حتى لا نبني سلالم في العراء
رحم الله نائب مجلس الأمة السابق محمد الرشيد، فقد كان يملك بلغة بسيطة ووصف مختصر أن يختزل أعوص المشكلات، أذكر أنه وصف الحكومة في إنجازاتها بأنها كمن يبني درجاً ولكن لا يؤدي إلى سطح، بمعنى أن الفعل الحكومي لا تترابط ولا تتكامل أهدافه وإنجازاته، فتكون مشاريعه عقيمة مثال برج التحرير.
الآن تتركز المطالبة بفتح البلد وإنهاء سياسة الإغلاق والانغلاق، ولكن هل جاءت هذه الخطوة كنتيجة منطقية لخلق وضع يتطلب الانفتاح؟ وما الذي سيتغير؟ وما المشاريع التي ستستقطب السياح وأرباب العمل والمستثمرين والكفاءات؟
لا نلمس على الإطلاق أي تحركات فعلية على الأرض، وعن نية الإنجاز وردت إشارات خافتة وُصِفَت بالحلم في كلمة سمو رئيس مجلس الوزراء في مؤتمره الصحافي الأخير، حيث أشار إلى استغلال الموقع الجغرافي الذي جعل الكويت تقع بالقرب من تكتلات بشرية كبيرة مثل إيران والعراق فضلاً عن دول مجلس التعاون التي تحفز الكويت إلى غرس جامعات عالمية مميزة كما فعلت دولة قطر، وكذلك مستشفيات عالمية متطورة تقدم فرصاً دراسية وخدمات صحية متميزة لشعوب الدول الجارة، فضلاً عن إنشاء الموانئ التي تتشابك مع الطرق التجارية عبر سكك الحديد التي تنقل البضائع إلى كل الدول القريبة والبعيدة حتى تصل إلى أوروبا.
هذه المشروعات والاستهدافات لا ترقى إلى مستوى الطموح، ولن تنافس بها الكويت الدول الإقليمية التي خطت بخطى عملاقة نحو التطوير والبناء الذي أذهل العالم، وزحفت إليها جموع المستثمرين والسياح ورجال الأعمال وكل الكفاءات والعمالة الماهرة، فانشقت أراضيها عن معجزات انحفرت معها فجوة واسعة بيننا وبينهم!! وهذا يستلزم أن نفكر بعمق وذكاء خارق وعزيمة تلين عقولنا المتحجرة حتى نلحق وننافس دول الإقليم.
ففي السياق السياحي لا بد من تحرير الساحل الكويتي، وهو يمثل ثروة موازية لثروة النفط، كما قال أنطوني بلير، والبحر والساحل الكويتي طوله 320 كيلو متراً، هذا غير سواحل الجزر، هذا الساحل يجب أن يحتضن المشاريع السياحية للعائلات في شكل فنادق ومدن ألعاب ترفيهية تنافس ديزني لاند، ومطاعم ومقاهٍ وأندية رياضية، وأماكن ترفيه لمختلف الأعمار، ويجب إنشاء مدن بحرية بالقرب من هذه السواحل، وتكون المشاريع السكنية فيها شقق فخمة يربطها بالبحر أنفاق تحت الشوارع وممرات المشي.
كما اقترحنا تحويل فيلكا إلى أيقونة سياحية على نمط المدينة اليونانية الشهيرة سانترينو، ونبرز الآثار اليونانية المجهولة، ونضيف لذلك المحمية الطبيعية في وربة وبوبيان والمحميات الزراعية للأمن الغذائي، ومحطات الطاقة المتجددة المعتمدة على الطاقة الشمسية والرياح والأمواج.
هذه المشاريع ستفرض المُضاعَف الاقتصادي مثل جبل علي في دبي الذي سيمتد إلى توفير احتياجات العمالة الأجنبية من السكن والسلع الغذائية والمطاعم والمواد الإنشائية ووسائل المواصلات... إلخ.
فتتوافر فرص لخلق ونمو المشاريع الصغيرة والمتوسطة للمواطنين وتوظيف العمالة الوطنية في الشركات المنفذة عبر فرض التكويت، وتغيير منهج التعليم، وربطه بسوق العمل، بعد ذلك يكون من الضروري أن ينفتح باب الكويت لاستقطاب العمالة الأجنبية الماهرة والكفاءات النادرة، ليس للعمل في القطاع الحكومي بل في القطاعات الخاصة المنفذة للمشروعات والأعمال، فتكون عملية البناء والتشغيل للمشروعات الاقتصادية والتجارية والموانئ وملحقاتها والمدن الإسكانية ومشاريع السياحة والجامعات والمدارس الخاصة والمستشفيات ومشاريع الطاقة المتجددة ومحطات توليد الكهرباء والتكرير والتقطير بعد خصخصتها وغيرها من المشاريع، هذه العملية البنائية والتشغيلية ستكون المحرك لكل القطاعات.
أخيراً ليس ذلك من أحلام الكَرى بل هو ضرورة، ويعد التأخير فيه جريمة نرتكبها في حق الأجيال الحاضرة والمُقبلة في ظل وفرة مالية ضخمة وفرص استثمارية بِكْر، والوفرة المالية مصدرها كما أشرنا خصخصة كل القطاع الإنتاجي، فيكفي أن نشير إلى أن خصخصة محطات الوقود والطاقة وتقطير المياه وتكرير النفط والمصانع الكيميائية النفطية ورفع دعم وقودها ستوفر للدولة ما يقارب 6.4 مليارات دينار!!!