تخرق زيارة رئيس الوزراء اللبناني السابق زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري إلى بيروت في الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، الرتابة السياسية والعسكرية التي يقبع فيها لبنان منذ 7 أكتوبر 2023، إذ تحرّك زيارة الزعيم، الذي علّق عمله السياسي يأساً من انسداد الآفاق السياسية، المياه اللبنانية الراكدة، وتجعل زيارته محور اهتمام ومتابعة داخلياً وخارجياً.

سلسلة مواقف استبقت وصول الحريري، كان أولها من النائب في «التيار الوطني الحرّ» آلان عون الذي علّق على زيارة الحريري المرتقبة قائلاً: «اشتقنا لك ولجرأتك». تلاه موقف صادر عن رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي قال: «أهلاً وسهلاً به، وهو المرحب به دوماً متى ما يقرر التراجع عن قرار الاعتكاف واستئناف عمله السياسي»، واصفاً إياه بـ «الرابح الأكبر» في الانتخابات النيابية الأخيرة على الرغم من عدم مشاركته فيها.

Ad

وتشكل الزيارة المرتقبة التي، بحسب المعلومات، ستستمر بضعة أيام، فرصة جديدة لـ «تيار المستقبل» لإعادة إثبات نفسه وقوته وحضوره شعبياً وسياسياً، لذلك رفعت لافتات وصور وحملات إعلانية وإعلامية كلها تصب في خانة التحضير لاستقبال الرجل، وتوفير حشد جماهيري كبير له في وسط بيروت عند ضريح الرئيس رفيق الحريري.

ويرفع مسؤولو «المستقبل» والمؤيدون للحريرية شعارات أبرزها «تعوا ننزل ليرجع»، في محاولة لفرض أمر واقع على الحريري لإعادته إلى الممارسة السياسية، وسط دعوات لمحاصرة منزله ومنعه من المغادرة ثانية لإقناعه بالتراجع.

سياسياً، يأتي الحريري إلى لبنان في ظل ظروف سياسية وعسكرية دقيقة، وعلى مشارف تحولات كبرى تعيشها المنطقة، فيعود من بوابتين، الأولى أن المنطقة ستكون مقبلة على تسوية سياسية كبيرة ولا بد من مواكبتها، كما أن الحريري هو رجل التسويات الذي كان دائماً سباقاً في الذهاب إلى تفاهمات أو اتفاقات سواءً في الداخل أو الخارج، أما البوابة الثانية فهي أنه بعد عملية «طوفان الأقصى» وفي ظل عدم وجود زعامة سنية واضحة في لبنان فإن الحماسة ستدفع الكثير من شباب الطائفة إلى الالتحاق بالجماعة الإسلامية ما سيؤدي إلى إضعاف حالة الاعتدال.

وهناك بوابة ثالثة لا يمكن إغفالها أيضاً، تتصل بلقاء مستشار الحريري للشؤون الروسية جورج شعبان بنائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، وما كان لافتاً بعد الزيارة هو البيان الذي أصدرته وزارة الخارجية الروسية بأنه تم التداول في الوضع اللبناني والاستحقاقات السياسية انطلاقاً من رؤية الحريري لها، ما فهم أنه إشارة لاستعداد الرجل لتقديم رؤيته المتكاملة للحلّ.

لكن يبقى كل ذلك، بحسب مصادر متابعة، دون وجود قرار واضح لدى الحريري باستئناف العمل السياسي، وهو أمر يحتاج إلى تحضير وظروف إقليمية وداخلية مواتية، خصوصاً أن الحريري لا يزال يرى الأفق مغلقاً ومسدوداً ولا بوادر لحل الأزمات اللبنانية المتوالية، لا سيما الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وبحسب ما تقول مصادر قريبة من الحريري، فإن الزيارة هي تأكيد للارتباط العميق بين الحريري وجمهوره، وأن محطته في لبنان قائمة سنوياً بانتظار العودة إلى ممارسة عمله السياسي الذي ينتظر إنضاج بعض الظروف الإقليمية والمحلية التي قد تظهر بحلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة. والأهم في الزيارة بالنسبة إلى «المستقبل» هو الحرص على إثبات الحضور والقوة الشعبية لإبراز قدرة الحريري على تجميع الناس، وأنه لا يزال هو الممثل الأساسي والشرعي للطائفة السنية، وأنه لا بد من التعاطي معه لإعادة التوازن، الذي أصيب باختلالات كثيرة، إلى الساحة اللبنانية.