بعد تحذير الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ الحلفاء من فعل أي شيء لتقويض الردع النووي، أبلغت الولايات المتحدة الكونغرس وحلفاءها في أوروبا بمعلومات استخباراتية سرية جدا بشأن القدرات النووية الروسية، محذرة من أنها يمكن أن تشكل تهديداً دولياً.
ونقلت صحف نيويورك تايمز، وواشنطن بوست، وشبكات إيه بي سي، وفوكس نيوز، وإن بي سي، وسي إن إن، عن مسؤولين مطلعين على الأمر أن المعلومات الاستخباراتية الجديدة جادة ومرتبطة بمحاولات «مقلقة للغاية» من روسيا لتطوير سلاح نووي ووضعه في الفضاء ربما لاستخدامه ضد الأقمار الاصطناعية.
وأوضحوا أن القدرات لاتزال قيد التطوير، ولم تنشرها روسيا، وبالتالي «لا يشكل ذلك تهديداً عاجلاً للولايات المتحدة أو أوكرانيا أو الحلفاء الأوروبيين». وقال مسؤولون حاليون وسابقون إن السلاح النووي لم يوضع في المدار.
بيان غامض
وظهر التهديد بعد أن أصدر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب مايكل آر تيرنر بياناً غامضاً يدعو «إدارة الرئيس جو بايدن إلى رفع السرية عن جميع المعلومات المتعلقة بهذا التهديد حتى يتمكن الكونغرس والإدارة والحلفاء من مناقشة الإجراءات اللازمة للرد على هذا التهديد علانية».
وأثار بيان تيرنر وقراره بمشاركة المعلومات مع قادة الكونغرس، ضجة بواشنطن حول ماهية المعلومات الاستخباراتية وأجبر زملاءه على طمأنة الرأي العام بأنه لا يوجد سبب مباشر للذعر.
وأورد تورنر ونظيره الديموقراطي جيم هايمز في رسالة منفصلة إلى المشرعين أن اللجنة «حددت مسألة عاجلة في ما يتعلق بقدرة عسكرية أجنبية مزعزعة للاستقرار ينبغي أن يعرفها جميع صناع القرار في الكونغرس». وأضاف أن لجنته صوتت الثلاثاء لصالح إتاحة المعلومات للمشرعين لمراجعتها حتى اليوم.
غير أن هايمز حثّ على توخي الحذر في التصريحات العلنية، ووصف في بيان منفصل المعلومات السرية التي تم لفت انتباه أعضاء اللجنة إليها بأنها «مهمة» ولكنها ليست «سبباً للذعر».
كما حثّ رئيس مجلس النواب الجمهوري مايك جونسون على توخي الحذر. وقال: «ليست هناك حاجة إلى إنذار عام، وسنعمل معاً على معالجة هذا الأمر، كما نفعل مع كل الأمور الحساسة التي يتم تصنيفها سرية».
من جهته، أعرب مستشار الأمن القومي جايك سوليفان عن إحباطه من تصريح تيرنر علناً قبل إحاطة أعضاء مجلس النواب الأربعة في مجموعة «عصابة الثمانية» التي تضم زعماء الحزبين وكبار أعضاء لجنة الاستخبارات أمس.
وقال سوليفان: «اختار القيام بذلك. كل ما يمكنني قوله هو أنني أركز على الذهاب لرؤيته والجلوس معه وكذلك الأعضاء الآخرين في عصابة الثمانية غداً».
ورفض المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف التحذير الأميركي ووصفه بأنه «افتراء ماكر وخدعة» من البيت الأبيض تهدف إلى إقناع الكونغرس بالموافقة على تخصيص المزيد من الأموال لمواجهة روسيا.
واتهم نائب وزير الخارجية الروسي والمسؤول عن الحد من الأسلحة سيرغي ريابكوف الولايات المتحدة «بالافتراء الماكر».
وفي ألمانيا، قال وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، على هامش اجتماع وزراء دفاع دول حلف شمال الأطلسي «ناتو» في بروكسل، «وفقا لمعرفتي، هذه التقارير جديدة جداً جداً، على الأقل، بالنسبة لي»، وأشار إلى أنه سوف يتم التحدث بشأنها مع الحلفاء.
وحذر من إعطاء إجابات متسرعة، وقال: «علينا موازنة الأمر. يتعين علينا تنقيح المسائل الفنية ورؤية ما يتم استخلاصه منها».
ألمانيا وترامب
وبعد عامين من التحول المفاجئ في سياستها الدفاعية، تتعامل ألمانيا مع موضوع كان أيضاً من «المحرّمات الاستراتيجية»، وهو إنشاء مظلة نووية أوروبية، في مواجهة شبح إعادة انتخاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقالت كاتارينا بارلي، العضو في الحزب الديموقراطي الاشتراكي برئاسة المستشار أولاف شولتس، إنه مع احتمال إعادة انتخاب ترامب، فإن درعا ذرية أوروبية «قد تطرح على الطاولة».
وأثارت هذه التصريحات جدلاً وطنياً مشحوناً بالمشاعر في بلد مناهض بشدة للسلاح النووي ودائماً ما جعل الشراكة مع الولايات المتحدة الأولوية المطلقة.
وساهم تهديد ترامب الصادم بعدم ضمان حماية دول بحلف الناتو في مواجهة روسيا إذا لم تدفع التزاماتها المالية، في تسريع نقاش كان قد بدأ منذ غزو أوكرانيا.
وفي ديسمبر تحدث وزير الخارجية السابق يوشكا فيشر عن إنشاء قوة ردع نووي أوروبية. وقال العضو في حزب الخضر الذي نشأ من معارضة النووي، «هل ينبغي لألمانيا أن تملك أسلحة نووية؟ كلا، أوروبا؟ نعم، لأن العالم تغير».
والثلاثاء، قال وزير المال كريستيان ليندنر إنه من الضروري البحث في إنشاء قوة ردع نووي أوروبية بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا.
وتساءل زعيم الحزب الليبرالي «بأي ظروف سياسية ومالية ستكون باريس ولندن على استعداد للحفاظ على قدراتهما الاستراتيجية أو تطويرها من أجل الأمن الجماعي؟ وفي المقابل، ما هي المساهمة التي نحن على استعداد لتقديمها؟».
وفي 2020، اقترح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على دول الاتحاد الأوروبي «حواراً استراتيجياً» حول «دور الردع النووي الفرنسي في أمننا الجماعي».
واعتبرت صحيفة «هاندلسبلات» أن ألمانيا لم تعد قادرة على تجاهل منطق الردع النووي، قائلة «لنأمل بأن يفوز بايدن أو بألا تتدهور الأمور كثيرا إذا انتخب ترامب».
وفي خطوة مفاجئة، دافع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بايدن فيما يتعلق بالتكهنات بأنه لم يعد يتمتع بصحة جيدة بما يكفي لمزاولة مهام منصبه، واعتبر أن فوزه على ترامب سيكون أفضل نتيجة ممكنة لروسيا.
ورغم انتقاده إدارة بايدن وتأكيده أن موقفها «ضار جداً وخاطئ»، قال بوتين، في مقابلة مع التلفزيون الروسي، إن بايدن «أكثر خبرة وأكثر قابلية للتنبؤ. إنه سياسي من المدرسة القديمة. لكننا سنعمل مع أي رئيس ينتخبه الشعب الأميركي».
وأشار بوتين إلى أنه في اجتماع قمة عقد في سويسرا في 2021، ترددت شائعات بالفعل بأن بايدن لم يعد لائقاً. وتابع: «لم أرَ شيئاً من هذا القبيل».
إلى ذلك، أكد بوتين أنه فوجئ بعدم وجود أسئلة حادة من المحاور الأميركي تاكر كارلسون في مقابلة تصدرت عناوين الأخبار في جميع أنحاء العالم الأسبوع الماضي.
وقال بوتين، لمذيع التلفزيوني الروسي بافيل زاروبين، «لست راضياً بشكل كامل عن المقابلة مع كارلسون، كنت أعتقد أنه سيتصرف بعدوانية ويطرح الأسئلة الحادة»، مضيفاً: «لم أكن مستعداً لذلك فحسب، بل أردت ذلك، لأنه كان سيمنحني الفرصة للرد بالطريقة نفسها».
وفي أول مقابلة له مع صحافي أميركي منذ عامين تقريباً أخضع الرئيس الروسي كارلسون لمحاضرة مدتها نصف ساعة عن التاريخ.