حصل الأستاذ ندرة الكلاس على فيزا دخول العراق في اليوم التالي بفضل قريبه النقيب بالجيش اللبناني خليل كلاس، قابل في السفارة العراقية بالحازمية لبنانيا من الجنوب كان يعمل في الكويت كصاحب محل وبائع ملبوسات، وهو كذلك يريد العودة الى الكويت ويطلب الفيزا، حيث إن لديه بضاعة في الكويت «تقدر بسبعة آلاف دينار كويتي». أكمل التاجر اللبناني حديثه مع الأستاذ ندرة بأن التاجر ترك الكويت بعد الغزو، وأتى لعند أهله بجنوب لبنان ليتفاجأ «بأن جميع من حواليه يريد منه نقودا رغم الأزمة ورغم ضياع أمواله، ورغم أنه لا يملك شيئا الآن».
وجد الأستاذ ندرة نفسه مرة أخرى متجها إلى الأردن والعراق مكملا مشواره المتعثر بعد 24 ساعة في بيروت وكأنها تعادل أربعة وعشرين يوما بالكامل.
كانوا مجموعة من خمسة أشخاص بالسيارة الصالون مسافرين إلى الكويت يقول ندرة: «اجتزنا جزءًا من أراضي العراق بالليل باتجاه بغداد، فكان السائق يقول: لا أستطيع أن أقف ولو للحظة للاستراحة، خوفا من أي هجوم علينا بالليل أثناء الطريق، إذ إن الأمن والأمان انفقد بهذه الظروف، مررنا بطريق خارج بغداد، وأكملنا سيرنا نزولا نحو الجنوب، وأخيراً دخلنا إلى أراضي الكويت.
الكويت أصبحت المحافظة رقم 19 بالنسبة للعراق، أي الغيت الحدود ولم تعد موجودة، وصلنا إلى مدينة الكويت صباحا، كان كل شيء متغيرا، فعند وصولنا إلى مشارف المدينة من جهة طريق العبدلي، كانت صور صدام حسين والنصب التذكارية العراقية في كل مكان». (ص 73).
كيف وجد الأستاذ ندرة شقته وأثاثه؟ يقول: «وصلت الى شقتي، في منطقة السالمية، قطعة 12، شارع أبو هريرة، دخلت الشقة بدون أن يدري أحد من القاطنين من سكان البناية، ففتحت الشقة بالمفتاح الذي معي لأتفاجأ بأن الشقة لم تمس، فهي كما تركتها ببداية العطلة الصيفية من أول شهر يوليو، والآن شهر أكتوبر 1990، فتحتُ المكتبة بالصالون لأشاهد أونصة من الذهب مع قطعة ذهب أخرى، كنت قد وضعتها بجانب الكتب قبل سفرنا على رف لمن يشاهدها، كانت الدنيا قبل الغزو بأمان ولم يخطر على بال إنسان أن الكويت ستصبح جزءًا من العراق، ورغم كل ما سمعناه من سرقات للشقق أثناء الغزو الله فإن وضع الشقة كان على ما عليه، كان يعود الفضل بذلك إلى جارنا أبو رامي المقابل لنا بالشقة من الدور الأول، فهو من الجنسية الفلسطينية، وكان موجوداً دائماً بشقته، ولم يغادر الكويت». (ص 73).
عاد الأستاذ ندرة الى الكويت من لبنان ليلتحق بالتدريس بتاريخ 22/ 8/ 1991 في ثانوية «صالح شهاب» بمنطقة مشرف، وكان عمله سابقا في «ثانوية القرطبى» بمنطقة سلوى.
سميت هذه السنة الدراسية «عام الدمج» حيث تم دمج عامين دراسيين في سنة دراسية واحدة، كانت الفكرة يقول الأستاذ ندرة جدا رائعة ومنصفة وكانت فكرة وتطبيق وزير التربية بوقتها سليمان البدر، والذي كان أحد الصامدين داخل الكويت غير أن «الوكيلة المساعدة للتعليم العام سعاد الرفاعي استقالت بسبب هذا القرار، كونها صرحت بذلك، وما كتبت الصحف اليومية». (ص84).
كان الأستاذ ندرة محبوبا من الطلبة بشهادة استبيان أشرف عليه ناظر المدرسة أ.سليمان الشطي ولكنه كان راغبا في الانتقال الى مدرسة أحمد البشر الرومي بمنطقة الدعية وفي هذه المدرسة تدهورت علاقته بالطلاب، «وأصبح الصف تحت تصرفهم ونجحوا بالسيطرة عليّ، فلم يعد لي احترام كمدرس، ولم أعد أستطيع ضبط الصف، فكانت الدروس باللغة الفرنسية هرج ومرج وضحك وتعليقات». (ص85).
تعرض الأستاذ ندرة لاعتداء جسدي من الطلاب عدة مرات بدأت الأولى بأحد الطلاب يطلب نتيجته من الاستاذ في قسم اللغة الفرنسية «فقلت له بأنني لم أصلح أوراق الامتحان، فتطاول الطالب عليّ، وقال ماذا تعمل فليس لديك عمل؟ قلت له: أنت لست برجل، فداخل الصف عندما أكتب على اللوح تعطي أصواتا وعندما أواجهك تسكت، فانفعل الطالب غضبا وحاول التهجم عليّ، ولكن زملاءه بالصف أخرجوه من القسم وذهب معهم».
في اليوم الثاني اكتشف الاستاذ أن جميع طارات سيارته «التيوتا» مضروبة بسكين حادة ونازلة على الأرض بدون هواء وقام الأستاذ بتبديل الإطارات رغم معاناته من آلام «الديسك» في الظهر، وتعرض لآلام حادة في الظهر، حيث أجريت له عملية في مستشفى الرازي، ومكث في الفراش بالمستشفى نحو شهر ونصف، «علماً بأنني واجهت هذا الطالب بعد ثماني سنوات، لأجده موظفا بكلية العلوم بجامعة الكويت بمكتب اختبار القدرات للطلبة الجدد لدخول الجامعة، وكنت بوقتها أقدم الأوراق إلى ابنتي «دانة» لعمل دورة تدريبية في هذه الاختبارات، فرحب بي واستقبلني بمكتبه، ثم طلب مني مسامحته بدون ذكر تلك الحادثة، وكان بمنتهى الأدب والمعاملة الحسنة لأنه ذهب الى أميركا كما قال لي ودرس هناك وتعلم الحضارة وفن التعامل مع الناس والرقي واحترام الآخر». (ص87).
وفي تجربة الأستاذ ندرة شكوى من أحد النظار، وما كان يمارس من ظلم بحقه وكثرة التجاوزات مع الطلاب بتغيير درجاتهم وتقديراتهم من مقبول إلى جيد، لكن الناظر قدم استقالته في النهاية بعد اتساع دائرة الشكوى ضده.
في الكتاب قصص وحكايات أخرى، لا مجال لعرضها لكنها تبين حالة التدريس وأوضاع المدرسين.