قال كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة «أليانز»، ورئيس كلية «كولينز»، محمد العريان، إنه من المغري تجاهل الاستجابة لبيانات التضخم الصادرة يوم الثلاثاء الماضي باعتبارها رد فعل كبير على خطأ طفيف في الأرقام المعرضة بشكل خاص للضوضاء الموسمية. ومع ذلك، فإن هذا التطور يشير أيضاً إلى قضايا أعمق قد يكون تأثيرها معنا خلال الأشهر والأعوام القليلة المقبلة.

وارتفعت أسعار المستهلك في يناير الماضي بأكثر من المتوقع لكل من المقاييس الرئيسية والأساسية، على مدى شهري وسنوي. ورغم أن هذا يشكل بوضوح «أخطاء في البيانات»، فأنه كان بمثابة انحرافات بسيطة عن التوقعات المتفق عليها، والتي كان يمكن أن تعكس الديناميكيات الموسمية. ومع ذلك، كانت ردود أفعال وسائل الإعلام والسوق كبيرة.

Ad

وسجل مؤشر أسعار المستهلك الأميركي السنوي نحو 3.1 في المئة، وهو أعلى من توقعات الأسواق التي أشارت لانخفاضه إلى 2.9 في المئة، وكانت القراءة السابقة لمؤشر التضخم الأميركي استقرت عند 3.4 في المئة خلال ديسمبر الماضي.بينما على أساس شهري، كشفت البيانات الرسمية عن نمو التضخم الأميركي بنسبة 0.3 في المئة في يناير الماضي، بينما كانت توقعات الأسواق تشير إلى نمو المؤشر بمقدار 0.2 في المئة فقط، وسجلت القراءة السابقة لبيانات التضخم الأميركي الشهري نحو 0.3 في المئة بنهاية ديسمبر الماضي.

وفي هذه الأثناء، ارتفعت عائدات السندات الحكومية الأميركية عبر المنحنى، منهية اليوم بارتفاع يزيد على 10 نقاط أساس. وارتفع الدولار بينما تراجعت جميع مؤشرات الأسهم الرئيسية بأكثر من 1 في المئة. ووفقاً لـ «العريان»، فقد أثار هذا قدراً كبيراً من التغطية الإعلامية، بما في ذلك مقال في صحيفة وول ستريت جورنال في الصفحة الأولى يعلن عن «مسار غيوم التضخم لخفض المعدل».

ويرى العريان، أنه بدلاً من وصف كل هذا بأنه رد فعل مبالغ فيه، يجب على المستثمرين التركيز على الإشارات الثلاث المهمة في هذا الإصدار الشهري.

أولاً: تدفع البيانات المفقودة انتباهاً أكبر من جانب المشاركين في السوق والاقتصاديين إلى مدى صعوبة التضخم في قطاع الخدمات. حيث ارتفعت مجموعة فرعية مهمة من الأسعار – يطلق عليها اسم supercore - بأكبر قدر منذ نحو عامين. وهذه منطقة تتطلب تباطؤاً ملحوظاً في زيادات الأسعار حتى يتمكن الاحتياطي الفدرالي من تحقيق هدف التضخم عند 2 في المئة. ولابد أن يأتي التباطؤ قبل أن يفقد بعض الانكماش الصريح الحالي في قطاع السلع زخمه.

ثانيا: تعمل البيانات بمثابة تذكير بأن قطاع الخدمات لا يزال أقل حساسية لارتفاع تكاليف الاقتراض. وهذا يمثل مشكلة خاصة بالنسبة للسوق التي كانت تراهن على التخفيضات القوية والمبكرة لأسعار الفائدة من بنك الاحتياطي الفدرالي. وهي أيضاً إشارة إلى أن ديناميكيات «الميل الأخير» في المعركة ضد التضخم قد تصبح أكثر تعقيداً في الأشهر المقبلة، بحسب العريان.

وثالثاً: يضطر خبراء الاقتصاد مرة أخرى إلى مواجهة القضية التحليلية الصعبة المتمثلة في مستوى سعر الفائدة المحايد. والأمر الأكثر إثارة للجدل والتعقيد من الناحية التشغيلية هو مسألة ما الذي يشكل هدف التضخم الأفضل لاقتصاد تحول من الطلب الكلي غير الكافي في العقد الماضي إلى العرض الكلي غير المرن بالقدر الكافي في هذا العقد، وفقاً لمقال كتبه العريان لوكالة «بلومبرغ»، واطلعت عليه «العربية Business».

وستبقى القضايا الثلاث معنا في الأشهر المقبلة. وعلى هذا النحو، وعلى الرغم من الاعتبارات الصحيحة المرتبطة بالموسمية، فيتعين علينا أن نقاوم إغراء استبعاد ردود أفعال السوق ووسائل الإعلام باعتبارها «زوبعة في فنجان». وبدلاً من ذلك، ينبغي لنا أن ننظر إلى ردود الفعل باعتبارها دعوة للاستيقاظ للتجار والمستثمرين وخبراء الاقتصاد الذين تبنوا، مع قدر ضئيل للغاية من التفكير النقدي، رواية الهبوط شبه التلقائي الناعم للغاية الذي يفتح الباب أمام بنك الاحتياطي الفدرالي لتخفيضات أسعار الفائدة الكبيرة والمبكرة.