من صيد الخاطر: «طَرْفُ الْفَتى يُخْبِرُ عَنْ لِسَانِهِ»
«طَرْفُ الْفَتى يُخْبِرُ عَنْ لِسانِه»، مثَلٌ عربي يُقصد به أن طرفة العين وحركة جفونها اللاإرادية قد تكشف عن مكنون صاحبها.
فطرفة العين هي إحدى لغات الجسد، ولغة الجسد عند البعض قد تكشف عن صاحبها، وقد يعرق الإنسان عند الإحراج أو الخجل أو الخوف، أو يرتجف، أو يتلعثم، إلا أن طَرْفَةْ العيون - على الأغلب - هي التي تكشف ما يعتمل ويدور في داخل النفوس.
فمثلاً، اتّساع العيون عند الحديث دليلٌ على السعادة والفرح، أما إذا ضاقت فدليل على الضيق والتبرّم، وفرك العينين دلالة على التعجب من أمر ما، أما من يتجنب النظر إلى من يحدثه فقد يكون لعدم الثقة به، أو أن هناك أمراً يريد أن يخفيه ويتجنبه، فإذا نظر إلى أعلى فقد يعني أنه يتذكر أمراً ما، أما النظر إلى أسفل فهو إحدى علامات الخجل.
فـ «طَرَف» كلمة لها مشتقات ودلالات ومعانٍ ومقاصد متنوعة وكثيرة، حتى ضربت بها عدة أمثلة، فيُقال: ما بقيت منهم عينٌ تَطرِف، فقد عُني بها أن الجميع قد ماتوا ولم تعد جفونهم تطرف. ويقال: طرفت الدنيا عينه، فهذا يعني أنه مال إليها وأخذته مباهجها، ويقال: طرف المال عينه، فأعماه عن الحق.
أما إذا قيل: مطروف العين بفلان، فهو لا ينظر إلّا له، وإذا قيل: امرأة مطروفة العين، فهي التي تمدّ بصرها إلى غير زوجها، وإذا قيل: طَرفَ عينه، فقد أصابها بشيء فدمعت، وغَضّ الطَرفَ عنه، فقد قصد به عدّة معانٍ، فهو تجاوزه، أو تساهل معه، أو سامحه، أو أنه تظاهر بعدم الانتباه، أو أغمض عينه عن عيوبه، أما إذا قيل: بِـ «طَرْفَة عين»، فهي كلمح البصر، كقول الله تعالى: «قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ».
وهناك شعر قاله ابن الرومي في ذلك:
طرفُه يُخبرني عن قلبه
أنني يوماً عليه قادر
وقال الفرزدق:
وَقَد كنتُ مِمّا أعرِفُ الوَحْيَ مَا لَهُ
رَسولٌ سوَى طَرْفٍ من العينِ لامحِ
وقال عمر بن أبي ربيعة:
مِنَ المُرْعَداتِ الطّرْفِ، تَنْفُذُ عَيْنُها
إلَى نَحْوِ حَيْزُوم المُجَرَّبِ ذي العَقْلِ
اللهم لا تجعل المال يطرف عيوننا عن الحق، ولا تجعل الدنيا تطرفنا فتلهينا مباهجها، ولكن اجعلنا ممن يَغضّون الطَرفَ عن إساءات البعض.