يُعتقد أن الرئيس الأميركي روزفلت أول مَنْ وضع للمئة يوم الأولى أهمية رمزية ومرجعية لقياس النجاح المبكر للرئيس، فاقترحنا بمقالنا على رئيس الوزراء قبل ثلاثة أسابيع إنشاء فريق لحصر مَوَاطِن الفساد بأجهزة الدولة، خصوصاً التعليم، خلال المئة يوم الأولى، ليضع خطة لاستئصال الفساد موازية لخطة إعادة البناء، فلا يمكننا وضع قواعد الإصلاح على مستنقع آسن ورمال متحركة، ففوجئنا بسرعة تقديم الحكومة لبرنامج عملها بعد أسبوع فقط من القَسَم أمام المجلس، وتسعة عشر يوماً من القَسَم أمام سمو الأمير!
تألق رئيس الوزراء بلقائه مع رؤساء الصحف، وقال إن عليه تقديم برنامج عمل الحكومة طبقاً للمادة 98 من الدستور، فرجعنا لنصها: «تتقدم كل وزارة فور تشكيلها ببرنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج»، وراجعنا مذكرتها التفسيرية، فلم نجد ما ينص على تقديم البرنامج بهذه السرعة! كما لم نجد مدة محددة تُلزم الحكومة بتقديمه، عدا مصطلح «فور تشكيلها»، وهو برأينا خلل تشريعي يتطلَّب تعديله أو تعديل المذكرة التفسيرية، ليفسح المجال للحكومة بأخذ الوقت الكافي لإعداد برنامجها، الذي من غير المعقول وضعه في أيام، إلا أن يكون إنشائياً غير قابل للتنفيذ، بل يجب أن يكون دقيقاً ومفصلاً شاملاً، خصوصاً إن كانت الحكومة تجر خلفها فساد الإدارات السابقة!
إن البرنامج الذي تقدَّمت به الحكومة متضمناً خطة المئة اليوم، والذي لا نتفق مع سرعة تقديمه، يبدو للوهلة الأولى جيداً، رغم خلوه من أهم قواعد بناء الدولة، «التعليم»، الذي يعاني فساداً مدقعاً. وللوهلة الثانية، فإن البرنامج يتطلب أعمالاً متخصصة ومهنية لإنجاز المشاريع والخطط والخدمات والدراسات، وصياغة تشريعات تصل لاثنين وعشرين قانوناً، فهل تساءلت الحكومة عن مدى توافر الكفاءات والخبرات اللازمة لتحقيق ذلك؟ أم ستكتفي بأصحاب الباراشوتات والواسطات عديمي الكفاءة ومئات القيادات بالتكليف وحملة الشهادة المضروبة؟! لذلك كان على الحكومة وضع لجان لفحص مَوَاطِن الخلل والفساد قبل البدء بأي عملية إصلاح.
سمو الرئيس، إن السياسة عادة ما تكون رمادية في تقييمها لمستوى العلاقة المتقلبة بين الحكومة والمعارضة، فحرصك على مد يد التعاون مع المجلس يقابله على الضفة الأخرى أعضاء يمارسون الابتزاز لتقويض مسار الحكومة، فداهموا مكاتب الوزراء لفرض التعيينات والترقيات بعد أداء الوزراء للقَسَم، وتصنَّعوا هجوماً رخيصاً يبدو أنه مدفوع الأجر على وزير الدفاع والداخلية، إلا أن القادم لا محال سيكون أسوأ عند التهديد لحصول مفاتيحهم على مناصب الوكلاء ومساعديهم والمديرين والسفراء والملاحق الخارجية من دون وجه حق!
إننا في مرحلة انتقالية غير مسبوقة، نظراً لخصوصية وأهمية عملية التغيير التي على الحكومة تنفيذها من دون مواربة أو خضوع لضغوط نيابية، وبما أن لدى رئيس الحكومة ضوءاً أخضر نابعاً من النطق السامي، وتقييمه لهذا المجلس، الذي «أضر بمصالح البلاد والعباد وتبادلها على حساب الوطن والمواطنين»، فعليه أن يرحل، والكل يترقب ذلك، فالحل لهذا المجلس هو الحل.
***هناك فصل بين السُّلطات، شعبان اضبط سلوكك.
*** إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.