جدلية تعديل التركيبة السكانية
في أواخر خمسينيات القرن الماضي وبسبب إنتاج النفط شهدت الكويت حركة اقتصادية وعمرانية كبيرة على مستوى المنطقة مما زاد الطلب على العمالة الماهرة بعد انصراف معظم الكويتيين عن المهن اليدوية التي اشتهروا بها إلى الوظائف الإدارية والتجارية.
البدلية كانت مع إحصاء سنة 1957، حيث بلغ تعداد الكويتيين 114 ألفاً مع سكان البادية، في حين بلغت أعداد الوافدين من العرب والأجانب 92 ألفاً تقريباً، ومن عام 1965 أصبحت النسبة تميل إلى مصلحة الوافدين بما لا يقل عن 60%، وظلت تلك النسبة دون أن يطرأ عليها أي تغيير حتى بلغت نسبة الكويتيين في عام 2023 لجملة السكان 32%.
الاحتياج للعمالة الوافدة لم يطرأ عليه أي تغير بسبب التطور المستمر وللحاجة الفعلية للعمالة الماهرة في مجالات الإعمار والبناء والمختصين في الطب والتعليم وبعض الوظائف الفنية، ناهيك عن الزيادة الكبيرة للعمالة المنزلية بعد تغير البيئة الاجتماعية للأسرة الكويتية.
الحقيقة التي علينا إدراكها أن إصلاح التركيبة السكانية لم يكن مرتبطاً بنسبة الوافدين للمواطنين، ولكن بتنظيم العمالة الأجنبية وتوجيهها بما يخدم مسارات التنمية والإعمار أسوة بالكثير من الدول التي تتخذ المسار ذاته وتنظر إلى العمالة الأجنبية إضافة للاقتصاد الوطني والتنمية.
هنا بودي أن أتجاوز عن موضوع تجار الإقامات ومن يتواطأ معهم حيث أشبع هذا الملف من التحليل والبحث، فالقانون متى ما طبق بشكل فاعل فسينتهي معه هذا الملف إلى غير رجعة.
تفاوتت الآراء حول هذه القضية بشكل كبير، فهناك من يريد فتح البلد على مصراعيه بهدف تحريك الاقتصاد، وهناك من يرى أن وجود هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين قد يسبب التضييق على المواطنين ومشاركتهم في الخدمات المجانية التي تقدمها الدولة، وحالة الازدحام المروري، وحالة الفلتان الأمني والرشوة وغيرها من الظواهر السلبية.
يعزو بعض الناشطين تفاقم مشكلة التركيبة السكانية إلى تكدس العمالة الوافدة من جنسيات محددة، وفي عمالة هامشية غير شرعية، وأن وجود هذه الأعداد الكبيرة يضر بالاقتصاد الوطني بسبب السياسة المالية المفتوحة.
وقبل الحكم على هذه الظاهرة لا بد من الإشارة إلى الحقائق التي لا يمكن تجاوها حول ما يثار عن مشكلة التركيبة السكانية ومنها:
أولاً: هناك زيادة لأعداد العمالة الهامشية يعود للعقود المبرمة مع بعض الجهات الحكومية وشركات المناولة، والاستغلال السيئ من بعض المنفذين، وهذه المشكلة سهلة الحل متى ما تم رصد الشركات المخالفة ومحاسبة المتسبب.
ثانياً: استثناء العمالة المنزلية من حسبة تحويل الرواتب كونهم يتلقون أجوراً متواضعة ومن يقوم بالصرف عليهم عادة الكفيل، وهؤلاء بصورة أو بأخرى يدخلون ضمن دورة الاقتصاد الوطني، أما العمالة الأخرى التي تتسلم أجوراً ورواتب عالية فيعتمد صرفهم على عدة عوامل، أهمها الحالة الاجتماعية، فإن كانوا متزوجين فمن الطبيعي أن تكون معدلات صرفهم ضمن المتوسط، ومع هذا لا بد من ضبط تحويلات جميع الوافدين بحيث لا تتجاوز سقف دخلهم، أو من خلال تحديد شرائح للتحويل الشهري بحسب دخل الفرد.
ثالثاً: إقرار قانون ينظم دخول العمالة الوافدة عليهم وعلى أسرهم بتحصيل رسوم عادلة مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة كالتعليم والصحة أسوة بما هو معمول في بعض الدول الخليجية.
أخيراً توجه الدولة بفتح التأشيرات السياحية والزيارات العائلية والتجارية قرار جيد في مجمله، فالبلد شبه مغلق، مما يتطلب رصد الفوائد النفعية وتفعيلها، وتطوير النظم الإدارية من خلال المنصات الإلكترونية شريطة ألا تزيد فترة الإقامة على شهر، نظير رسوم معقولة تشمل التأمين الصحي ورسوم استخراج التأشيرات، وألا تقدم الدولة أي نوع من الخدمات المجانية.
ودمتم سالمين.