بطلان تغيير صفة ابن المتجنس تشريعياً
أرسى الدستور الكويتي مجموعة من القواعد والأحكام بشأن الجنسية الكويتية في 5 مواد دستورية، وبقواعد أوردتها مذكرته التفسيرية، وبأحكام وتعاريف جامعة مانعة قررها قانون الجنسية رقم 15 لسنة 1959.
فقد اعتبر الدستور أن الكويتيين - وفقاً لما حدده قانون الجنسية - إما كويتيون بالتأسيس وهم من استوطنوا الكويت قبل 1920، واعتبر فروعهم ممن ولدوا بعد هذا التاريخ كويتيين بالتأسيس أيضاً باعتبار أن إقامة الأصول تمتد للفروع واستخدم لفظ (تكمل إقامة الفروع)، ومنحهم صفة محددة ومنطقية أنهم كويتيون بصفة أصلية باعتبار ولادتهم لكويتيين مؤسسين، وهي تسمية مقصودة ومنضبطة قانونياً واصطلاحياً، لأنهم ولدوا لآباء مؤسسين، فعوضاً عن إطلاق صفة مؤسس عليهم (وهي صفة كانت تطلق عليهم في أحيان كثيرة وبوثائق متعددة)، ومن ثمّ تثبت لهم فور ميلادهم بأحد الوصفين السابقين «كويتي مؤسس» أو «كويتي بصفة أصلية»، وهي صفة تثبت فور الميلاد لأب مؤسس.
وهنا نجد أن الدستور وقانون الجنسية قد تبنّى ثلاثة مصطلحات منطقية مختلفة ومنضبطة، وهي:
كويتي بالتأسيس: وهو الكويتي المؤسس الموجود قبل 1920 وأبناؤه وفروعه.
كويتي بصفة أصلية: ويطلق فقط على الكويتي المولود لأب مؤسس وفروعه وإن نزل.
كويتي بالتجنّس: ويطلق على من يكتسب الجنسية بالتجنس، وهي الصفة التي تثبت لأبنائه وفروعه وإن نزل، فما هو ثابت للأصل ينتقل تلقائياً للفرع، ولا يمكن للأصل أن يكسب الفرع صفة مغايرة لصفته، فـ «فاقد الشيء لا يعطيه».
وقد استقر مسلك المشرّع الكويتي منسجماً مع ما هو مقرر بالدستور والقوانين المرتبطة بالدستور منذ عام 1959 وحتى 1994.
ففي ذلك العام، أصدر مجلس الأمة القانون رقم 44 لسنة 1994، واصفاً ومانحاً من وُلد لأب متجنس صفة أخرى «مبتدعة» و»منحرفة» ومغايرة لصفة أبيه، مُطلقاً وصف (بصفة أصلية وفقاً للفقرة الثالثة من المادة السابعة)، وكان ذلك انحرافاً تشريعياً وسياسياً لأغراض انتخابية، رغم انعدام سلطة المشرّع في إحداث هذا التغيير لصفة تثبت بالميلاد بحكم الدستور والقوانين المكملة له، تبعاً لصفة الأصل، وتم ترتيب آثار ونتائج منعدمة على هذا التطبيق، منها الترشيح.
فوفقاً للمادة الثانية من القانون رقم 15 لسنة 1959 بشأن الجنسية، يعتبر كويتياً كل من وُلد لأب كويتي، وهذا القانون حدد أنه مَن يُولد لأب كويتي يكون كويتياً وفقاً لما هو ثابت من صفة لأبيه (علماً بأنه يوم صدور قانون الجنسية لم يكن يوجد إلا كويتي بالتأسيس أو كويتي بصفة أصلية - المولود لأب بالتأسيس). ولم يكن يوجد وقتها كويتي متجنس، إلا بعد أن بدأت حركة التجنيس.
ولذلك، فإن كل من يولد لأب له صفة ثابتة لجنسيته تثبت له هو بالتبعية ذات طبيعة وصفة الجنسية الثابتة لأبيه، فصفة الفرع تتبع وتلحق صفة الأصل، ولا يمكن للأصل أن يُثبت للفرع صفة يفتقدها هو وغير ثابتة له، حتى لو جاءت السلطة أو التشريع ومنحت أو أعطت شخصاً وصفاً مغايراً للحقيقة، فالحقيقة لا تتغير بقرار أو تشريع من السلطة التنفيذية أو التشريعية وبقاعدة عامة، إذ إن ذلك تلبيس وإكساب تشريعي يخالف الحقيقة لا وجود له، ولا يدخل ضمن اختصاصات التشريع، ومَن يدّعي تحقق صفة المواطنة عليه اللجوء إلى القضاء والحصول على حكم بذلك، فتغيير الصفة وتغيير الاسم وتغيير أي أمر يتعلق بشخصية الشخص الطبيعي، لا يجوز أن يتم لأيّ كان إلا بحُكم قضائي، وهذا ليس من سلطة المشرع ولا من طبيعة عمله، وفقاً لمبدأ الحدود الدستورية لعمل السلطات، وهنا نتحدث عن جملة من النصوص الدستورية، ويجب أن تُعرض كل حالة على القضاء منفردةً، ليعمل سلطته في الفصل فيها وفقاً للحيثيات والمستندات التي تُقدم أمامه.
والمادة الثانية من قانون الجنسية التي يستند إليها البعض، لتوسيع سريانها على من لا تشمله غير صحيح قانوناً، ومردود عليه بارتباط هذه المادة بالمادة الأولى ومعطوفة عليها قانوناً ومتممة لها، وهي تسري على أبناء من يولد للمؤسس وأبنائه المكملين لمدده، وفقاً للسياق الوارد بالمادة الأولى، وهي قاصرة في حكمها على من عرّفته المادة الأولى بالقانون أنه كويتي، ولا محل لصرف حكمها لمن لم يكن موجوداً عند صدور قانون الجنسية.
ولذلك جاءت محاولة الخروج على نص المادة 82 من الدستور بالقانون 44 لسنة 1994، والذي لم يكتفِ بمنح ابن المتجنس المولود بعد صدور القانون صفة ووصف (بصفة أصلية) مخالفاً للمادة الدستورية المذكورة، بل إنه اشتمل على مخالفة أبشع بمدّ أثر حكمها بأثر رجعي ليمنح لابن المتجنس المولود قبل صدور القانون، مهما فات عليه من الزمن، ومهما كانت سنّه، ليصبح كويتياً بصفة أصلية، وهذا وجه أبلغ ضرراً وأبشع صورة من صور المخالفات الدستورية.