 87 بالمئة من إجمالي الإيرادات مع سعر تعادل عند 90.7 دولارا مع سعر أساس يبلغ 70 دولارا للبرميل، بفرضية عجز 5.892 مليارات دينار، بعد توقّع إيرادات 18.662 مليارا ومصروفات 24.555 مليارا.
استثناء واستقطاع
ومع أن الميزانية المقترحة تقل 6.6 بالمئة عن الحالية، التي جاءت مرتفعة استثنائيا عند 26.2 مليارا، نتيجة مصروفات غير ضرورية ولا مستدامة، كبيع رصيد الإجازات أو تسوية التزامات محاسبية، مثل استحقاقات الطاقة بين وزارتَي الكهرباء والنفط، إلا أنها تعدّ أكبر إنفاق لميزانية عادية في تاريخ الكويت، محمّلة بصور لكل اختلالات الاقتصاد والمالية العامة من جهة محدودية توقّعاتها لبلوغ الإيرادات غير النفطية 13 بالمئة فقط، أو لعدد فرص العمل المقررة في الميزانية البالغة 23732 فرصة عمل، دون افتراض لأي عدد يوجّه نحو فرص القطاع الخاص، ودون اتخاذ أي إجراء دفاعي يتحوّط للمستقبل، أي اقتطاع نسبة الـ 10 بالمئة المقررة من إيرادات النفط لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال، وهو إجراء متوقف منذ 4 سنوات، ولم يُستقطع سوى 1 بالمئة فقط منه خلال السنة المالية الحالية.
برنامج عمل الحكومة خلا من آليات أو متطلبات كضبط المالية العامة ووضع سقف للمصروفات أو خفض سعر التعادل بالميزانية
برنامج قاصر
وإذا كان هناك مَن يرى أن عملية إعداد ميزانية الدولة مسألة سبقت تشكيل الحكومة، وبالتالي فإن ثمّة مَن يلتمس العذر في مسألة محدودية الوقت لإعداد تصورات ميزانية جديدة أو محدّثة، وهو بالأصل عذر مردود عليه، بكون مجلس الوزراء راسما للسياسة العامة التي يستوجب أن تعبّر عنها ميزانية الدولة، فإنّ برنامج العمل الحكومي الذي أعدته الأمانة العامة للتخطيط والتنمية بعيد ليس عن احتياجات الاقتصاد، بل أيضا حتى عن تطلّعات رئيس الوزراء الذي شدد في كلمته التقديمية للبرنامج على أن «كلفة تأخير الإصلاح ستكون مؤلمة»، ومع ذلك خلا البرنامج من آليات تنفيذية أو متطلبات تشريعية تتعلق بقضايا أساسية للاقتصاد الكويتي كضبط المالية العامة، ووضع سقف للمصروفات، أو خفض سعر التعادل في الميزانية - رغم أن البرنامج استفاض في عرض اختلالاتها - أو إصلاح سوق العمل أو تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو معالجة أوضاع التركيبة السكانية.
تكرار ومواعيد
وقد أعاد البرنامج الحكومي طرح بعض القوانين بمسميات جديدة، كمشروع قانون «الدّين العام» تحت مسمى قانون أدوات السيولة أو مساعٍ سابقة لخصخصة خدمات الكهرباء والماء تحت مسمى قانون مؤسسة الكهرباء والماء، الى جانب قانون التحول الاستراتيجي للطاقة الكهربائية والمياه، وهذه قد تكون تجربة خصخصة عالية التكلفة، في ظل عدم وجود خبرة للقطاع العام في التعامل مع تنظيم تجارب خصخصة أصغر في قطاعات البريد أو السياحة أو الرياضة، فضلا عن إعادة طرح العديد من القوانين المتكررة في كل برنامج عمل تقريبا، كقوانين المنطقة الشمالية والمناقصات والصناعة والبديل الاستراتيجي والتجارة الإلكترونية، وغيرها.
يُشار الى أن البرنامج أدرج مجموعة من المشاريع والمبادرات ضمن المتوقع إنجازه خلال 100 يوم كتسلّم المستشفيات أو إعداد دراسات الجدوى، دون أن يضع مواعيد زمنية لمشاريع استراتيجية أكثر إلحاحا، كالتي تحدّث عنها رئيس الوزراء ضمن طموحاته.
الفريق الفني إذا خاطب المجتمع ببيانات وأرقام وعبّر عن مخاطر المستقبل فسيكسب الجانب الأهم من الرأي العام
وبقدر ما يمكن قوله عن برنامج عمل الحكومة في كونه قاصرا عن احتياجات الاقتصاد، ومعاكسا لرؤية رئيسه، ومكررا من برامج سابقة، فإن ثمّة مشكلة في برامج عمل الحكومات السابقة أنها في معظمها لا تنفّذ لأسباب متعددة، أهمها على الإطلاق عدم استقرار الإدارة العامة من جهة استقالات الحكومات، حيث شُكّلت بين عامي 2006 و2024 نحو 24 حكومة، واكبها انتخاب 10 مجالس نيابية، مما يشير الى أزمة في الإدارة العامة تقوّض أي محاولة للإصلاح الاقتصادي، وتجعل المالية العامة ضحية تفاقمها.
توقعات إيجابية
إن التوقعات الإيجابية لرئاسة د. الصباح للحكومة ليست مرتبطة فقط بمؤتمره الصحافي ولا لشهادته في الاقتصاد، بل أيضا لسابق عهده خلال فترة ابتعاده عن المشهد السياسي لسنوات، ومنها ملاحظاته على الإدارة الاقتصادية والمالية للدولة، فضلا عن مواقفه من قضايا فساد كبيرة، فالتوقعات عالية والتفاؤل مرتفع، ويجب أن يدعما بسياسات حصيفة وإجراءات تنفيذية وحتى توجهات جدّية.