واشنطن تجهز خطة مدعومة عربياً لإقامة دولة فلسطينية
عباس يرحب و«المفتاح» بيد «حماس»... ووزراء إسرائيليون يرفضون ويهددون بتمزيق «اتفاق أوسلو»
في تحرك يهدف لإعادة المنطقة إلى مسار دبلوماسي يجنبها الانزلاق إلى المزيد من الاضطرابات التي فرضتها الحرب الإسرائيلية الانتقامية المتواصلة على غزة منذ 132 يوماً كشفت صحيفة واشنطن بوست، أمس، أن إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسعى مع 5 دول عربية إلى إعداد خطة شاملة تتضمن قيام دولة فلسطينية لتحقيق «سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين» تبدأ بالإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة لمدة 6 أسابيع وتبادل للأسرى.
وفي حين تأمل الدول التي تعمل على الخطة عرضها في مؤتمر ميونخ الأمني السنوي، الذي يبدأ اليوم، ألقت «حماس» بالمزيد من الشكوك حول إمكانية نجاح جهود الوساطة التي تدفعها الولايات المتحدة بمشاركة قطر ومصر لإبرام صفقة التبادل مع إسرائيل، بعد أن أكد رئيس المكتب السياسي للحركة، إسماعيل هنية، تمسكها بشرط أن يضمن أي تفاهم وقفاً شاملاً للحرب وانسحاباً كاملا للجيش الإسرائيلي من القطاع الفلسطيني، وهو ما ترفضه حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتشددة.
وتتضمن خطة السلام المرتقبة، جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، لكن كل ذلك مرهون بإتمام اتفاق التبادل الذي علّق نتنياهو التفاوض بشأنه أمس الأول رغم آمال الوسطاء في أن تفضي جهودهم المكثفة إلى هدنة قبل شهر رمضان المتوقع أن يحل في 10 مارس المقبل.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب، سيكون اتفاق وقف إطلاق النار مفتاحاً ومناسبة لإعلان الخطة وتجنيد دعم إضافي واتخاذ الخطوات الأولية نحو تنفيذها، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة، قالت «حماس» في وقت سابق إنها لا تعارضها.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم، إنّ الخطة تشمل اعترافاً أميركياً مبكراً بالدولة الفلسطينية، مع تنفيذ عناصر الإصلاح السياسي بالسلطة الفلسطينية والضمانات الأمنية لكل من إسرائيل والفلسطينيين والتطبيع بين إسرائيل والسعودية ودول عربية أخرى وإعادة الإعمار.
وتعمل الإدراة الأميركية مع كل من مصر والأردن وقطر والسعودية والإمارات وممثلين فلسطينيين على التوصل إلى اتفاق فيما بينهم حول الخطة، في ظل تصاعد المخاوف من الهجوم الكارثي الذي تعد له إسرائيل لاجتياح مدينة رفح المكتظة بـ 1.5 مليون شخص، أغلبهم من النازحين، وما يعنيه من تصعيد خطير قد يؤدي إلى دفن صفقة الرهائن وجهود السلام طويلة الأمد.
رفض يميني
وفور الكشف عن الخطة التي طرح مفاتيحها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولته الأخيرة بالمنطقة، تعالت أصوات وزراء من اليمين المتشدد في حكومة نتنياهو رفضاً لها.
وقال وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش، عبر «إكس»: «لن نوافق بأي شكل من الأشكال على هذه الخطة، التي تقول في الواقع، إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها بحقنا». وأضاف أن «الدولة الفلسطينية تشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل كما ثبت في 7 أكتوبر» تاريخ شن «حماس» لهجوم «طوفان الأقصى» الذي أطلق شرارة الحرب الحالية.
ووسط موجة من الغضب العارم، كتب وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، يقول: «قُتل 1400 شخص ويريد العالم أن يمنحهم دولة؟ لن يحدث».
ودعا وزير شؤون الشتات، عميحاي تشيكلي إلى «تهديد الأميركيين بخطوات أحادية مثل إلغاء اتفاقيات أوسلو»، في إشارة إلى اتفاق وقّعته الدولة العبرية مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993 وأدى إلى إنشاء السلطة الذاتية المتمركزة في رام الله بالضفة الغربية المحتلة حالياً. كما حذّر الوزير جدعون ساعر من أن «الاعتراف الدولي الأحادي بالدولة الفلسطينية سيجعل الصراع غير قابل للحل».
ترحيب فلسطيني
في المقابل، رحبت وزارة الخارجية الفلسطينية، بالجهود المبذولة للتوصل لمبادرة سياسية تقود لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وتوقف الحرب، وانتقدت تصريحات الوزراء الإسرائيليين وطالبت بفرض عقوبات دولية وأميركية عليهم.
وبرز أمس تأكيد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، في تصريحات لصحيفة الشرق الأوسط، جاهزية مؤسسته الأمنية والإدارية لتسلم المسؤولة عن القطاع، الذي سيطرت «حماس» عليه بعد طردها لعناصر السلطة الخاضعة لهيمنة حركة فتح منه باشتباكات خاطفة عام 2007.
ووسط ضغوط أميركية لإجراء إصلاح سياسي وإداري بجسد السلطة التي تتهمها حكومة نتنياهو بالتحريض على الكراهية والإرهاب وترفض عودة حكمها لغزة، صرح زعيم التيار الإصلاحي المنشق عن حركة «فتح» محمود دحلان، في مقابلة مع «نيويورك تايمز» بأن المرحلة المقبلة لا مكان فيها لعباس ولـ «حماس»، وإنما لأشخاص جدد يتولون المسؤولية في السلطة الفلسطينية.
وقال دحلان الذي شغل سابقاً منصب رئيس جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في غزة، إن الإدارة الفلسطينية الجديدة يمكن أن تدعو الدول العربية الصديقة إلى إرسال قوات للمساعدة على حفظ النظام في غزة، مشيراً إلى أن الدول العربية الرئيسية مستعدة للمساعدة وتمويل إعادة الإعمار، إذا وافقت تل أبيب على إنشاء دولة فلسطينية وإيجاد تسوية شاملة للصراع.
ميدانياً، أسفر القصف الإسرائيلي المتواصل على عموم مناطق القطاع عن مصرع 10 بينهم 4 أطفال وعشرات الجرحى، بعد أن طال منزلاً بمخيم النصيرات، فيما برر جيش الاحتلال اقتحامه مستشفى ناصر وسط مدينة خان يونس التي تشهد معارك طاحنة بحصوله على معلومات استخباراتية عن احتجاز رهائن إسرائيليين به.
في غضون ذلك، دعت عدة فصائل فلسطينية في بيان مشترك إلى حملة شعبية و«نفير عام» في الضفة والقدس والاشتباك مع قوات الاحتلال للمطالبة بوقف الحرب وإفشال مخطط الإبادة.
كابوس مصر
وفي وقت انضمت إيطاليا وأستراليا ونيوزيلاندا وكوريا الجنوبية إلى الأصوات الدولية المنددة بقتل الدولة العبرية لعدد كبير من المدنيين في غزة والمحذرة من شن هجوم كارثي على رفح، حذّر منسق المساعدات بالأمم المتحدة، مارتن غريفيث، من احتمال تدفق الفلسطينيين المكدسين في رفح إلى مصر إذا شنت إسرائيل عملية عسكرية على المدينة الحدودية، مؤكداً أن «فكرة انتقال الأفراد في غزة إلى مكان آمن محض وهم».
وقال غريفيث للدبلوماسيين بالأمم المتحدة في جنيف: «احتمال القيام بعملية عسكرية في رفح، مع احتمال إغلاق الشريان الحدودي للسكان، مع احتمال تدفق النازحين، نوع من أنواع الكوابيس لمصر، وهو حقيقة ماثلة أمام أعيننا».
وفي القاهرة، اتفق رئيس البرازيل لولا داسيلفا ونظيره المصري عبدالفتاح السيسي، على ضرورة وقف إطلاق النار في غزة وإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع المحاصر الذي يواجه خطر انتشار مجاعة. وقال دا سيلفا إن «سلوك إسرائيل ليس له تفسير، فهي تقتل النساء والأطفال بحجة قتال حماس».
ونفى محافظ شمال سيناء تقارير متداولة عن إقامة معسكرات بسيناء لإيواء الفلسطينيين تحسبا لتهجيرهم.