في ظلال الدستور: إسرائيل وليد غير شرعي للاستعمار العالمي في سيطرته على اقتصاد العالم (3-3)
السادس من فبراير
في السادس من فبراير كانت الذكرى السنوية لاستشهاد خمسين ألفاً من الأتراك في زلزال تركيا، ولكل أجل كتاب، وهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون، ولكن هناك درجة أعلى في الاستشهاد وهي درجة من الشهادة لا اختيار للإنسان فيها، ومنهم أبطال المقاومة الفلسطينية «حماس» وكتائب القسام عندما استشهد منهم المئات في السجون والمعتقلات، وفي الحرب العالمية المعلنة على قطاع غزة من مدنيين قرروا الصمود رغم قوى الاستعمار العالمي الشرسة التي أعلنت عليهم حرب الإبادة والتجويع، ولكنهك أصروا على مؤازرة ونصر إخوانهم البواسل في الخنادق ولم يستسلموا لعدو غادر، فقد جهر الجميع من هؤلاء وأولئك بالحق في مواجهة الباطل.
في الوقت الذي لم يسلموا حتى من إعلام عربي، يلقي باللائمة والتبعة على طوفان السابع من أكتوبر، وكأنه يعطي المبرر والذريعة للآلة العسكرية العالمية في الفتك بالشعب الفلسطيني وإبادته عن آخره، لأقول لمن يزايدون على «حماس» والمقاومة الفلسطينية، ألا تستأهل إحياء قضية فلسطين، بعد أن لفظت أنفاسها، قبل السابع من أكتوبر الماضي، لينفخ زلزال الكرامة (الأقصى) الروح فيها، وليوقظ ضمير شعوب العالم كافة، على الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني؟ ألم يقل رب السموات والأرض «لكل أجل كتاب» سواء في زلزال أو في صحوة للكرامة، كما حدث في طوفان الأقصى؟
شرعية قيام إسرائيل في نشأتها ووجودها افتقدت ركنين أساسيين هما الإقليم والشعب
فالشهادة في «طوفان الأقصى» وتوابعه شرف واختيار للشعب الفلسطيني، الذي أصبح يؤثر الحياة الآخرة على حياة الذلة والاستكانة والهوان التي كان يحياها رجاله وأطفاله وشيوخه ونساؤه في ترحالهم وفي تجوالهم، بل وهم نائمون على أسرتهم، وآلات الدمار تهدم بيوتهم فوق رؤوسهم، فتحية إكبار وإجلال لأولئك الأبطال ولأرواح الشهداء منهم في مثواهم الأخير حيث الطمأنينة والعز والسؤدد والحق وحده، دون باطل الأعداء، من الاستعمار العالمي وصنيعته إسرائيل، أو المرائين والمنافقين والمرجفين دعاة الباطل وأنصاره.
وأستأنف في هذا المقال الحديث عن الركن الثالث من أركان الدولة، تحليلا وتفصيلا، سواء بالنسبة إلى عدم وجود دستور في إسرائيل حتى الآن، أو بالنسبة إلى الانقسامات داخل فلسطين، وعلاقة الدين بالدولة، ولكن تبقى إسرائيل قائمة كدولة فعلية، وقد افتقدت شرعية قيامها لافتقاد الركنين الأساسيين في نشأتها ووجودها وهما الإقليم والشعب اللذين تناولناهما في المقالين السابقين، ونتناول في هذا المقال الركن الثالث فيما يلي:
تعريف الحكومة
الحكومة في تعريفها باعتبارها ركنا من أركان الدولة، لا تقتصر على المدلول الضيق لها، في دساتير العالم، وهي السلطة التنفيذية بمكوناتها من رئيس ووزارة ووحدات الجهاز الإداري للدولة، بل تشمل كذلك السلطتين التشريعية والقضائية، بمكوناتهما برلمان يتكون من مجلس واحد أو مجلسين، ومنظمات المجتمع المدني، ومكونات تأتيها من محاكم تطبق قوانين الدولة، فهذه المنظومة من السلطات الثلاث التي خرجت من رحم الأمة، هي التي تمارس الأخيرة سيادتها من خلالها، وبسطها على إقليم الدول وشعبها من المقيمين على الإقليم أو الذين يغردون من خارجه، وفي علاقاتها السياسية أو التجارية أو الاقتصادية، بدول العالم كافة أو بالنظام العالمي، من منظمات دولية وإقليمية، ولذلك كان حرص إسرائيل على عدم الالتزام باتفاقية كامب ديفيد عند إبرامها إلا بعد موافقة الكنيست، وألزمت مصر بالحصول على هذه الموافقة من البرلمان المصري، ولم يكن ذلك مستعصيا على الرئيس الراحل أنور السادات، وهو القائد المنتصر في حرب أكتوبر، في الأيام العشرة الأولى، ولكن مع الجسر الجوي الأميركي لدعم إسرائيل الذي أطلقه نيكسون، رئيس الولايات المتحدة الأميركية الأسبق الذي أصر وقتئذ على الإبقاء على العلم الأميركي على طائرات هذا الجسر، رافضا نصح كيسنجر بهذا الأمر.
إسرائيل بلا دستور
وقد استعدت من الذاكرة مقالا نشر لي على صفحات «الجريدة» في عددها الصادر في 17/9/2007 تحت عنوان «وصيتي للكويت... إلا الدستور»، وبعد سنوات من كتابة هذا المقال أصبحت عبارة «إلا الدستور» شعارا ترفعه التجمعات الشعبية في ساحة الإرادة، وكنت أعبر فيه عن ضمير الشعب الكويتي في تمسكه بالدستور، نصاً وروحاً، وقد بقيت إسرائيل بلا دستور منذ إنشائها حتى الآن رغم نصح هرتزل الأب الروحي لدولة إسرائيل بتعيين جمعية اليهود لوضع أفضل دستور عصري للحفاظ على التوازن الصحيح للقوة داخل إسرائيل، وهو ما قرره أيضاً دافيد بن غوريون من خطوط رئيسة لمشروع دستور في عام 1931، وتكليف الحكومة المؤقتة عام 1984، المستشار السياسي (ليوكوهين) برئاسة لجنة من فقهاء القانون لإعداد مشروع دستور، على أمل أن يعرض المشروع على الجمعية التأسيسية لدى انعقادها إلا أن أول انتخابات عامة جرت في إسرائيل عام 1949 قام البرلمان بتغيير اسمه من جمعية تأسيسية إلى (الكنيست الأولى) التي قامت بتشكيل لجنة للدستور والتشريع والعدل أخفقت في وضع دستور لتباين الآراء بين الأحزاب الدينية والتي لم تكن تمثل إلا 12% من الكنيست والأحزاب العلمانية.
وكان بن غوريون قد تغير موقفه الذي كان معروفا في عام 1931، تفضيله الدستور المكتوب عن رأيه السابق إلى تأجيل الموافقة على الدستور حتى يتم توطين أكثرية اليهود في إسرائيل، فالتقي وحزب الماباي مع موقف الأحزاب الدينية، حيث كان هذا الحزب لا يملك أغلبية مطلقة في الكنيست.
وقد تمخضت حصيلة النقاش حول هذا الموضوع عن ثلاثة اقتراحات، فاز فيها اقتراح تقدم به النائب أزهار الهراري، وأيده حزب الماباي، الذي حصل على 50 صوتا مقابل 28 صوتا، ويقضي برفض الدستور المكتوب لصالح دستور مرحلي وتطوري يوافق فيه البرلمان على إقرار القوانين الأساسية تدريجيا لتؤلف في مجموعها دستورا، وهي قوانين لا تتمتع إلا بموافقة أغلبية بسيطة شأنها شأن القوانين العادية، بحيث يمكن تعديلها داخل الكنيست بمرونة كافية، ويعتبر هذا التأجيل لوضع دستور مكتوب جامع شامل هو الأطول في تاريخ الدساتير، ففي الولايات المتحدة الأميركية استمر إعداد الدستور 4 سنوات حتى تم إقراره في عام 1871 وفي سويسرا استغرق إعداده من 1830 إلى 1840، واستغرق تنقيحه عشر سنوات أخرى من 1864 إلى 1874، وفي الاتحاد السوفياتي استغرق إعداد أول دستور بعد الثورة البلشفية 7 سنوات فلم يصدر إلا في عام 1924.
وللحديث بقية حول علاقة الدين اليهودي بالنظام السياسي.