الموت الرحيم إنهاء لحياة مريض من خلال حقنه بعقار مميت لتخفيف آلامه من أمراض لا شفاء منها، وهي عملية تدخّل متعمد ومعلن عن نية إنهاء حياة مريض لتخفيف معاناته، وقد اختلف المفسرون لهذا الأسلوب بين مؤيد له ومعارض، كما تتباين الدول في رؤيتها لهذا العلاج القاسي من الناحية النفسية لأهل المريض، فمنها من تعتبره قانونياً، ومنها من تعاقب مرتكبيها بالحبس.
وفي الوقت الذي يعارض البعض أسلوب الموت الرحيم لتشابهه بأسلوب القتل، ولوجود احتمالية شفائه من المرض إذا كان التشخيص خطأ، ولمعارضته الدور الإنساني للطبيب، يرى المعارضون أن المريض يشعر بأنه استنزف الطاقات النفسية والعاطفية والمادية لمن حوله، فيرغب في إنهاء حياته، ولهذا يتطلب فهم الحالة النفسية والعقلية للمريض، ورغم كل هذه الأسباب، يرى المؤيدون لهذا الأسلوب أن للمريض حرية اختيار الأمور المتعلقة بصحته وحياته، خصوصاً أنه الوحيد الذي يشعر بآلام أمراضه التي لا يقدر على تحملها، فيرغب في تخفيف معاناته اليومية التي يشعر بها كل من حوله.
«فلان الله يرحمه... ارتاح وريح»، كلمات كثيراً ما نسمعها بعد وفاة شخص عزيز طالت مدة معاناته مع مرض عضال يصعب شفاؤه منها، فالذين يرددون هذه الجملة يعرفون معزة ومكانة المتوفى، فقبل وفاته كانوا يدعون الله أن يشفيه، وفي الوقت نفسه هم يعرفون كم عانى من آلام المرض، حتى كان أمر الله وإرادته، ليرتاح المريض ويريح أقرباءه وأحباءه، ولكن ماذا بشأن من ما زال يعاني عذابات المرض وآلامه منذ سنوات دون أن يعرف لها نهاية؟
أنا أعرف أصدقاء أعزاء صدقوا ما عاهدوا الله عليه من الإيمان به والصبر على ما ابتلوا به من أمراض، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر متحملاً أثقال الآلام المبرحة، وما بدلوا إيمانهم بقضاء الله وقدره تبديلاً، وعندما أشاهدهم وقد تمددوا دون حراك على أسرّة المرض، ودون شعور بما يدور حولهم، ودون إحساس بما يتألم به أحباؤهم، عندما يرونهم بما آلت إليه أحوالهم الصحية المتردية، أتذكر زمان صباهم وأيام شبابهم، عندما كان هؤلاء المرضى محور أحاديث مدرستنا في تلك الأزمنة الغابرة، وكانوا بؤرة نقاشات جامعتنا، وفي دائرة أضواء أوضاعنا السياسية، حين شاركوا في حوارات إعلامية متنوعة... يا الله... كيف كانوا في قمة نشاطاتهم الشبابية، ثم بعد سنوات انقلبت أحوالهم وانهزموا نحو قعر خمول شيخوختهم وأرذل أعمارهم.
اليوم بعض هؤلاء الأحبة، من أصدقاء الصبا والشباب، طريحو فراش المرض، كل منهم يعاني أمراضاً مستعصية، فهذا مصاب بشكل من أشكال السرطان، وذاك مصاب بأحد أمراض القلب، وثالث مصاب بفشل كلوي «يهد الحيل»، وغيرهم مصاب بكل هذه الأمراض التي لا علاج لها ولا شفاء منها، ونعرف، تماماً كما يعرف الأقربون من أهلهم، أن نهايتهم معروفة قصرت مدة معاناتهم أم طالت، لدرجة أن من حولهم يدعون الله قياماً وقعوداً وركعاً وسجداً أن يلبسهم أثواب الراحة الأبدية، أياً كان شكل هذه «الراحة»، وفي الوقت ذاته نتساءل نحن كما يتساءل أهلهم كيف لنا أن نتحمل فقد حبيب عشنا معه سنين طويلة من مرحلة مبكرة من الصبا حتى يومنا هذا؟ ومن الذي سيملأ فراغ غيابهم الأبدي؟ وكيف لنا أن نضع جانباً ذكرياتنا الجميلة معهم؟
لو كان لك حبيب من هذا النوع، لا سمح الله، يتعذب ويعاني من أمراض لا فكاك منها، فستمزقك رغبة إنهاء هذه العذابات بأي طريقة كانت حتى لو كانت مميتة، تماماً كمشاعر الإبقاء عليهم بجسدهم المنهك من الأمراض لمجرد الإحساس باستمرار وجودهم في حياتك، كم هي صعبة هذه المشاعر والأحاسيس... رحماك يا الله... و«إنا لله وإنا إليه راجعون».