«الشال»: إحالة «صندوق الجيش 2» إلى النائب العام بداية مشجعة
ضرورة منع المدانين الكبار من حضور المناسبات الرسمية لتحويل مواجهة الفساد إلى نهج وعقيدة
• عدم الخوف من صلابة الموقف بعدما باتت القيم في البلد للأسف مقلوبة
• الإصلاح المالي يحتاج إلى تغيير وظيفة الصندوق السيادي ليصبح مصدر دخل رديفاً مستداماً
• الاحتجاج والاستجواب يفترض أن يكونا على تخلف التعليم وقصر السنة الدراسية لا على البصمة
استمر «الشال» في تناول موضوع برنامج الحكومة من ناحية المستهدف، قائلاً إنه في اقتصاد ماليته العامة تعتمد بشكل شبه كامل على النفط، وهو مورد دخل ناضب ويتعرض لضغوط سلبية شديدة من كل اتجاه، مثل هبوط مستوى الإنتاج متزامناً مع هبوط الأسعار وارتفاع الاستهلاك المحلي ليقتطع من المتاح للتصدير إضافة إلى اقتطاع متصل من سعر البرميل نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج، فلابد أن يصبح إطفاء حريق المالية العامة أهم المستهدفات، وذلك ما سطره تشخيص البرنامج.
الإصلاح المالي يحتاج إلى إعادة نظر في دور الصندوق السيادي وتغيير وظيفته ليصبح مصدر دخل رديفاً مستداماً
ورأى التقرير أن المستهدف وفقاً للبرنامج هي إدارة السيولة المتاحة بحصافة، ففي جانب الإنفاق، لابد من حرب شرسة على هدره وفساده. وإحالة صندوق الجيش (2) إلى النائب العام بداية صحيحة ومشجعة، ونعتقد بضرورة وقف حضور مدانين كبار للمناسبات الرسمية حتى تتحول مواجهة الفساد إلى نهج وعقيدة، لذا لابد من إعادة برمجة لهيكلته هروباً من واقع غير مستدام تقتطع الأجور والدعوم نحو 79% من إجماليه وتبلغ نفقاته الجارية أكثر من 90%.
في التفاصيل، وفي جانب الإيرادات، تتجه النية إلى تبني نظام ضريبي تدريجي يبدأ من فرض ضرائب على السلع الضارة ومشروع ضريبة أرباح على الشركات، إضافة إلى إعادة النظر في رسوم أملاك الدولة.
ذلك مستهدف كررته كل خطط التنمية وبرامج الحكومات السابقة، الفارق في برنامج الحكومة الحالية هو الوعي بمخاطر، ليس فقط عدم المضي في الاصلاح، وإنما مجرد تأخيره ولو قليلاً قد يجعل تكاليفه غير محتملة على عامة الناس، شاملاً فقدان استدامة نظام التأمينات الاجتماعية، وذلك توجه صحيح.
الاحتجاج والاستجواب يفترض أن يكونا على تخلّف التعليم العام أو على قِصَر أيام السنة الدراسية لا على البصمة
في الجانب الاقتصادي، يستهدف البرنامج مواجهة خلله الهيكلي الناتج عن هيمنة عالية التكلفة ضعيفة الإنتاجية للقطاع العام، وهو أمر لا يمكن استدامته، ويهدف إلى فتح شراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي لإعادة توازنه، ما يمنح الاقتصاد فرص عمالة مواطنة خارج القطاع العام، ووعاء ضريبي ينمو مع الزمن لمواجهة خلل ميزاني العمالة والمالية العامة.
وذلك يتطلب إصلاحاً جوهرياً في بيئة العمل الطاردة حالياً، مما يحولها إلى بيئة عمل جاذبة للاستثمار المباشر، المحلي والأجنبي، ويدعمها تمدد الطلب على إنتاجهما السلعي والخدمي بدعم من موقع الكويت الجغرافي حين استغلاله كمركز تجاري يخدم الدول المجاورة للحدود الشمالية والشرقية بعدد سكان يبلغ نحو 150 مليون نسمة.
ذلك ما سطره البرنامج في مشروعه قصير الأمد لأول مائة يوم، وبرنامج الإصلاح طويل الأمد شاملاً إعادة بناء رأس المال البشري الذي هُدمت قيم الالتزام والإنتاج والولاء الحقيقي لديه، ونعيد التأكيد على أن المحك هو التنفيذ بعد أن تميزت الحكومة الحالية عن غيرها بمستوى وعيها.
ولنا بضع ملاحظات على البرنامج، أولاها هي أن الإصلاح المالي يحتاج إلى إعادة نظر في دور الصندوق السيادي بتعزيز قوي احترافي لإدارته وإعادة بناء استثماراته وتغيير وظيفته ليصبح مصدر دخل رديفا مستداما أسوة بالصندوق النرويجي، ومن دون المساس بأصله والحرص على تنميته.
عدم الخوف من صلابة الموقف... فالقيم في البلد باتت مع الأسف مقلوبة
ثانيها هي إعادة النظر في جيش الهيئات والمؤسسات والأجهزة واللجان الدائمة والتي يفوق عددها الخمسين، سواء بالدمج أو الحل، لأن معظمها يعمل كمراكز توظيف ولا تحقق أهدافها، وتشكل هدراً كبيراً للنفقات العامة. وثالثها التوقف عن تأسيس هيئات ومراكز حكومية جديدة والاستفادة من المتوفر منها بتغيير الأغراض وحوكمة العمل، وفي البرنامج بعض توجيهات التوسع.
ورابعها عدم الخوف من صلابة الموقف، فالقيم في البلد للأسف باتت مقلوبة، من مؤشراتها الجدل الحالي حول بصمة المعلمين، ففي بلد تسوده قيم صحيحة، يفترض أن يكون الاحتجاج والاعتصام والاستجواب على تخلف التعليم العام 4.8 سنة، أو على الانحراف الكبير في تخصصات المعلمين، أو على قصر أيام السنة الدراسية لكثرة الإجازات، أو على التأخر في فرز وعقاب حملة الشهادات المزورة والمضروبة، أي سلامة بناء الإنسان، وليس على قرار تنظيم الالتزام بالدوام «البصمة» أسوة بكل الدول المجاورة، وصلابة الموقف المبدئي إن تحققت تستحق كل الدعم.
برنامج الحكومة يعي أن استمرار الحال على ما هي عليه من المحال
قال التقرير الأسبوعي لمركز الشال الاقتصادي: ذكرنا سابقا أن ما يصنع الفارق في برنامج الحكومة الحالية هو الوعي بحقيقة الوضع الاقتصادي والمالي، والحكومة هي الجناح المهيمن على الإدارة العامة، وذكرنا أن ذلك الوعي كان واضحاً من طرح سمو رئيس الوزراء في مؤتمره الصحافي.
لذلك سنتناول برنامج الحكومة في استعراضنا من زاويتين، التشخيص والمستهدفات، ليس من أجل تبيان درجة اختلافه عن برامج الحكومات السابقة، وإنما من جانب اقتران المحتوى بارتفاع احتمالات الالتزام بتحويله إلى واقع.
من زاوية التشخيص، هناك وعي في محتوى برنامج الحكومة بأن استمرار الحال على ما هي عليه من المحال، ويلخص البرنامج مخاطر استمرار السياسات المالية والاقتصادية الحالية في استعراضه بسرد لتلك المخاطر، ويؤكد أن ضحيتها في المستقبل هم السواد الأعظم من الناس، مثل ارتفاع البطالة إلى حد خطير، وانهيار الخدمات الاجتماعية، متزامنة مع مستوى تضخم كبير يصيب تكاليف المعيشة، إلى جانب تعثّر الأفراد والشركات والبنوك.
وهو تشخيص صحيح، فالبرنامج يتوقع لعجز الموازنة أن يبلغ ما بين 45 و60 مليار دينار للسنوات الخمس القادمة، وقد يصل معدله إلى 13 مليارا سنوياً بحلول عام 2033، مما يعني حاجة المالية العامة إلى سعر لبرميل النفط أعلى من 100 دولار.
ولا سند من القطاع الخاص بوضعه الحالي ليسهم في استيعاب العمالة المواطنة القادمة إلى سوق العمل، ففي الواقع انخفض عدد العمالة المواطنة في القطاع الخاص من 74 ألف عامل عام 2013 إلى 71 ألفا عام 2023، أي تماماً عكس المستهدف، وفي حال استمرار السياسات المالية والاقتصادية الحالية، لا يتوقع البرنامج أن يخلق القطاع الخاص في السنوات العشر القادمة أكثر من 3 آلاف وظيفة مواطنة بحلول عام 2033، ليبلغ عددهم فيه 75 ألف عامل، بينما قد يبلغ عدد القادمين الجدد منهم إلى سوق العمل خلال تلك الفترة نحو 300 ألف مواطن، وسيعجز القطاع العام حتماً عن استيعابهم، أي بطالة سافرة ضخمة.
ورغم ارتفاع مستويات الإنفاق العام، ظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي ضعيفا، مما يعني هبوط نصيب الفرد منه، فقد بدأ بمعدل نمو 1 بالمئة لعام 2013، وانتهى بناقص 1 بالمئة عام 2023، الاستثناء الوحيد كان عام 2022 (9 بالمئة)، بسبب الارتفاع الحاد الاستثنائي لأسعار النفط، لظروف الحرب الروسية - الأوكرانية.
وتشير أرقام البرنامج إلى أن سعر خام برنت كان 29 دولارا للبرميل عام 2000، وبلغ 82 دولارا عام 2023، ومن أرقام سبق لنا نشرها ارتفع الإنفاق العام من 4 مليارات دينار في السنة المالية 1999/ 2000، إلى 26.3 مليارا للسنة المالية الحالية 2023/ 2024، أي تضاعف سعر برميل النفط بنحو 2.83 ضعف فقط، بينما تضاعفت النفقات العامة بنحو 6.58 أضعاف، وارتفعت تكاليف الإنتاج أكثر من 5 أضعاف، وأكل التضخم معظم الزيادة.
الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن ينجح إن استمر اشتعال حريق المالية العامة
ويذكر البرنامج في سرده لمساوئ هيكل الموازنة الحالية أن الأجور تستهلك 57 بالمئة من نفقات الموازنة من دون احتساب الدعوم، (79 بالمئة في حال احتسابها) أو 3 أضعاف معدلها في موازنات الدول المتقدمة، وأن القطاع العام يوظف 23 بالمئة من جملة العمالة (84 بالمئة من العمالة المواطنة) وتلك أعلى معدلات العالم، وبيئة الأعمال الطاردة هبطت بمعدل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي إلى 0.2 بالمئة فقط، وذلك ينسحب على الاستثمار المباشر المحلي.
وذلك وضع غير مستدام، ترتفع تكاليف الاستمرار فيه إلى حدود غير محتملة كلما تأخّر زمن الإصلاح، والإصلاح لا بدّ أن يبدأ أولاً مع إطفاء حريق المالية العامة، لأن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن أن ينجح إن استمر اشتعال حريقها، وذلك ينقلنا الى فقرة المستهدفات.