بعد ساعات من تحذير الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من أنه لا ينبغي له المضي قدماً في توسيع حملته العسكرية لتشمل مدينة رفح الحدودية، المكتظة بنصف سكان قطاع غزة، دون خطة «موثوقة» لحماية المدنيين، تتصاعد التحركات الدبلوماسية في محاولة لثني تل أبيب عن تنفيذ الاجتياح، وسط تقارير عن خلافات بين المستويين السياسي والعسكري الإسرائيليين حول العملية التي يبدو أن الجيش يحاول تجنبها تجنبا للصدام مع مصر.
في هذا الإطار، وصل وفد استخباراتي إسرائيلي إلى القاهرة للقاء مسؤولين مصريين وقطريين، بحضور مدير الاستخبارات المركزية الأميركية «سي آي أيه» بيل بيرنز. ونقلت «أسوشيتد برس» عن مسؤول أميركي كبير قوله إن إمكانية التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة هيمنت على مكالمة بايدن نتنياهو أمس الأول، لافتاً إلى أن اتفاق الإطار جاهز لحد كبير للتوصل إلى صفقة، لكن هناك فجوات بين موقفي «حماس» وإسرائيل.
وفي وقت تتزايد التقارير عن الخلافات الأميركية الإسرائيلية بشأن الحرب، نقلت شبكة «آي بي سي» عن 5 مصادر مطلعة أن الرئيس جو بايدن أعرب عن إحباطه من نتنياهو ووصفه بـ«أحمق ويمثل العقبة الرئيسية في إقناع إسرائيل بوقف الحرب».
من جانب آخر، كشف تقرير للقناة 12 العبرية أن «مسؤولين إسرائيليين بارزين من جهاز الاستخبارات الموساد وجهاز الأمن العام الشاباك ووزارة الدفاع، تواصلوا مع نظرائهم المصريين لتهدئة مخاوفهم» بشأن اجتياح رفح، بينما أفادت مصادر بأن السلطات المصرية أبلغت الجانب الإسرائيلي أنها ستقلص الاتصالات لكي تقتصر على القنوات الأمنية فقط، وأن محاولة بحث أي تعديل بشأن «محور فيلادلفيا» الحدودي مرفوضة.
ونقلت صحيفة «هآرتس» العبرية عنّ وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قوله أمس إنّ مصر تتحمل مسؤولية كبيرة عما حدث في هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» في السابع من أكتوبر الماضي.
وزعم سموتريتش أنّ إمدادات «حماس» من الذخيرة تمر عبر سيناء المصرية إلى حد كبير.
وقال أمير قطر الشيخ تميم بن حمد إنه بحث، خلال استقباله الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الدوحة، المصالحة الفلسطينية، بينما حذر عباس من «المخاطر الجسيمة المترتبة على شن جيش الاحتلال هجوما بريا على رفح، التي تؤوي أكثر من 1.5 مليون مواطن فلسطيني لجأوا من شمال القطاع ووسطه».
وأكد عباس «ضرورة تدخل المجتمع الدولي، وخاصة الإدارة الأميركية لإلزام إسرائيل بوقف حربها المسعورة ووقف هجومها على رفح الذي إن نُفذ فسيؤدي إلى كارثة إنسانية ومجازر بشعة تهدف إلى تهجير الشعب الفلسطيني من أرضه ووطنه، في تكرار لنكبتي 1948 و1967 اللتين لن نسمح بتكرارهما مهما حصل».
وتزامن ذلك مع وصول ملك الأردن عبدالله الثاني إلى واشنطن، للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، بهدف بحث «سبل ايجاد حل دائم للأزمة من خلال حل الدولتين».
تحرير أسيرين ومجزرة
وتمكن الجيش الإسرائيلي، ليل الأحد ـ الاثنين، من تحرير محتجزين إسرائيليين مسنين، بعد عملية معقدة شملت سلسلة غارات غير مسبوقة منذ بدء الحرب، وتسببت في مجزرة أسفرت عن مقتل أكثر من 100 فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال فضلا عن إصابة العشرات.
ووسط إدانة عدة منظمات دولية مقتل المدنيين ونصفهم من الأطفال في الغارات الإسرائيلية على رفح «التي يفترض أنها آمنة»، ذكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانييل هاغاري، أن قوات خاصة اقتحمت تحت إطلاق نار كثيف شقة في الطابق الثاني بمنطقة الشابورة في رفح، مشيرا إلى أن العملية رافقتها بعد دقيقة غارات جوية على المناطق المحيطة، وزعم أن الرهينتين كانا تحت حراسة 3 مسلحين من «حماس». وقالت منصات تابعة لحماس إن الرهينتين لم يكونا محتجزين لدى قواتها.
وفي أعقاب الإعلان عن العملية، قال نتنياهو إن بلاده ستستغل كل فرصة ممكنة لتحرير مزيد من المحتجزين الذين تم أسرهم خلال هجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس».
ووصف الضغط العسكري المستمر حتى تحقيق ما سمّاه بـ «النصر الكامل» على «حماس» بأنه ضرورة لاستعادة «العافية والأسرى بالكامل».
وأوضح مكتب نتنياهو أن المحررين يحملان الجنسية الأرجنتينية أيضا.
وبعودة فرناندو مارمان (60 عاما) ولويس هار (70 عاما) إلى تل أبيب، يكون عدد الرهائن الذين حررتهم القوات الإسرائيلية بأمان هو 3، من أصل 246 تم احتجازهم منذ هجوم «طوفان الأقصى» في 7 أكتوبر الماضي، وذلك بعد إنقاذ المجندة أوري مغيديش في نوفمبر الماضي.
وتم إطلاق سراح أكثر من 100 رهينة خلال وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعا في نوفمبر. وتقول إسرائيل إن حوالي 134 رهينة ما زالوا محتجزين بغزة، كما تحتجز «حماس» رفات حوالي 30 آخرين إما قتلوا في 7 أكتوبر أو ماتوا أثناء احتجازهم، وقتل الجيش 3 رهائن عن طريق الخطأ بعد فرارهم من خاطفيهم في ديسمبر، بينما سمحت وساطة بقيادة قطر ومصر وتنسيق أميركي بإطلاق ما مجموعه 110 بينهم 87 من الإسرائيليين مقابل تحرير عشرات المعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال.
عناد إسرائيلي
وفي ظل تصاعد موجة التحركات الدبلوماسية والضغوط الدولية والغربية الرامية لوقف الحرب التي تسببت في مقتل 29 ألفا حتى الآن، ومنع اجتياح رفح التي قيل إن مصر هددت بتعليق اتفاقيات «كامب ديفيد» التي ارست السلام في المنطقة لمدة تزيد على نصف قرن، إذا تمت، رأى المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية إيلون ليفي أنه «سيكون الأمر سخيفا إن توقفت الحرب الآن».
وحث ليفي وكالات الأمم المتحدة على إجلاء المدنيين من أماكن القتال، مطالبا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بالالتزام بـ«القضاء على حماس لا دعمها».
عقوبات بريطانية
في المقابل، فرضت لندن عقوبات على 4 إسرائيليين بسبب انتهاكات تتعلق بحقوق الإنسان في الضفة الغربية، فيما قال وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون إن بلده قلقة جدا بشأن الوضع في رفح، وتدعو إسرائيل إلى التوقف والتفكير بجدية قبل أي إجراء. وقبل الإعلان عن العقوبات النادرة، أضاف كاميرون: «نريد وقفا فوريا للقتال يؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار».
كما أمرت محكمة الاستئناف الهولندية الحكومة بمنع جميع صادرات قطع غيار الطائرات المقاتلة من طراز «إف 35» الأميركية إلى إسرائيل في غضون 7 أيام، بعد مطالبة منظمات مدنية بالخطوة لـ«تفادي التواطؤ بارتكاب جرائم حرب يعتقد أن تل أبيب ترتكبها»، وقالت الحكومة إنها ستطعن في القرار.
من جهة أخرى، رأى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أمس، أن المجتمع الدولي قد يتعين عليه إعادة التفكير في مسألة تزويد إسرائيل بالأسلحة.
وهاجم بوريل في تصريحات علنية نادرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قائلا إنه لا يصغي لأحد ويريد منا أن نغلق أعيننا ونصدق مزاعمه من دون أدلة بشأن انتهاكات القانون الدولي.
وأكد بوريل أنه يجب التحقق من مزاعم وجود نشاط لـ «حماس» في «الأونروا»، مضيفا «لا يخفى على أحد أن الحكومة الإسرائيلية تريد التخلص من الاونروا حتى لا تتعامل مع احتياجات اللاجئين الفلسطينيين».