في أواخر فبراير من عام 1991م، قامت قوات الغزو البعثي الغاشم بتفجير ما يقارب 1073 بئراً نفطية، مما أدى إلى حرائق هائلة تسببت بغيوم سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة، محدثةً كارثة بيئية وتلوثا عاما في البر والبحر والجو، حيث وصلت سحبها الدخانية إلى اليونان غرباً وإلى الصين شرقاً، وقد أضرت هذه الجريمة بالصحة العامة في الكويت، ناهيك عن خسائرها المادية اليومية الكبيرة التي كانت تقدر آنذاك بأكثر من 200 مليون دولار يومياً.
وقد قامت الحكومة الكويتية بتوقيع عقود إطفاء حرائق الآبار ابتداءً مع أربع شركات أجنبية فقط، ومارسوا عملهم في 11 مارس 1991م، وتمت السيطرة على أول بئر مدمَّرة (بئر الأحمدي 49) في 20 مارس 1991 بواسطة شركة ريد أدير، في الشهور الخمسة الأولى كانت عملية إطفاء النيران مقتصرة على الشركات الأربع فقط مما ساهم في التأخر في إطفاء الحرائق وارتفاع معدلات التلوث والخسائر اليومية، لذا قررت الحكومة- في نهاية أغسطس 1991- الاستعانة بأكثر من 11 شركة متخصصة في مكافحة الحرائق النفطية من فرنسا وهنغاريا وروسيا والمملكة المتحدة والصين وإيران، للتوسع في عمليات الإطفاء، حتى ارتفع عدد الشركات من 4 في الشهور الأولى إلى 27 فريقاً مضافاً إليهم الفريق الكويتي.
أدى قرار تنوع وتعدد الفرق إلى تسارع وتيرة إطفاء وغلق الآبار المدمرة والمحترقة من 3 آبار في اليوم في مايو 1991 إلى 8 آبار في أكتوبر 1991، إلى أن تم إطفاء آخر بئر في 6 نوفمبر 1991م، وقد ساهم الفريق الكويتي بإطفاء نحو 6% من مجموع الآبار المشتعلة رغم مشاركته في توقيت متأخر مقارنة مع الفرق الأخرى، حيث قام بإطفاء أول بئر في 14 سبتمبر 1991م وبلغ مجموع الآبار التي أطفأها 41 بئراً وضعته في المرتبة الثالثة بعد الفرق الأميركية والكندية في التصنيف حسب الدولة وجنسية الشركات. وقد كان الفريق الكويتي المؤلف من 29 عضواً من شركة نفط الكويت موضع إعجاب ومحل تقدير الفرق الأجنبية، حيث أسهم وجود هذا الفريق في تقليص الفترة الزمنية اللازمة لإطفاء حرائق آبار النفط من خلال حسه الوطني العالي وعمله الدؤوب وتصديه للحرائق الأضخم، مما أشاع تنافساً محموماً بين الفرق الأخرى، فتعدد وتنوع فرق الإطفاء أدّى إلى السرعة والتنافسية في إطفاء الآبار وتقليل مخاطر استمرار الحرائق وتبعاتها البيئية وخسائرها المالية.
فعلينا أن نتعلم من قصة نجاح إطفاء حرائق الآبار، أن تنوّع المصادر يطفئ الخسائر ويقلل المخاطر المرتبطة باستمرارنا في الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل، فاقتصادنا عاجز عن التنوع، وعن خلق فرص عمل، وطرح مشاريع تنموية، وجذب المستثمر المحلي والأجنبي، وهو محدود في نفقاته الرأسمالية، أما إيراداتنا فما زالت رهينة التقلبات اليومية لأسعار النفط، مسببة هدراً عند ارتفاعها، وعجزاً عند هبوطها! أما خسائرنا الناجمة عن ضياع الفرص الاقتصادية والاستثمارية المليارية بسبب غياب القرارات المدروسة، فمستمرة من دون توقف!!
فإلى متى تحترق مواردنا البشرية والطبيعية والمالية، وبإمكاننا إطفاء خسائرها، وإيقاف هدرها ومحاربة فسادها والتغلب على عجزها، أما آن لنا أن ننعم بخيراتنا قبل زوالها، وننوّع مصادرنا قبل فواتها، وننّمي أصولنا قبل فقدها، ونستثمر في مواردنا قبل نضوبها، ونعظّم عوائدنا قبل نفادها؟
نأمل من الحكومة الجديدة أن تشرك أكبر عدد ممكن من المتخصصين والشركات المحلية والعربية والأجنبية، وأن تفعل اتفاقيات الشراكة مع الدول الصناعية الكبرى للحصول على عروض تنافسية (كما فعلت مع إطفاء حرائق الآبار) لإنجاز مشاريعها ضمن إطار محدد مالياً وزمنياً وبأفضل المواصفات العالمية، إننا نتطلع لكويت جديدة ترتكز على إدارة فاعلة، ورأس مال بشري إبداعي، واقتصاد متنوع مستدام قائم على التعددية التشاركية والشفافية التنافسية.