ترسخ التضخم في أميركا وتراجع توقعات خفض الفائدة في 2024
«الوطني»: تحركات كبيرة في العملات والأسواق وانزلاق اليابان والمملكة المتحدة نحو ركود تقني
أدى ارتفاع بيانات التضخم بوتيرة أعلى من المتوقع في الولايات المتحدة إلى تحركات كبيرة في العملات وأسواق الأسهم والسندات بصفة عامة، حيث جاءت قراءة مؤشر أسعار المستهلكين أعلى من المتوقع لشهر يناير الماضي بنسبة 0.4 في المئة على أساس شهري متجاوزة التوقعات البالغة 0.3 في المئة.
وفي ذات الوقت، وحسب تقرير أسواق النقد الصادر عن بنك الكويت الوطني، ارتفعت القراءة على أساس سنوي بنسبة 3.1 في المئة، مقابل 3.4 في المئة في ديسمبر، وظلت أعلى من الرقم المتوقع عند 2.9 في المئة. وأعقب صدور التقرير تراجعت الأسهم الكبرى، إذ انخفض مؤشر داو جونز بنسبة 1.35 في المئة، ومؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.37 في المئة. وفي ذات الوقت، وصل العائد على السندات لأجل 10 سنوات إلى 4.3104 في المئة مقابل 4.1514 في المئة.
وتراجعت التوقعات حيال خفض أسعار الفائدة في 2024، في ظل انخفاض توقعات بخفض أسعار الفائدة في مارس إلى 8.5 في المئة، نظراً لأن ترسخ التضخم وقوة سوق العمل لن تزيد من ثقة مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أن التضخم سيتحرك بشكل مستدام نحو مستوى 2 في المئة مع تطبيق سياسة نقدية أكثر مرونة.
مبيعات التجزئة الأساسية
انخفضت مبيعات التجزئة الأميركية في يناير، وسجلت أكبر تراجع تشهده منذ 10 أشهر لتصل إلى 0.8- في المئة، وانخفض ما يسمى بمبيعات التجزئة الأساسية التي تستثني السيارات والبنزين ومواد البناء والخدمات الغذائية بنسبة 0.4 في المئة في يناير. ومن المرجح أن يعكس الانخفاض التعديلات الموسمية والطقس شديد البرودة. بالإضافة إلى ذلك، تشير قوة سوق العمل ونمو الأجور إلى أن الإنفاق الاستهلاكي سيظل جيداً، مما يدعم الاقتصاد العام. وكان انخفاض المبيعات بنسبة 0.8 في المئة في يناير مفاجئاً، حيث تجاوز التوقعات بتسجيل أكبر انخفاض منذ مارس 2023.
من جهة أخرى، نوه الاقتصاديون إلى أن الانخفاض كان مدفوعاً بعدد من العوامل التي تضمنت انخفاض أنشطة تجديد المنازل بنسبة 4.1 في المئة، وانخفاض مبيعات السيارات بنسبة 1.7 في المئة، مما فاق التوقعات بسبب التعديلات الموسمية بوتيرة أعلى من المتوقع.
ويشير سوق العمل الذي لايزال قوياً وارتفاع الأجور إلى استمرار قوة الإنفاق الاستهلاكي، الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على توسع الاقتصاد. ورغم نقاط الضعف المشار إليها، تشير الدلائل إلى تباطؤ انكماش أسعار السلع واستدامة النمو الاقتصادي. وارتفعت أسعار الواردات في يناير، مما يشير إلى أن الضغوط التضخمية قد تستمر، إلا أن قوة سوق العمل ونمو الأجور يشيران إلى أن الإنفاق الاستهلاكي سيظل إحدى الركائز الجوهرية للاقتصاد الأميركي.
إعانة البطالة
أظهر سوق العمل في الولايات المتحدة عددا من المؤشرات الدالة على التباطؤ الأسبوع الماضي. وانخفضت المطالبات الجديدة للحصول على إعانة البطالة إلى 212 ألف طلب، أي أقل من توقعات الاقتصاديين البالغة 220 ألفا. إلا أن متوسط 4 أسابيع ارتفع إلى 218.500 طلب، وبلغت المطالبات المستمرة 1.895 مليون طلب. وبصفة عامة، لا يزال سوق العمل الأميركي قوياً، في ظل انخفاض المطالبات الجديدة لإعانات البطالة إلى ما دون توقعات الأسبوع الماضي. وعلى الرغم من ذلك، ارتفع المتوسط المتحرك للمطالبات لمدة أربعة أسابيع، وظلت مطالبات التعويضات المستمرة مرتفعة. ويشير هذا الوضع إلى أن سوق العمل لا يتباطأ بالسرعة التي توقعها بعض الاقتصاديين.
مؤشر أسعار المنتجين
قفزت أسعار الجملة بصورة غير متوقعة في يناير، مما وجه ضربة أخرى لآمال كبح جماح التضخم. إذ ارتفع مؤشر أسعار المنتجين بنسبة 0.3 في المئة، متجاوزاً التوقعات التي أشارت إلى تسجيل نمو بنسبة 0.1 في المئة ومسجلاً أكبر قفزة منذ أغسطس. وفي ذات الوقت، جاءت قراءة مؤشر أسعار المنتجين الأساسي الذي يستثني المواد الغذائية والطاقة المتقلبة بنسبة 0.5 في المئة، متجاوزاً التوقعات البالغة 0.1 في المئة.
ويشير هذا التضخم الأكثر ارتفاعاً من المتوقع على مستوى الجملة إلى إمكانية استمرار الضغوط التضخمية على المستهلك في المستقبل.
وتحرك الدولار في نطاق محدود خلال الأسبوع الماضي وأنهى تداولاته مغلقاً عند 104.296.
المملكة المتحدة
استقر التضخم في المملكة المتحدة عند 4.0 في المئة في يناير، أي أقل من التوقعات البالغة 4.1 في المئة. كما استقر معدل التضخم الأساسي دون تغيير عند مستوى 5.1 في المئة، في حين ارتفع تضخم قطاع الخدمات إلى 6.5 في المئة، مقابل 6.4 في المئة الشهر السابق. وكانت تلك البيانات مبعث ارتياح لبنك إنكلترا، حيث تتوقع الأسواق خفض سعر الفائدة في المستقبل القريب في ظل تحرك التضخم على ما يبدو نحو المستوى المستهدف البالغ 2 في المئة. في المقابل، ارتفع نمو الأجور بنسبة 6.2 في المئة على أساس سنوي، أي ضعف الوتيرة التي يرى بنك إنكلترا أنها تتناسب مع عودة التضخم إلى مستوى 2 في المئة.
وانزلق اقتصاد المملكة المتحدة إلى الركود التقني في أواخر 2023، مما وجه ضربة لوعود رئيس الوزراء ريشي سوناك بتحقيق النمو قبل الانتخابات الرئيسية. وكشفت بيانات الناتج المحلي الإجمالي عن تسجيل انكماشاً بنسبة 0.3 في المئة في الربع الأخير مقارنة بانخفاض بنسبة 0.1 في المئة في الربع السابق، مما يضع بريطانيا إلى جانب اليابان في حالة ركود تقني، على الرغم من أنه قد يكون معتدلاً.
ويتوقع المستثمرون خفض أسعار الفائدة، وتريد الشركات مساعدات حكومية، ويواجه الناخبون مصاعب انخفاض مستويات المعيشة. في المقابل، يتوقع بنك إنكلترا رؤية مؤشرات تدل على تحسن الاقتصاد، حيث صرح أندرو بيلي أن أحدث توقعات البنك تشير إلى «قصة نمو أقوى إلى حد ما» في المستقبل.
وكان أداء الجنيه الاسترليني ضعيفاً خلال الأسبوع الماضي، وأنهى تداولات الأسبوع مغلقاً عند 1.2598.
اليابان
دخل الاقتصاد الياباني بشكل غير متوقع في حالة ركود في الربع الرابع من العام 2023، إذ انكمش بنسبة%0.4 بعد انخفاضه في السابق بنسبة 3.3 في المئة، مما يؤهل ألمانيا أن تحتل الآن المركز الثالث كأكبر اقتصاد على مستوى العالم. ويأتي هذا الركود التقني في ظل شكوك حول قدرة البنك المركزي على تغيير مسار سياسته النقدية المفرطة في التساهل. ويشكل ضعف الطلب المحلي، بما في ذلك تباطؤ الاستهلاك والاستثمار، مصدرا جوهريا للقلق. بالإضافة إلى ذلك، يؤدي ارتفاع التكاليف ونقص العمالة إلى تصاعد الضغوط، في حين يقدم الطلب الخارجي بعض الدعم المحدود. ويواجه بنك اليابان عملية توازن صعبة، بالنظر إلى الاتجاهات العالمية والمخاطر المحتملة. وتختلف الآراء حول توقيت تغيير البنك ن لمسار سياسته النقدية، حيث يرى البعض أن أسواق العمل الضيقة وخطط إنفاق الشركات تدعو إلى التفاؤل، بينما يحذر آخرون من المخاطر المستمرة والحاجة إلى الحذر على الرغم من المؤشرات الدالة على تحسن آفاق النمو العالمي.
وتحسن أداء الين الياباني وأنهى تداولات الأسبوع على ارتفاع، مغلقاً عند 150.21.
الصين
انزلقت أسعار المستهلكين في الصين بشكل أعمق إلى المنطقة الانكماشية الشهر الماضي، حيث عانت من أكبر انخفاض لها منذ ذروة الأزمة المالية العالمية في العام 2009. وانخفض مؤشر أسعار المستهلكين في البلاد، بنسبة 0.8 في المئة في يناير على أساس سنوي. وكان هذا أكبر انخفاض للمؤشر منذ سبتمبر 2009 ويمثل الشهر الرابع على التوالي من التراجع. وعزا المكتب الوطني للإحصاء الانخفاض الحاد إلى قاعدة المقارنة المرتفعة في العام الماضي، نظراً لارتفاع الأسعار بصفة خاصة على خلفية تزايد الطلب في العام 2023 خلال فترة عطلة العام القمري الجديد، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 2.1 في المئة. أما هذا العام، فإن بداية العام القمري الجديد يصادف شهر فبراير، مما تسبب في تشوه قاعدة الأساس. وفي الوقت الحالي، تحاول بكين جاهدة إنعاش ثقة المستهلكين والمستثمرين، حيث تواجه العديد من التحديات، بما في ذلك تراجع سوق العقارات، وانهيار سوق الأسهم، وضعف الصادرات. إلا انه رغم ذلك، يرى العديد من المحللين أن أسعار المستهلكين قد ترتفع اعتباراً من فبراير فصاعداً.
وتم تداول الدولار الأميركي أمام اليوان الصيني في نطاق محدود خلال الأسبوع، ووصل في آخر تداولاته إلى 7.1929.
بنك الاحتياطي الأسترالي
أبقى بنك الاحتياطي الأسترالي على سعر الفائدة دون تغيير عند 4.35 في المئة في قرار كان متوقعاً على نطاق واسع بعد رفعها 13 مرة متتالية منذ 2022. وأشار إلى أن تضخم السلع كان أقل من المتوقع، إلا أن تضخم قطاع الخدمات ظل مرتفعاً، إذ بلغ التضخم الإجمالي 4.1 في المئة. وعقدت محافظ بنك الاحتياطي الأسترالي ميشيل بولوك مؤتمراً صحفياً بعد الاجتماع ذكرت فيه أن البلاد تسير على المسار السليم للوصول بالتضخم إلى النطاق المستهدف للبنك الذي يتراوح بين 2-3 في المئة بحلول 2025، والوصول إلى نقطة المنتصف لهذا النطاق بحلول 2026.
وأضافت بولوك أنه على الرغم من وجود «علامات مشجعة»، يظل بنك الاحتياطي الأسترالي «يقظا» تجاه مخاطر ارتفاع التضخم التي قد تجعل من الصعب الوصول إلى المستوى المستهدف.
وفي البيان الذي أعلنت فيه قرار بنك الاحتياطي الأسترالي، قالت بولوك إنها لم تستبعد رفع سعر الفائدة مرة أخرى، وأضافت «نحن لم نقرر أو نستبعد أي شيء حتى الآن، حيث نركز في الوقت الحالي على خفض معدلات التضخم. ومازلنا نرى أن المخاطر متوازنة، ولكن كما تعلمون، كلما واصلنا المضي قدماً في توقعاتنا، زادت حالة عدم اليقين المحيطة بها».
وتداول الدولار الاسترالي أمام الدولار الأميركي في نطاق محدود خلال الأسبوع، ووصل في آخر تداولاته إلى 0.6531.