في وقت تتوالى التحذيرات الدولية لإسرائيل التي صادق جيشها على خطة عسكرية لاجتياح عسكري لرفح الفلسطينية، آخر نقطة في قطاع غزة، والمحاذية للشريط الحدودي بين مصر والقطاع، خلال أسبوعين، وسط رفض مصري للخطوة التي تُعدّ خرقا لمعاهدة السلام 1979 بين الجانبين، ربط مصدر قيادي في «حماس» أي هجوم إسرائيلي على رفح بـ «نسف مفاوضات تبادل المحتجزين والأسرى»، التي تتوسط بها قطر ومصر، بتنسيق أميركي.

واتهم المصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنه «يحاول التهرب من استحقاقات صفقة التبادل، بارتكاب إبادة جماعية وكارثة إنسانية جديدة في رفح»، التي يتكدس بها حوالي 1.4 مليون نسمة، أغلبهم نزحوا من شمال القطاع ووسطه، هربا من ويلات الحرب الانتقامية التي تشنّها إسرائيل على المنطقة المعزولة والمحاصرة منذ 7 أكتوبر الماضي.

Ad

وقال المصدر إن «ما لم يحققه نتنياهو وجيشه خلال أكثر من 4 أشهر لن يحققه مهما طالت الحرب».

إصرار نتنياهو

وجاء التحذير من نسف المفاوضات بعد ساعات من تأكيد نتنياهو، خلال تصريحات أدلى بها لشبكة ABC الأميركية، تمسّكه باجتياح رفح بوصفها المعقل الأخير لـ «حماس» بالقطاع.

وردّا على الانتقادات والتحذيرات الدولية المتصاعدة بشأن الخطوة التي قد تتسبب في كارثة إنسانية، قال نتنياهو إن «من يقول لنا إنه في جميع الأحوال يحظر علينا الدخول إلى رفح، إنما يقول لنا عمليا أن نخسر الحرب وإبقاء حماس هناك. ونحن على وشك الوصول إلى كتائب حماس الأخيرة».

وعلى خلفية التحذيرات التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من الهجوم على رفح، بسبب وجود العدد الهائل من النازحين فيها، قال نتنياهو «أتفق معهم على ذلك»، مدّعيا أن إسرائيل «تعمل على خطة مفصلة، سنضمن من خلالها عبورا آمنا للسكان المدنيين».

وتابع حول المكان الذي سينقل النازحون إليه، أنه «توجد أماكن كثيرة قمنا بتطهيرها في شمال رفح».

وتزامن حديث نتنياهو عن ضمان إجلاء المدنيين مع كشف هيئة البث الإسرائيلية (كان 11) أن إدارة بايدن وجهّت رسالة إلى الدولة العبرية، خلال الأيام القليلة الماضية، تحذّرها من شن عملية عسكرية في رفح خلال شهر رمضان، معتبرة أن ذلك لن يؤدي فقط إلى تصعيد في غزة، وإنما إلى تصعيد شامل بالمنطقة.

وأشارت القناة إلى أن دولا عربية كذلك وجهت تحذيرات مماثلة إلى نتنياهو الذي أفيد أمس الأول بأنه أبلغ حكومة الحرب المصغرة بضرورة إتمام العملية المرتقبة قبل حلول شهر الصيام المتوقع في 10 مارس المقبل.

وفد وخضوع

ومع تزايد الشد والجذب بشأن تسريع العملية العسكرية بالقطاع وصفقة تبادل المحتجزين الإسرائيليين وعددهم نحو 136 مقابل إطلاق سراح معتقلين فلسطينيين من سجون الاحتلال، قررت تل أبيب إرسال وفد رفيع المستوى إلى القاهرة برأسه مدير «الموساد»، ديفيد بارنياع، ورئيس «الشاباك»، رونين بار، للقاء مدير المخابرات العامة عباس كامل ورئيس الوزراء القطري وزير الخارجية محمد عبدالرحمن، ومدير وكالة المخابرات المركزية (سي إي إيه) وليام بيرنز.

وتفاوتت التقديرات العبرية، أمس، بشأن الخطوة، إذ وصفها البعض بالخضوع للضغوط الأميركية من أجل التوصل إلى اتفاق يشمل هدنة مؤقتة ويسمح بإطلاق المحتجزين لدى «حماس»، وإدخال المزيد من المساعدات لتفادي تدهور الأوضاع الإنسانية بالقطاع، فيما رأى وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، أن «تعميق العملية العسكرية بغزة يضمن التوصل إلى اتفاق واقعي لاستعادة المحتجزين»، في إشارة إلى رفض القبول بشروط الحركة الفلسطينية التي تطالب بإطلاق سراح المئات من الفلسطينيين وبوقف الحرب بشكل كامل.

وقال غالانت: «لقد وصلنا إلى النواة الحساسة لحماس، ونستخدم معلوماتهم الاستخباراتية ضدهم، ونستعمل أسلحتهم ضدهم، ونفجّرها على الأرض».

وفي حين تحدثت أوساط عبرية عن ضغوط تمارسها القاهرة على الحركة الفلسطينية عبر التلويح بسحب اعتراضها على اجتياح رفح، لدفعها من أجل تقديم تنازلات لإتمام صفقة التبادل، ذكرت «واشنطن بوست» أن بايدن وكبار مساعديه أقرب إلى القطيعة مع نتنياهو أكثر من أي وقت مضى منذ بدء حرب غزة التي أتمت يومها الـ 128 أمس.

جاء ذلك بعد تقرير عن استعداد البيت الأبيض لفرض عقوبات على وزراء وبرلمانيين ومستوطنين يهود بشأن انتهاكات حقوق الإنسان الجسيمة في الضفة الغربية المحتلة وربطها بإمدادات السلاح والذخيرة لتل أبيب.

وفي تصريحات منفصلة لبرنامج «فوكس نيوز صنداي»، كشف نتنياهو أنه لم يتحدث مع بايدن منذ تصريحات الأخير بشأن كون الرد العسكري الإسرائيلي على هجوم حماس «مبالغاً فيه»، لافتاً إلى أنه يقدر دعم الرئيس الأميركي لإسرائيل منذ بداية الحرب لكنه لا يعرف ما الذي كان يقصده.

وزعم نتنياهو أنه مقابل كل مقاتل من «حماس» يلقى حتفه يقتل مدني واحد جراء العمليات الحربية التي تسببت بمقتل أكثر من 28 ألفاً حتى الآن بحسب الإحصاءات الصادرة عن سلطات غزة.

ضغوط وتحريض

في غضون ذلك، أعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لـ «حماس»، أن 2 من المحتجزين الإسرائيليين لقيا حتفهما، وأصيب 8 بإصابات خطيرة، جراء القصف الإسرائيلي المتواصل خلال آخر 4 أيام.

جاء ذلك غداة تظاهرات إسرائيلية حاشدة ليل السبت ـ الأحد التي عمّت عدة مدن، بينها تل أبيب والقدس الغربية وحيفا وبئر السبع، للضغط على حكومة نتنياهو من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن.

وفي تطوّر يهدف للضغط على قادة الحركة الفلسطينية، أعلن «منتدى أهالي الرهائن والمفقودين» الإسرائيليين نيته رفع دعوى قضائية ضد «حماس» أمام محكمة العدل الدولية التي تنظر في دعوى تقدمت بها جنوب إفريقيا ضد الحكومة الإسرائيلية بتهمة ارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين خلال حربها المتواصلة على القطاع.

وفي حادث منفصل، ذكرت وحدة الجرائم الكبرى «لاهاف 433» التابعة للشرطة الإسرائيلية، أنها فتحت تحقيقا مع إسرائيلي (40 عاما) من سكان بئر السبع، للاشتباه في قيامه بـ «التحريض الخطير» عبر «تيك توك» على اغتيال نتنياهو.

وأتى ذلك في وقت انضمت سلطنة عمان والإمارات وبريطانيا للتحذيرات العربية والدولية من وقوع كارثة إنسانية من جراء العملية الإسرائيلية التي تستهدف رفح ويكتنفها الغموض، خاصة في ظل حديث عن تلويح مصري بتعليق اتفاقية السلام في حال دفع الآلاف للنزوح باتجاه سيناء.

ميدانياً، تسبب القصف الإسرائيلي على عموم مناطق جنوب وشمال القطاع بمقتل 128 شخصاً في آخر 24 ساعة، وزعم جيش الاحتلال أنه اكتشف شبكة أنفاق يبلغ طولها مئات الأمتار، ويمتد جزء منها تحت مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في غزة.

وأكدت «أونروا» أن السلطات الإسرائيلية لم تخطرها رسميا بأمر النفق، وأنها أخلت مقرها في 12 أكتوبر بعد 5 أيام من بدء الحرب، وبالتالي: «ليس بوسعها التأكيد أو التعليق» على ما توصلت إليه تل أبيب.