«الاغتراب البيئي»... «البيئة» في برنامج الحكومة وأشياء أخرى
سلمت الحكومة الجديدة برنامج عملها المعنون بـ«وطن عادل وآمن ومستدام» الذي يعدّ المقياس والمعيار الأساسي في تقييم عملها للقادم من الأيام، وهو ما سيقوم أعضاء السلطة التشريعية أيضا بمراقبة أدائها فيه عن كثب، معتبرة ذلك خريطة طريق للقادم من الأيام في مواجهة تحديات الدولة.
وحقيقة المسألة وبعيداً عن الثرثرة التي لا طائل منها البتة فإن برنامج العمل هو المعيار الحقيقي للأداء والعمل والتعاون الحكومي البرلماني بعيدا عن التصيد والشخصانية في التعاطي مع الأمور والحكم على الأفراد مسبقا، لذلك، ومهما كان فالأصل أن يكون الانتقاد بناء حقيقيا بدافع وطني بعيداً كل البعد عن التعاطي مع أي برنامج عمل حكومي بأسلوب التمحيص لمجرد التدقيق والرقابة بأعين الملامة.
وبعد الاطلاع على برنامج العمل المشار إليه نتوقف عند بعض المحطات الرئيسة التي تكون أقرب الى التساؤلات عن الآلية الدقيقة في التنفيذ والجدوى الاقتصادية لها كذلك، وهو ما يبدو أنه الشعار الأساسي للمرحلة القادمة (الاقتصاد الحر والإيرادات غير النفطية)، هذا كله بعد الاطلاع على الملخص المنشور وأهم المشاريع التي تداولتها الصحف عن البرنامج طبعا.
فيما يخص الإعداد والصياغة العامة ورغم وجود صبغة اقتصادية على هذا البرنامج، فإنه في حقيقة الأمر لم يحد عن التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة منذ عقود من الزمن، وهو تنوع مصادر الدخل، وهو الأمر الذي يجب أن يكون لعنصر «الاستدامة البيئية» نصيب الأسد فيه، كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي في جريدة «الجريدة» بمقال (تنوع مصادر الدخل) من حيث تدشين أسواق بيئية خضراء والبدء بالعمل على المنتجات البيئية والطاقة المتجددة شيئا فشيئاً مع تحمل الأطراف في القطاع الخاص مسؤولية كاملة إزاء ذلك كله.
هذا يستدعي حتما خفض الإنفاق الحكومي المستقبلي الذي يشكل ما يفوق 50% بحسب البرنامج ذاته، وهو أحد أبرز تحدياتها المشار إليها، أما فيما يتعلق بعنصري البيئية المشار إليهما في الملخص وهما الحياد الكربوني وإدارة النفايات والرجوع الى المشاريع المعلنة التي تشمل إنتاج وقود صلب والعمل على مجمع لإدارة النفايات في الدولة، فلا يمكن تحقيق أي منهما دون تبيان الجدوى الاقتصادية والفنية التي وجب أن ترتكز على وجود عمليات متكاملة للوقود في الصناعة البترولية ومحطات للفرز وتجميع اللقيم للوحدات الصناعية، وتدشين بنية تحتية لإدارة النفايات المتكاملة في الدولة (مع توفير البيئية الإدارية الخصبة لتحقيق الأهداف المرجوة).
وهي خطوات تسبق ما تم طرحه في برنامج العمل الحكومي وأولى من غيره خصوصا إذا طبقنا وترجمنا هذه الخطط على أرض الواقع مع خطط الحياد الكربوني للدولة، ولعل هذا يعطي مخرجا للحكومة الجديدة في تعزيز نسبة الاستثمار الأجنبي والبالغ نسبة 0.2% بحسب البرنامج ذاته الذي يعد أقل من المعدل الطبيعي بتسعة أضعاف إذا ما تحققت الموازنة الحقيقية بين تلك المسائل من الجانب الفني البحت والصرف مع تعزيز استقلالية القطاع الخاص كذلك.
من المتوقع أن تكون الأيام القادمة حبلى بالمفاجآت السياسية، فهل ستتمكن الحكومة من ترجمة أقوالها ليتسنى لنا الحكم عليها؟! أم تكون المسألة كالعادة «هذا سيفوه وهذي خلاجينه»؟!