الأوامر التغييرية والعجز في الميزانية

نشر في 21-02-2024
آخر تحديث 20-02-2024 | 19:57
 د. محمد الدويهيس علم الإدارة من العلوم الإنسانية والاجتماعية المتجددة التي تتفاعل مع المتغيرات التي يعيشها الإنسان والطبيعة وتحاول الإدارة الناجحة أن تتأقلم مع الظروف والمتغيرات في بيئة العمل لتقليل التكاليف المالية والاقتصادية من ناحية، وللتأقلم مع الظروف الإنسانية لزيادة إنتاجية وفعالية وكفاءة المنظمة من ناحية أخرى.

ويحاول الإداري المتميز والمخطط الناجح استشراف المستقبل والاستعداد له وعمل الخطط الاستراتيجية والخطط البديلة اللازمة لمواجهة التغييرات المتسارعة والمتغيرات المتوقع حدوثها في المستقبل، ولا يستطيع المخطط ضمان سير الخطط المرسومة وتحققها بدرجة 100%‏ لأن الأمر ليس علمياً صرفاً حيث تعمل الظروف الطبيعية والعوامل الإنسانية المتغيرة دوراً كبيراً في درجة تحقق الأهداف المرسومة. وعادة ما يتم إعطاء نسبة سماح وتباين تتراوح ما بين 5% و10% بناءً على طبيعة المشروع ومدته الزمنية والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تمر بها الدولة والمتغيرات الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالمشروع التي يمكن أن تؤثر في تأخر أو إنجاز المشروع.

هذه المقدمة لا تعطي تبريراً للأخطاء الإدارية والقصور بتنفيذ وأداء العمل الإداري!! ولكن توضح أن هناك مرونة محددة لأداء المهام الوظيفية ونسبة محسوبة لإنجاز الأعمال والمشاريع بالكم والكيفية والوقت المحدد.

ومن الملاحظ خلال السنوات القليلة الماضية تأخر وارتفاع نسب عدم الإنجاز في المشاريع الإنشائية على مستوى الدولة مع تعدد الأوامر التغييرية على العقود والاتفاقيات التي تعقدها الأجهزة الحكومية!

فعلى سبيل المثال زادت مدة التأخير في تنفيذ مدينة صباح السالم الجامعية لأكثر من 15 عاماً وتعددت الأموار التغييرية خلال هذه الفترة لتصل إلى ما يزيد قيمته على 3 مليارات دينار كويتي حسب أحدث التقارير الرقابية!!



كذلك من المشاريع التي أصابها التأخير وتعدد الأوامر التغييرية جسر الشيخ جابر ومستشفى جابر ومشروعا طريق الجهراء وطريق جمال عبدالناصر، بالإضافة لمشاريع المؤسسة العامة للرعاية السكنية وكذلك العديد من المشاريع الإنشائية الحكومية التي تقوم بتنفيذها وزارة الأشغال نيابة عن الجهات الحكومية، وما يتضمن ذلك من تغيير في المواصفات والمتطلبات الحكومية، وما ينتج عن ذلك من تأخير وأوامر تغييرية متعددة ومكلفة!!

وقد وجدت الأوامر التغييرية للتعامل مع المتغيرات والمستجدات في المواصفات الفنية للمشاريع وخصوصاً تلك التي تتطلب فترة إنجازها مدة طويلة وذلك لمواكبة التغيرات التكنولوجية والفنية والاقتصادية والاجتماعية المستجدة والتكييف معها.

لن أقوم بهذا المقال المختصر بسرد وذكر المشاريع الانشائية الحكومية وما يصاحبها من تأخير في التنفيذ وتعدد في الأوامر التغييرية بشكل شبه شهري في مراحل التنفيذ والإنجاز لهذه المشاريع الكبرى والتكاليف المالية العالية التي تتكبدها الدولة بسبب التأخير والأوامر التغييرية المتعددة لأنه يطول الحديث فيها! ولكن من الممكن أن نستنتج أن أحد أسباب تضخم الميزانية العامة للدولة وأحد أسباب ارتفاع نسبة العجز بالميزانية هو كثرة الأوامر التغييرية وتعددها والزيادة في عدد القضايا التي تخسرها الدولة بسبب هذه المشاريع الإنشائية والتنموية ومخالفات التأخير أو عدم الالتزام بهذه الاتفاقات بالإضافة إلى عدم المتابعة الدقيقة والمستمرة من قبل الأجهزة الحكومية والجهات الرقابية لهذه المشاريع الإنشائية والمشاريع الحكومية التنموية الكبرى والقضايا التي تخسرها الدولة بسبب ضعف وتهاون وعدم كفاءة محامي الدولة (إدارة الفتوى والتشريع) والمستشار الفني للحكومة (إدارة ومكتب البيوت الاستشارات والهندسية بالأمانة العامة للتخطيط والتنمية بوزارة التخطيط)! وكذلك عدم محاسبة المسؤولين الإداريين والقانونيين والفنيين في الجهات والأجهزة الحكومية عن أسباب التأخير ومشروعية طلب الأوامر التغييرية في هذه المشاريع الاستراتيجية!

وإنني أتساءل: أين دور المستشارين والمكاتب الاستشارية الهندسية والقانونية والإدارية التي يتم دفع مئات الملايين من الدنانير لها سنوياً مقابل هذه الاستشارات للحد من غرامات التأخير وتعدد الأوامر التغييرية؟!

الأمر يتطلب وقفة جادة من الوزارات والأجهزة الحكومية والجهات الرقابية العليا بالدولة لوقف هذا الاستنزاف والهدر للموارد المالية للدولة ومحاسبة المسؤولين عن الهدر الحكومي وتعدد الأوامر التغييرية غير المبررة والتأخير في إنجاز هذه المشاريع الإنشائية والمشاريع التنموية الكبرى في الدولة وكذلك تفعيل دور أجهزه المتابعة والأجهزة الرقابية في الدولة.

إن سوء الإدارة وضعف الرقابة السابقة واللاحقة بالجهاز الحكومي وضعف المتابعة الإدارية والفنية وعدم تطبيق مبدأ العقاب والثواب أوجد بيئة خصبة لتعدد وزيادة تكلفة الأوامر التغييرية وفرصة لتأخير المشاريع الحكومية الكبرى! فهل نعطي «الإدارة» أهميتها أم نظل نتكبد الخسائر المالية والعجوزات المالية سنة بعد سنة بسبب تعدد الأوامر التغييرية وزيادة تكاليف التأخير في تنفيد المشاريع الحكومية؟!

ودمتم سالمين.

back to top