بوتين على عتبة «السلطة المطلقة» بعد رحيل نافالني
اعتقالات في روسيا لمتضامنين مع آخر «قلاع» المعارضة
ألقت السلطات الروسية، التي تلتزم الصمت بشأن الوفاة الغامضة لزعيم المعارضة الروسي، أليكسي نافالني، داخل سجنه في القطب الشمالي، القبض على 212 شخصاً على الأقل منذ يوم الجمعة توافدوا الى النصب التذكاري للسجناء السياسيين السوفيات في موسكو وإلى الساحات في نحو 13 مدينة روسية لتكريم المعارض الروسي.
وفيما دعت زوجة المعارض الروسي، يوليا نافالنايا، في كلمة في مؤتمر ميونيخ للأمن، إلى محاسبة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي اتهمه الغرب بتصفية نافالني بشكل مباشر أو غير مباشر من خلال الإجراءات القاسية في السجن، اعتبر أندريه كوليسنيكوف (من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) أن «سلطة بوتين باتت الآن مطلقة»، وذلك قبل شهر من الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى في 15 و17 مارس، وستتيح له تعزيز سلطته، في غياب معارضة أنهكتها عملية القمع، خصوصاً منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا.
وزعمت السلطات الروسية أن نافالني، وهو محام سابق (47 عاما)، سقط مغشياً عليه وتوفي بعد جولة سير في مستعمرة بولار وولف العقابية في القطب الشمالي، حيث كان يقضي عقوبة بالسجن لـ 30 عاماً بتهمة الارهاب. وبدا نافالني في آخر لقطات له وهو على قيد الحياة خلال جلسة بالمحكمة الخميس الماضي بصحة جيدة وفي حالة معنوية جيدة، لكنّه وصف ظروف سجنه القاسية بأنها ترقى إلى مستوى التعذيب.
وطالب فريق نافالني بتسلّم رفاته «فوراً». وقالت المتحدثة باسمه، كيرا يارميش، إن ليودميلا نافالانايا (والدة نافالني) ذهبت أمس إلى سجنه، حيث تسلمت «وثيقة رسمية» تؤكد وفاته، لكن مشرحة المعتقل التي يفترض أن تحتفظ بجثته قالت إن «جثة أليسكي ليست في المشرحة». وأضافت بارميش إن المحققين أبلغوا محامي نافالني أن سبب وفاة موكله لا يزال مجهولا، وأن نتائج الفحص الجديد للجثة ستتاح الأسبوع المقبل، متهمة المسؤولين بـ «الكذب» لتجنّب تسليم الجثة إلى الأسرة.
وقال الحليف البارز لنافالني، إيفان غدانوف، على منصة إكس، إنه جرى إبلاغ والدة نافالني ومحاميه بأنه توفي بسبب «متلازمة الموت المفاجئ».
من ناحيته، قال الصحافي البلغاري، كريستو غروزيف، الذي كشف العملاء الذين يقفون وراء تسميم نافالني في 2020 إن «هناك فرضيتان هنا فقط، الفرضية الأكثر براءة أن وفاته جاءت نتيجة 3 سنوات من التعذيب والقتل البطيء في الحجز الانفرادي غير القانوني وغير الإنساني، والنظرية الأكثر ترجيحا مع الأسف هي أنه سُمّم للمرة الثانية»، وقال إنه لو «بالفعل كما قالت الحكومة أنه شعر بوعكة وسقط على الأرض بسبب جلطة دموية خلال السير الصباحي بساحة السجن، فأين الدليل على ذلك؟ أين الدليل المرئي؟، كل السجون الروسية مزودة بكاميرات مراقبة ولم نرَ أي شيء حتى الآن».
واستمرّ التنديد الدولي والغربي، أمس، بوفاة المعارض، مع دعوات لمحاسبة روسيا، فيما خرج آلاف الروس في أوروبا الذين فروا من البلاد بعد حرب أوكرانيا في تظاهرات لتكريم نافالني.
في المقابل، نقلت وكالة الأنباء الروسية الرسمية (تاس) عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، ماريا زاخاروفا، قولها «لم يتمّ إجراء فحص طبي شرعي بعد، لكنّ الغرب توصّل بالفعل إلى استنتاجات».
ورفضت وزارة الخارجية الصينية التعليق، واصفة ما حدث، في ردّ على سؤال وكالة فرانس برس، بأنه «شأن داخلي روسي».
ويقبل بوتين على السلطة من دون منافسة، ومن المرجح أن يستمر على كرسي الرئاسة حتى عام 2030، لاسيما بعد وفاة منافسيه الرئيسيين، وهما نافالني، وأمير الحرب الراحل يفغيني بريغوجين، في حوادث يشتبه بـ «الكرملين» في الوقوف وراءها.
واعتبر أندريه كوليسنيكوف (من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي) ومقرها موسكو، أنه «ليس هناك منافسون لبوتين، ليس بالمعنى الانتخابي فقط، بل بالمعنى الوجودي»، مضيفا أن وفاة بريغوجين ونافالني «أدت إلى تعميق وحدة المستبد على جبل أوليمبوس. سلطته ليست آمنة فقط، بل هي مطلقة».
واعتبرت عالمة السياسة الروسية، إيكاترينا شولمان، أنه «من المنطقي أن يتخلصوا من شخص كان يمكن أن يقود احتجاجات في هذه الفترة قبل الانتخابات. الإدارة الروسية تعرف مثلنا تماما المزاج الحقيقي في المجتمع، ومدى معارضة الناس للحرب (في أوكرانيا)، ومدى رغبتهم في إيجاد بديل»، مؤكدة أن «الناس يشعرون بالإحباط، ولن يوافقوا على الطريقة التي تسير بها الأمور بعد الآن. إن التعاسة لن ترحل مع تواصل الحرب والفقر والقمع».
وتمثّل وفاة نافالني ضربة خطيرة لمؤسسته، التي حاولت تنفيذ عمله من المنفى في ليتوانيا من خلال البث على موقع يوتيوب، آخر منصة رئيسية متاحة مجانا لوسائل التواصل في روسيا، ومن خلال تنظيم احتجاجات صغيرة في روسيا عبر شبكة سرية من النشطاء.