كيف نشأت الحياة؟
إذا نظرنا إلى تاريخ العلوم وتقدُّمها، وإلى الدور الذي تؤديه التكنولوجيا في حضارة الإنسان المعاصر، فسنجد أن نظرة الإنسان الموضوعية لطبائع الأشياء، واستخدام حواسه استخداماً كرّس فيه حذقه العلمي، اتضحا حينما لاحظ الظواهر المحيطة به وفرض الفروض وأجرى التجارب التي بنى على نتائجها النظريات، وهي التي أوصلت البشرية إلى ما وصلت إليه من تقدّم معرفي، والتاريخ حدثنا عن أسماء علماء كثيرين في حضارات قديمة قبل سطوع اسمَي داروين ولا مارك، وغيرهما ممن كرّسوا جهودهم لمعرفة نشأة الحياة.
فقد شرح الفرنسي لا مارك نشأة الحياة، وعزاها إلى اكتساب الكائن للصفات الظاهرية التي تفرضها البيئة، ومن بعد ذلك ظهرت نظرية داروين، وكانت داعمةً لنظرية لا مارك، مع شيء من التعديلات عليها، وأُجريت بعد نظرية داروين الكثير من الأبحاث في علوم الأجنّة والتشريحات والحفريات وفصائل الدم وبحوث تجريبية على تطور الحياة نفسها، سواء على الكائنات الحية أو المنقرضة من حيث إنها كانت موجودة بالفعل على ظهر الأرض، سواء في بيئاتها الطبيعية، أو في طبقات الصخور القديمة من العصور الجيولوجية المختلفة.
والبحث في هذا الموضوع سيعرفك على علماء كرّسوا كل سنوات حياتهم للوصول إلى فك طلاسم أسرار هذه الحياة، وستجد فيهم علماء البحار وطبقات الأرض والبيولوجيا والكيمياء والأراضي، بل إنك ستتعرف الكثير من مراكز البحوث المنتشرة في أميركا وروسيا واليابان وألمانيا وفرنسا، وهناك مؤتمرات علمية تضم الجميع، وكلها تبحث في الأسس التي تقوم عليها نشأة الحياة.
وعند مطالعتي لمثل هذا الموضوع في أكثر من مصدر، فقد لفت نظري أنه لا توجد فروق قوية بين الكثير من مكونات حياة هذا الكون، وبعضها قابل للتحول، بل إن الثبات والاستقرار ليسا هما اللذين يسهمان بتطور الحياة، بل خاصية التطور والتحول هي الأكثر فعالية في المخلوقات.
وفي النهاية، هناك إجماع من كل العلماء على أن الماء هو المصدر الأساسي للحياة، وهناك الكثير من مشتقات الكائنات كالرخويات والديدان والزواحف والأسماك والثدييات والثعابين والجرذان والذباب والخنافس، وأشياء أخرى لا أريد ذكرها، من المكونات التي ساهمت بشكلٍ أو بآخر في صنع هذه الحياة.
الفيلسوف السكندري فلوطين لخّص مثل هذا الموضوع بالقول إن «جميع الكائنات الحية نشأت نتيجةً لتسامي المادة بواسطة روح تهب الحياة».