ما قل ودل: الإرهاب الديني العقائدي الإسرائيلي... وموقف الغرب المتسامح منه
المعسكر الديني في إسرائيل
هناك طائفتان هما الطائفة الأشكنازية والفاردية، وتقوم أيديولوجية العقيدة الدينية اليهودية على أن اليهود يؤلفون شعبا وديانة في آن واحد، وألا يمكن للأمة اليهودية أن تضم في تعدادها أشخاصاً يعتبرون من غير يهود من وجهة نظر دينية، وأن الشخص اليهودي في الدياسبورا يجب أن يجمع بين القومية والدين، وإن لم يتخل عن هذه العقيدة إنما يتخلى عن جنسيته ومواطنه ومواطنيته، وأن هذا الأمر لا يصدق إلا على الشعب اليهودي، ولو كانت الشعوب الأخرى تقبل تمييزاً بين الدين والقومية.
الدين مصدر القومية بإسرائيل
يقول أحد الرموز البارزين للصهيونية الدينية (يحييل ميخائيل بينس 1842- 1912) إن القومية اليهودية هي التي روحها التوراة وحياتها مستمدة من تعاليم التوراة ووصاياها، وإن اليهود في رأيه لا يؤلفون جماعة إثنية أو قومية على غرار الجماعات والشعوب الأخرى في العالم، وأن الخاصيتين الرئيستين لمفهوم القومية هو البقاء في بقعة أرضية واحدة والنطق بلغة تخاطب مشتركة، وأن للدين اليهودي دوراً في تعيين الهوية القومية لليهود، وأن هذا التداخل والتشابك بين الخاصيتين يجب أن يشمل طريقة الحياة ويتناول جميع أعماله اليومية.
ويقول زيراخ فارها فتيغ (وزير الشؤون الدينية الأسبق) إن فقدان العقيدة الدينية بهاتين الخاصيتين يعني خسارة حقنا فى العيش داخل الأرض الموعودة، ومن هنا فإن الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي، هي انقسامات جذرية مع النزعة العلمانية واتجاهها الديموقراطي. وهناك طوائف أخرى من اليهود الذين هاجروا إلى إسرائيل من شتى بقاع العالم الذين يدينون بعادات وتقاليد موروثة في البلاد التي هاجروا منها، وإن هذه الطوائف يهود الهند الذين يعرفون قانوناً للأسرة تختلف تفصيلاته عن القانون التقليدي اليهودي والسائد حالياً في إسرائيل، فهم تيزاوجون من غير اليهود ويمارسون الزواج المختلط، وقد عانى هؤلاء اليهود المهاجرون من الهند الاضطهاد والتمييز العنصري ضد لون بشرتهم.
كما أن هناك جماعة اليهود السود المهاجرين من شيكاغو ولهم حاخاماتهم المسؤول عنهم والذين كانوا قد هاجروا إلى ليبيريا بعد تحررهم بعد عام 1847، ثم شدوا الرحال إلى فلسطين في ديسمبر 69
لذلك يبقى الخلاف داخل المجتمع الإسرائيلي خلافاً عقائدياً، هو كالنار تحت الرماد، وأن شعور هذا المجتمع بالخطر والقلق من الانقسام، في أرض اغتصبها اليهود من سكانها الفلسطينيين الأصليين، والخوف من فقدان تعاطف اليهود الأميركيين النافذين وسخائهم هو الذي أبقى هذه النار حتى الآن تحت الرماد.
وقد حصلت الأحزاب الدينية في أول انتخابات للكنيست (1949) على 12% من مجموع أصوات الناخبين و16مقعدا من أصل (120) وعلى 11٪ من مجموع أصواتهم في الانتخابات التالية (1951) و15 مقعدا في الكنيست، وعلى 17 مقعدا في الانتخابات الثالثة (1955)، و18 مقعدا في الانتخابات الرابعة (1959) وفي الانتخابات الخامسة (1961) و17 مقعدا في الانتخابات السادسة (1965) و18 مقعدا مرة ثالثة في الانتخابات السابعة (1969).
وقد بلغ عدد مقاعد الأحزاب الدينية في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة (2022) 14مقعداً إلا أنها ما زالت رغم عددها المحدود نسبيا تمارس ضغطاً هائلاً على الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بحكم أن التمثيل النسبي للأحزاب في إسرائيل لا يتيح لأي حزب من الأحزاب الكبيرة الحصول على الأغلبية المطلقة لعدد مقاعد البرلمان، فيضطر الحزب المكلف بتشكيل الحكومة إلى استكمال هذه الأغلبية بتعيين وزراء من الأحزاب الدينية، وتعتبر الحكومة المشكلة حالياً برئاسة نتنياهو هي الأكثر الحكومات تشدداً وعنصرية وإرهاباً في تاريخ اسرائيل الطويل. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإسرائيلية أبطلت العمل بحكم صادر من محكمة العدل العليا في إسرائيل بموافقة 5 قضاة من أصل 9 أعضاء فى المحكمة يطلب إلى مأمور النفوس فى حيفا أن يبادر إلى تسجيل أولاد شاليت في خانة الانتماء اليهودي عندما رفضت هذه الدائرة في عام 1964 تسجيل مولود شاليت في خانة القومية على أساس أن المولود يهودي، وبقيت خانة الدين أو المذهب دون تحديد ثم تكررت القصة عام 67 عندما رزقت الأسرة بمولودها الثاني فتم تسجيله على النحو التالى:
القومية: (الأب - يهودي)، (الأم - أجنبية)، (الدين: لا شيء).
وتحت ضغط الأحزاب الدينية التي كان ممثلاً فيها ثلاثة وزراء ممثلون عن الحزب القومي اليهودي، وزير الداخلية، ووزير الشؤون الدينية، ووزير الشؤون الاجتماعية، أصدرت الحكومة الإسرائيلية في 29 يناير 1970 قراراً يتضمن تسوية النزاع القضائي:
أولاً: إلزام دائرة النفوس التابعة لوزير الداخلية بتسجيل أولاد الضابط شاليت في خانة الشعب اليهودي.
ثانيا: عدم سريان قرار محكمة العدل العليا على المواليد من كل الزيجات المختلطة في إسرائيل والبالغ عددها 12 ألف حالة.
تعلیق
لعل ما يستوجب التعليق في هذا السياق أن الفكر العقائدي اليهودي المتشدد في إيذاء الآخر والذي يرفض الاعتراف حتى بهوية اليهودي داخل إسرائيل، في الأوساط الحاكمة بسبب التفرقة على أساس العنصر والجنس، والمتغلغل حتى في الأوساط الحاكمة الإسرائيلية، وفي الكنيسيت والأحزاب السياسية، يلقى
كل تسامح من النظام العالمي وفي المجتمعات الأميركية والأوروبية، بالرغم من أن هذا التعصب الديني العقائدي يتصف بالعنف والإرهاب ضد الآخر بوجه عام وضد الإنسانية، حيث تقوم القوات الإسرائيلية منذ احتلالها للأرض الفلسطينية بأعمال إبادة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الأبرياء والمدنيين من أبناء الشعب الفلسطيني لكسر إرادته وتهجيره واحتلال المزيد من أرضه.
وعلى النقيض من ذلك تقوم الدنيا ولا تقعد بالنسبة إلى بعض الجماعات المتطرفة، والخارجة على حدود الشرع الإسلامي الذي ينادي بالحرية والإخاء والمساواة، وهذه المبادئ هي جوهر الدين الإسلامي، احتجاجاً واستنكاراً لأعمال العنف التي تقوم بها بعض هذه الجماعات التي لا تتجاوز أعدادها بضع مئات أو آلاف، وقد أصبح الإرهاب بسبب هذه الأعمال وصفاً يطلقه الغرب على الإسلام.