نظام الدوائر الانتخابية اللاجغرافية العشوائية
منذ 16 عاماً فكرت في الخروج بالكويت من دوامة التجاذب السياسي، من خلال مدخل للإصلاح السياسي وتطوير النظام البرلماني وممارساته، وقد وجدت أن علة النظام البرلماني والممارسة السياسية لدينا تكمن في معضلتين هما:
1- سوء النظام الانتخابي ودوائره.
2- حالة تزوير وازدواج الجنسية وتغيير بيانات الناخبين ما أفضى لهيئة ناخبين مزورة.
فطرحت منذ ذلك الوقت أفكاراً تراودني، ولم تكن جميعها بلغت مرحلة النضج بعد، لكنني كنت أرى في تلك الأفكار، خصوصاً بشأن النظام الانتخابي ودوائره بداية لنظرية قانونية وانتخابية رائدة، إذا كُتب لها النضج والتطبيق السليم فستكون تحولاً جوهرياً في الأنظمة الانتخابية وممارساتها في الكويت وربما غيرها من الدول، إنها «نظرية الدوائر الانتخابية اللاجغرافية» أو «أمة واحدة وشعب موحد» One nation unified people.
وهذه النظرية ستكون بمثابة النقلات المتكاملة التي تحدث في تطور الأنظمة السياسية من خلال نظريات كانت بداياتها معاناة أو تجارب أو مشاهدات، ثم تتبلور بأفكار وربما أحاديث ونقاشات، ثم يتم تنسيقها وإعادة غربلتها لتخرج على شكل حل متكامل منطقي وعملي، ثم تأخذ طريقها للتبني والانتشار والتطبيق.
وقد وجدت ضالتي نحو ذلك المدخل للإصلاح السياسي وتطوير النظام البرلماني الكويتي وممارساته الانتخابية، والتي مرت بتجريب انتخابي تقليدي تقاذفته الأطر المسبقة للتفكير وتناولته المصالح والمكاسب الخاصة بالتحوير والتغيير، ولم يكن ذلك إلا مزيداً من الإرهاق والتكلفة والتراجع في النظام البرلماني الكويتي، فما كان مني إلا أن وجدت ضالتي وفرصتي في مؤتمر للحوار الوطني في عام 2008، وهو المؤتمر الذي نبعت فكرته باقتراح مكتوب مني قدمته لجمعية الشفافية الكويتية ممثلة برئيسها وقتئذاك السيد صلاح الغزالي، وقد تم تبني فكرة إقامة ذلك المؤتمر بل وتم تكليفي برئاسته، وشكلت له لجنة تنفيذية من أحد عشر عضواً، ساهموا في إخراجه ونجاحه الذي تشهد له على ذلك وقائعه ووثائقه ومدوناته.
في هذا المؤتمر طرحت منذ ذلك الوقت 2008، فكرة الدوائر اللاجغرافية حلاً ومخرجاً لحالة التجاذب والتجريب المرهقة التي عاشتها الكويت في خياراتها الانتخابية، وهو، كما أرى، علة عدم استقرارها البرلماني، فطرحت فكرة الأخذ بنظام الدوائر الخمس اللاجغرافية المبنية على تقسيم عشوائي لها على أساس «الأحرف الأبجدية» للاسم الأول للناخب، لكنها لم تكن فكرة واضحة، بل ضبابية في العديد من الوجوه، ولذا فقد طرحت بمعيتها فكرة الأرقام بدلاً من الأحرف الأبجدية، لكنها هي الأخرى كانت ضبابية بعموميتها.
وقد كانت الغاية هي وضع نظام انتخابي يتخلص من العيوب والسلبيات والمثالب التي لازمت النظم الانتخابية الثلاثة التي جربتها الكويت إلى ذلك التاريخ، وهي الدوائر العشر الجغرافية التحكمية وتنتخب كل منها خمسة نواب، ثم الدوائر الخمس والعشرون الجغرافية التحكمية وتنتخب كل منها نائبين، ثم الدوائر الخمس الجغرافية التحكمية، والتي تنتخب كل منها أربعة نواب رغم أن من ينجح في الدائرة عشرة نواب.
وتتلخص العيوب والمثالب التي لازمت النظم الانتخابية الكويتية في:
1- ظاهرة ضآلة أصوات النجاح بالمقعد النيابي.
2- ظاهرة بيع وشراء أصوات الناخبين، فرادى أو قطيعاً.
3- تبادل الأصوات الذي أدى لنجاح غير الجديرين وحجب، ربما، من هم أفضل منهم.
4- ظاهرة الانتخابات الفرعية قبلياً أو طائفياً، أو ربما، عائلياً وحزبياً، وقد تعددت صور ممارستها، وبعد أن حرمت تشريعياً بدأ التفنن في التحايل على القانون، لاستمرار ممارستها.
5- ظاهرة تفتيت وحدة المجتمع من خلال الاستقطاب القبلي أو الطائفي أو المناطقي أو الفئوي أو العائلي، وتزايدت أنماط التشرذم المجتمعي بالصوت الواحد وبدأت تظهر استقطابات داخل تلك التقسيمات مما زاد من حدة وخطورة تشرذم المجتمع وتكوينه السياسي والاجتماعي وسلامته.
6- ظاهرة نقل الأصوات من دائرة لأخرى، بل وتزوير عنوان السكن، بل، وهو الأخطر، التكدس الانتخابي المخيف في المنازل والسكن وتحويله.
7- ظاهرة التصويت بصوت وحيد (أو كما تسمى شعبياً حرق الصوت).
وحينما بدأت إرهاصات تغيير النظام الانتخابي في نهاية عام 2011 وبداية عام 2012، وهو ما تزايدت احتمالاته مع حل مجلس الأمة 2009، وجدتني أسارع الخطى لإنضاج تصوري (نظريتي) للنظام الانتخابي اللاجغرافي، فوضعت تصوراً شبه متكامل لدوائر عشوائية لا جغرافية على أساس يوم ميلاد الناخب، ويكون للناخب فيه صوت واحد يمنح لقائمة مغلقة تتكون من مرشح واحد أو أكثر إلى عشرة مرشحين، ويكون الفوز بالمقعد الانتخابي بالنسبة لأي قائمة وفقاً لنظام الانتخاب النسبي وحددتها بنسبة 10% من أصوات الناخبين الذين يدلون بأصواتهم في الدائرة.
وقد عقدت لقاءات حوارية عديدة من جميع مكونات المجتمع الكويتي السياسي والاجتماعي لشرح هذا النظام الانتخابي للدوائر اللاجغرافية، وانتهى الأمر بلقاءات مع الحكومة وقتئذ بثلاث جلسات كان آخرها مع رئيس الحكومة نفسه، وكان التصور قد اقترب قاب قوسين من تبنيه، لكن تبني أمير الكويت للنظام الجغرافي للدوائر الانتخابية بالصوت الواحد، وفقا للنموذج الأردني، قد صدر، فتوقف التصور الذي ناديت به وهو نظام الدوائر اللاجغرافية، ولما كان نظام الدائرة الواحدة قد أثبت عدم جدواه، مع بقاء العيوب الملازمة للأنظمة الانتخابية الثلاثة السابقة عليه، حاضرة ومتكررة، وجدت أن طرح تصوري ونظريتي للدوائر اللاجغرافية ما زال خيارا أفضل ومناسبا، وهو سبب الدعوة لهذا الخيار والإصرار عليه.
ولو كُتب لهذا النظام أن يرى النور فأنا على يقين أنه سيقضي على جميع الظواهر السلبية بنظامنا الانتخابي، وسيتم عقد حلقة نقاشية لهذا الموضوع لإبراز أهميته وتهذيبه بما يحقق الاستقرار والمتانة لنظام انتخابي أساس المنافسة فيه هو الطرح الوطني العام بعيدا عن الفئوية أياً كان نوعها.
والخطوة الملازمة حتما بل والسابقة عليه هي تطهير كشوف الناخبين من المزورين للجنسية ومزدوجيها ومغيري بياناتها.