«الوطني»: الاقتصادات الكبرى تناضل لاستعادة الزخم في 2024

«أميركا الدولة الوحيدة المؤهلة خلاله لتحقيق نمو قوي بفضل مرونة الإنفاق الاستهلاكي وقوة سوق العمل»

نشر في 20-02-2024
آخر تحديث 19-02-2024 | 18:35
No Image Caption

قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني، إن البيئة العالمية لا تزال مليئة بالتحديات في ظل ارتفاع أسعار الفائدة، والأوضاع الجيوسياسية، وضعف نمو التجارة العالمية.

وعلى مستوى الاقتصادات الكبرى، فإنها تناضل لاستعادة الزخم، ويبدو أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة المؤهلة لتحقيق نمو قوي عام 2024 بفضل مرونة الإنفاق الاستهلاكي وقوة سوق العمل، مما سيسهم في تعزيز النمو.

في المقابل، تتجه منطقة اليورو والمملكة المتحدة نحو الركود، إلا أن النمو قد ينتعش قليلاً مقارنة بقاعدة الأساس الضعيفة التي شهدها العام الماضي مع تراجع التضخم وانحسار صدمة الطاقة، ووسط معنويات التفاؤل بشأن خفض أسعار الفائدة. وعلى الرغم من تباطؤ وتيرة النمو في اليابان على خلفية ضعف الطلب العالمي وانخفاض الأجور الحقيقية، يشكل التضخم الذي يتجاوز المستوى المستهدف تحدياً أمام بنك اليابان الذي يتوقع أن يحول مسار سياسته النقدية نحو التشديد خلال العام الحالي.

منطقة اليورو والمملكة المتحدة تتجهان نحو الركود... والنمو قد ينتعش قليلاً مقارنة بقاعدة الأساس الضعيفة العام الماضي

وأضاف التقرير أن الصين، التي كان انتعاشها بعد الجائحة مخيباً للآمال عام 2023، تواجه رياحاً معاكسة نتيجة لضعف الاستهلاك المحلي وأزمة قطاع العقار، مما يزيد من المطالبات بضرورة وضع سياسيات للاستجابة أكثر اقناعاً.

الولايات المتحدة

واصل الاقتصاد الأميركي مفاجآته الإيجابية على مدى الأشهر القليلة الماضية، مما دفع بصندوق النقد الدولي لرفع توقعات النمو عام 2024 إلى 2.1 بالمئة (لا تزال أقل من 2.5 بالمئة عام 2023) مقابل 1 بالمئة المتوقعة قبل 6 أشهر. إذ نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل أعلى من مستوى الاتجاه العام بنسبة 3.3 بالمئة في الربع الرابع من عام 2023، وتشير أحدث استطلاعات مؤشر مديري المشتريات واستطلاعات المستهلكين لاستمرار الزخم على مدار الأشهر المقبلة.

وحتى الآن، كان الإنفاق الاستهلاكي مرناً في مواجهة ارتفاع أسعار الفائدة بدعم من التباطؤ العام لوتيرة التضخم (3.1 بالمئة في يناير الماضي)، وتزايد فرص العمل (+350 ألف فرصة عمل في يناير، مما يعد من أعلى المستويات المسجلة منذ 12 شهراً)، هذا إلى جانب تسارع نمو الأجور إلى 4.5 بالمئة على أساس سنوي.

كما نمت ثروات الأسر بفضل ارتفاع أسعار الأسهم والمساكن. وعلى الرغم من أن التأثير المتأخر لأسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى تآكل الدعم الناجم عن تلك المؤشرات خلال الفترة المقبلة، إلا أن الانخفاض الكبير لمعدلات التضخم لا يزال يعزز آمال السوق في أن يتمكن «الاحتياطي الفدرالي» من خفض أسعار الفائدة بشكل استباقي بمقدار 75-100 نقطة أساس هذا العام، مما يساعد الاقتصاد على تجنّب الهبوط الصعب، بل وربما تمهيد الطريق لإعادة تسارع وتيرة النمو عام 2025.

وقبل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، قد نشهد إقرار حوافز مالية إضافية، إذ إن سيناريو «الوضع المثالي» المتمثل في تباطؤ معدلات التضخم وتحسّن وتيرة النمو الاقتصادي في ظل استقرار أسواق العمل، على الرغم من صعوبة حدوثه، إلا أنه لا يزال معرضاً لمخاطر مختلفة، كصدمات جديدة لسلاسل العرض، في ظل تدهور الأوضاع الجيوسياسية، وعودة ارتفاع التضخم مما يؤخر خفض أسعار الفائدة. وتتضمن المخاطر السلبية الأخرى التي تهدد النمو تعثّر قطاع العقارات التجارية، والذي بدأت آثاره في الظهور أخيراً على النتائج المالية للشركات.

منطقة اليورو والمملكة المتحدة

بقي الركود يطارد منطقة اليورو، بعد أن تجنّبت بصعوبة تسجل ربعين متتاليين من النمو السلبي (-0.1 بالمئة على أساس ربع سنوي، و0 بالمئة على التوالي في الربعين الثالث والرابع من عام 2023).

ولا يزال أكبر اقتصادين في الكتلة، فرنسا وألمانيا، يعانيان ضعف الطلب الخارجي (بسبب الصين بصفة رئيسية) وضعف الاستهلاك المحلي (نتيجة زيادة الأسعار وارتفاع أسعار الفائدة). وقام صندوق النقد الدولي أخيراً بخفض توقعات النمو لمنطقة اليورو لعام 2024 من 1.2 بالمئة في أكتوبر الماضي إلى 0.9 بالمئة، على الرغم من أن تلك التوقعات تعتبر تحسناً مقابل 0.5 بالمئة عام 2023، في ظل تراجع التبعات الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة وبدء انتعاش الإنفاق الاستهلاكي تدريجياً. وفي ظل ضعف وتيرة النمو اقتصادي والانخفاض الحاد لمعدلات التضخم (تراجع إلى 2.8 بالمئة كما في يناير)، تتوقع الأسواق أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بخفض أسعار الفائدة بمقدار 75-100 نقطة أساس خلال العام الحالي، مع استمرار مرونة سوق العمل التي تعتبر أبرز المحفزات الرئيسية لتأخير تلك الخطوة.

أما المملكة المتحدة، فقد تشهد انتعاشاً مماثلاً في النمو بوتيرة متواضعة تصل إلى 0.6 بالمئة مقابل 0.1 بالمئة عام 2023، وفقاً لتوقعات صندوق النقد الدولي.

كما أن نمو الأجور بنسبة 6.2 بالمئة على أساس سنوي يعتبر متقدما بفارق كبير الآن على التضخم الذي وصل إلى 4.0 بالمئة، مما سيوفر الأساس للحد من ضغوط تكلفة المعيشة هذا العام وتحسين توقعات الإنفاق الاستهلاكي. وقد تؤدي هذه التطورات لإبطاء وتيرة خفض أسعار الفائدة من قبل بنك إنكلترا، إذ تتطلع الأسواق لخفضها بنحو 75 نقطة أساس بنهاية عام 2024. ومن المرجح أن تكشف موازنة الحكومة المقرر الإعلان عنها في مارس عن حزمة من التخفيضات الضريبية لتعزيز النمو قبل الانتخابات العامة، إلا أن مجال المناورة محدود بسبب العجز المالي المتوقع أن يصل لنحو 5 بالمئة من الناتج المحلي عام 2024.

وبعد أن مرّ بفترة من التصحيح الكبير في عامي 2022 - 2023، يبدو أن سوق الإسكان سيكون أكثر استقراراً. وكما هي الحال في الولايات المتحدة، تشمل المخاطر التي تحيط بآفاق نمو أوروبا عدم قدرة البنوك المركزية على خفض أسعار الفائدة إذا استمر ارتفاع التضخم، خاصة في ضوء ضعف توقعات النمو. كما أن الضبابية التي تحيط بأسعار الطاقة، والقضايا الجيوسياسية وتعطيل سلاسل التوريد نتيجة للهجمات التي تتعرض لها سفن الشحن المارة بالبحر الأحمر تشكل أخطارا إضافية.

اليابان

خفض بنك اليابان، أخيراً، تقديراته للنمو الاقتصادي للسنة المالية 2023 - 2024 (المنتهية في مارس 2024) إلى 1.8 بالمئة على خلفية تباطؤ النشاط الخارجي وتراجع معنويات المستهلك نظراً لارتفاع التضخم. إلا أن قوة سوق العمل، وارتفاع الأجور الاسمية، وتراجع ضغوط الأسعار إلى حد ما قد تسهم في دعم الاستهلاك الخاص خلال الفترة القادمة، في حين من المقرر أن يستمر القطاع السياحي في التعافي من الجائحة. ونتيجة لذلك، رفع بنك اليابان توقعاته للنمو في السنة المالية 2024 - 2025 بنسبة 0.2 إلى 1.2 بالمئة، وعلى الرغم من أن هذا التوقع يعتبر أضعف من العام الحالي، فإنه لا يزال أعلى من متوسط النمو طويل الأجل. كما قام البنك بتعديل توقعاته الخاصة بالتضخم وخفضها إلى 2.4 بالمئة مقابل 2.8 بالمئة، نتيجة لتراجع أسعار الطاقة، ثم إلى أقل من المستوى المستهدف لتصل إلى 1.8 بالمئة في السنة المالية 2025 - 2026. وعلى الرغم من أن معدل التضخم لا يزال أعلى من المستوى المستهدف في الوقت الحالي، فإن بنك اليابان استمر في سياسته النقدية شديدة التيسير حتى الآن، إذ أبقى على أسعار الفائدة قصيرة الأجل عند نحو -0.1 بالمئة، خوفاً من أن تكون ضغوط الأسعار مدفوعة مؤقتاً بعوامل التكلفة.

بنك اليابان يتوقع أن يحوّل مسار سياسته النقدية نحو التشديد العام الحالي

وفي اجتماعه الأخير، أرسل البنك المركزي إشارات مبكرة عن تحويل مسار سياساته نحو التشديد، رغم أنه لم يقدم أي مؤشر على توقيت أو وتيرة التغيير. ومن المرجح أن يتوقف الانسحاب الكامل من سياسة أسعار الفائدة السلبية على حدوث انتعاش اقتصادي واسع النطاق، بما في ذلك تحسّن الإنفاق الاستهلاكي بقوة وزيادة الطلب الخارجي.

الصين

نما الاقتصاد الصيني بنسبة 5.2 بالمئة عام 2023، إلا أن الرياح المعاكسة الرئيسية التي أضعفت النمو لا تزال قائمة، ونظراً لاستمرار التأثيرات السلبية الناجمة عن أزمة قطاع العقارات، وضعف الاستهلاك المحلي، وتراجع القوى العاملة، وضعف توقعات الطلب الخارجي، فقد يبقى نمو الناتج في حالة تباطؤ طويل المدى. وأبدت المؤشرات الأخيرة كمسوحات مؤشر مديري المشتريات، ومؤشر أسعار المستهلكين، ومبيعات التجزئة، والائتمان المصرفي، والبيانات التجارية، تفاوتاً في مستويات الزخم منذ بداية عام 2024، ويتوقع صندوق النقد الدولي تباطؤ نمو الناتج المحلي إلى 4.6 بالمئة عام 2024.

الصين تواجه رياحاً معاكسة نتيجة لضعف الاستهلاك المحلي وأزمة قطاع العقار

وتعثّر نموذج الاقتصاد الصيني، الذي اعتمد بشكل كبير على الديون واستثمارات البنية التحتية والعقارات في الماضي، إذ أصبح الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الآن أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة. ويعتبر التراكم الكبير للدَّين العام، خاصة بين الحكومات المحلية التي تعاني ضائقة مالية، أحد أسباب الموقف الصعب للحكومة المركزية. وفكّر صناع السياسات في تعزيز الإنفاق على البنية التحتية، إلا أن تلك الخطوة قد تثير المخاوف بشأن تراكم الديون، نظراً لتناقص العائدات على الاستثمار. وقد أدى عدم استقرار العلاقات الصينية الأمريكية وغيرها من التطورات الجيوسياسية لتفاقم التحديات التي تواجهها السلطات. إلا ان الحكومة تعهدت بتقديم دعم قوي لتحسين الاستهلاك المحلي، مع الحفاظ على تدابير نمو صادرات منتجات الطاقة الخضراء ذات القيمة المضافة العالية. كما حاولت السلطات دعم الأسواق المالية من خلال فرض قيود على البيع على المكشوف وضخ الأموال من خلال الشركات المملوكة للدولة، وهو ما يمكن أن يسهم في وقف تدفقات رؤوس الأموال للخارج وتعزيز أداء اليوان الضعيف. وعلى الرغم من ذلك، فإن التدابير التي تم تطبيقها أخيراً لتجديد النشاط الاقتصادي لم تتمكن بعد من استعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين.

back to top